الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

أحفاد كاسترو.. جيش الرداء الأبيض يغزو العالم لمحاربة الوباء

امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي الفترة الأخيرة بفيديوهات تظهر مبادرة الأطباء الكوبيين يسافرون لمختلف مدن العالم للمساهمة في الحرب العالمية ضد كورونا.



يشتهر كل بلد بنوع معين يقوم بتصديره لكل العالم، وعندما نسأل ما هو الشيء الذي تبرع به كوبا وتصدره للعالم يخطر ببالنا السكر أو البقول أو غيرها من الصادرات، ولكن في الحقيقة كوبا تشتهر بتصدير أطبائها للعالم.



وسطرت كوبا تاريخها بمبادراتها الطبية في ظل أي أزمة يشهدها العالم، ومنذ ثورة 1959 ترسل كوبا «جيوش الرداء الأبيض» إلى البلدان المنكوبة في أنحاء العالم تحت شعار الدبلوماسية الطبية.

فقد أرسلت المئات لمكافحة الكوليرا في هايتي، وإيبولا في غرب أفريقيا عام 2010، والآن ترسل كوبا العاملين الطبيين للعالم، ليكونوا مستجيبين بالخطوط الأمامية لوباء كورونا.

وفي مقطع انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر به الأطباء الكوبيون يصلون إلى إيطاليا للمساعدة في حالات العلاج بعد أن شهدت إيطاليا تفشياً هائلاً بالفيروس.



كما أرسلت الفرق الطبية إلى فنزويلا ونيكاراغوا وجامايكا وسورينام وغرينادا، وفقاً لرويترز.

وعلى الرغم من إرسال هذا العدد الكبير من الأطباء إلا أن البلاد لا تزال تحتفظ بأعلى نسب من الأطباء في العالم.

وأرسلت كوبا أكثر من 50 ألف طبيب كوبي لأكثر من 67 دولة حول العالم وفقاً لتقرير مجلة التايم.



ولكن لماذا تحتوي كوبا على هذا العدد الكبير من الأطباء؟



بالمقارنة مع الولايات المتحدة، يوجد في كوبا أكثر من 3 أضعاف عدد الأطباء للفرد الواحد وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية.

فبعد الثورة في عام 1959، أسس الزعيم الجديد فيدل كاسترو نظاماً كانت فيه الرعاية الصحية والتعليم المجاني حجر الزاوية الأساسي، وكوبا هي البلد الوحيد في العالم التي تبلغ بها نسبة الأمية 0%.

طوال الستينيات، بدأت كوبا في استخدام أطبائها كأداة دبلوماسية لبناء حليف مع الدول النامية الأخرى.

وحتى اليوم، ما زالت صادرات كوبا من الأطباء تفيد جهود العلاقات الدولية للبلاد.



وفي تصريح خاص لـ«الرؤية» قال وائل غريبة الرئيس التنفيذي لشركة CubaHeal Medical التي مقرها كوبا وتعمل لصالح Cuban medical authorities في مجال الخدمات الصحية أن الإنسانية هي من مبادئ الكوبيين، وأكد أن الشعب الكوبي جاهز لمد يد العون إلى كل الشعوب وقت الحاجة الماسة وتقديم المساعدة الطبية المتخصصة خلال الكوارث أو تفشي الأوبئة.



وأكد غريبة أن كوبا أرسلت مئات فرق الطوارئ المتخصصة إلى تشيلي ونيكاراغوا خلال أزمات الزلازل، وعلاوة على ذلك لم تتوانَ كوبا بالتفكير بالتضحية بمواجهة فيروس إيبولا الذي ضرب جمهورية الكونغو الديموقراطية، وتم الاعتراف بجهودها والإشادة بها من قبل منظمة الصحة العالمية.

وأشار وائل غريبة إلى أن دور كوبا الطبي الإنساني لم يقتصر على إرسال الفرق الطبية للخارج، ففي عام 1986 خلال كارثة تشيرنوبيل، استقبلت كوبا ما يقارب 20 ألف مريض بالسرطان، وقدمت لهم الرعاية الطبية المتخصصة الكاملة من عام 1989 حتى 2001.

وأضاف وائل أن كوبا قدمت منحاً دراسية بالطب شاملة الإقامة والبدلات لما يقارب 50 ألف شاب وشابة من كل أنحاء العالم لإنشاء جيش من الأطباء ليعودوا إلى بلدانهم ويخدموا مجتمعاتهم بعد تخرجهم، وذلك لتحقيق جزء من حلم القائد فيدال كاسترو.



أما عن مشاركة أطباء كوبا في معركة العالم ضد فيروس كورونا، فقد أكد وائل أن نظام الرعاية في كوبا قائم على المجتمع والوقاية وهو نهج طبي وصحي، وأكد أن تجربة كوبا في إدارة ومكافحة الأمراض ستفيد العالم في حرب كورونا.

وأكد أن الأطباء محترفون بالتعامل مع الأمراض السارية، إذ تضم كوبا معهد الطب الاستوائي الكوبي وهو مؤسسة متخصصة في الرعاية الطبية والتطوير والبحث والتدريس، ويعد المركز مرجعاً عالمياً في مجالات الوقاية من الأمراض السارية ومكافحتها والقضاء عليها، كما يقدم المشورة والتعاون لمنظمة الصحة العالمية.



وبالإضافة إلى ذلك، أكد وائل أن كوبا تمتلك ابتكارات التكنولوجيا الحيوية الممتازة، وخلال معركة الصين مع الفيروس التاجي استخدمت دواء إنترفيرون وهو دواء كوبي الصنع، وأضاف أن الفرق الطبية التي تم إرسالها للدول المنكوبة بفيروس كورونا، ذهبت مسلحة بهذا الدواء وهو مضاد للفيروسات وأحد أنجح الأدوية في علاج فيروس كورونا، وتم استخدامه في الصين وإيطاليا وعدة دول أخرى.

