الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

لماذا تخشى أمريكا وبريطانيا أجهزة هواوي؟ تاريخ التجسس يكشف السر

لماذا تخشى أمريكا وبريطانيا أجهزة هواوي؟ تاريخ التجسس يكشف السر

بموجب قانون الاستخبارات الوطنية الصيني لعام 2017، يُطلب من الشركات التعاون مع أنشطة الاستخبارات - الرؤية

أعلنت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الثلاثاء أنها ستمنع استخدام أجهزة من شركة هواوي الصينية على شبكات الجيل الخامس للهاتف المحمول في بريطانيا.

وجاء قرار حكومة جونسون بعدما خلصت مراجعة أجراها المركز الوطني للأمن السيبراني البريطاني أن العقوبات الأمريكية التي فرضت مؤخراً على هواوي ستجعل استخدام بريطانيا لتكنولوجيا الجيل الخامس عبر أجهزة الشركة مستحيلاً.

وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن إثارة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المخاوف