وفقاً لإحصاءات منظمات الصحة العالمية لعام 2015، أصبحت كوبا رائدة على مستوى العالم من حيث نسبة الأطباء، إذ يوجد في كوبا 9 أطباء لكل 1000 مريض.

وقال محمد شير قيصراني وهو طبيب باكستاني درس الطب في كوبا للرؤية: أن الأطباء الكوبين متقدمون علمياً ولديهم قدرة عالية جداً بالتعامل مع مثل هذه الكوارث.



كوبا تتغلب على العقوبات الأمريكية



تعيش كوبا أطول حصار تاريخي وهو الحصار الأمريكي، إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات تضمنت حصاراً اقتصادياً وتجارياً، بدأ في 19 أكتوبر 1960 بعد سنتين من قيام الثورة الكوبية.

ولم يشكل هذا الحصار الذي يُفرض قيوداً على تصدير أو استيراد العديد من الموارد بما فيها الموارد والمعدات الطبية.

ويقول وائل غريبة إنه بالنظر للنهج الكوبي الطبي المبني على التدريب المكثف والخبرة الطويلة للأطباء، وتمكنت كوبا من تطوير وتصنيع العديد من التقنيات الطبية والأدوية الحاصلة على براءات اختراع.



بالإضافة إلى ذلك، تستورد كوبا جميع المعدات والتقنيات الطبية اللازمة من البلدان التي لا تلتزم بالحصار الأمريكي مثل كندا والعديد من الدول الأوروبية وروسيا والصين.

وأشار إلى أن كوبا تبذل كل جهد لتوفير أفضل علاج طبي للسكان، كما أنها قامت بوضع نظام يسمى «بوليكلينيكو»، وهو عبارة عن عيادات طبية في كل حي، وتتمثل مسؤولية هذه العيادات في رعاية السكان الطبية والكشف المبكر عن حالات طبية معينة، وإحالة الحالات الأكثر تعقيداً إلى المراكز الطبية المتخصصة.

كما يقوم أطباء العيادة بزيارات أسبوعية إلى أماكن إقامة السكان، لضمان الرعاية المناسبة والالتزام بالبروتوكولات الطبية.

ومن مهامهم أيضاً متابعة حالة النساء الحوامل بزيارات أسبوعية حتى مرحلة ما بعد الولادة.

ومن جانبه، أكد الدكتور محمد قيصراني أن كوبا عندما تعاني من أي نقص في المعدات يقوم أطباؤها بالاختراع والإنتاج بأنفسهم، وأنهم قادرون على توفير جميع احتياجاتهم إلى أقصى حد ضمن الموارد المتاحة، كما أنهم يمتلكون خبرة هائلة في الأوبئة.

وأكد روبيرتو بلانكو دومينغيز سفير كوبا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، أن تضامن كوبا مع شعوب العالم هي مبادئ وقيم إنسانية متأصلة في السياسية الخارجية للثورة الكوبية، وأضاف أن التعاون في المجال الصحي موجود من أعوام.



وذكر مواقف كوبا في عام 1960 عندما تضامنت مع زلزال تشيلي وأرسلت فريقاً طبياً، وأطناناً من المعدات الطبية والإمدادات.

ولم تستثنَ الدول العربية من مواقف كوبا الإنسانية، حيث ذكر روبيرتو أنه في عام 1963 أرسلت كوبا فريق طبي للجزائر لتقديم الدعم لمدة عام كامل، وكانت هذه اللفتة بداية التعاون الطبي الكوبي مع العالم.



وأكد أن أطباء كوبا يقدمون خدماتهم بدون تمييز بسبب العرق أو العقيدة أو حتى الأيديولوجية.

وأكد روبيرتو أن كوبا التي تعاني من الحصار الاقتصادي والمالي والتجاري الذي تفرضه الولايات المتحدة، وأنها تبني تعاونها مع الدول على أسس الاحترام المطلق لمبادئ القانون الدولي وليس على غايات سياسية للتكيف أو التدخل بشؤون البلاد الداخلية.

إيبولا قبل كورونا



وأكد السفير الكوبي أن من أهم الأحداث في تاريخ التعاون الطبي الكوبي كان إنشاء الوحدة الدولية للأطباء المتخصصين في حالات الكوارث والأوبئة الخطيرة في عام 2005، والذي يهدف إلى مساعدة الدول الأخرى في حالات الكوارث والأوبئة.

وقد قدمت الوحدة خدماتها في دول مثل غواتيمالا وباكستان وإندونيسيا وبوليفيا والمكسيك وهايتي والصين وغيرها.

من بين أكثر أعمالها المعترف بها دولياً، مساندة سيراليون وليبيريا وغينيا و كوناكري في عام 2014، عندما استجابت كوبا لدعوة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وسارعت للانضمام وأرسلت ما يقرب من 168 من «الممرضات والأطباء» للحد من وفيات الإيبولا واحتواء انتشاره.



وفي الوقت الحالي، يقاتل الأطباء بشكل عام، وليس فقط أعضاء المنظمة، من أجل القضاء على جائحة «كوفيد-19» وغادر 21 فريقاً طبياً للانضمام إلى الجهود الوطنية والمحلية لـ20 دولة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.

وأكد السفير أن الرعاية الصحية في كوبا حق للجميع، حيث تخصص الدولة 27% من إجمالي ميزانية الدولة و 11% من الناتج المحلي الإجمالي للصحة العامة والمساعدة الاجتماعية.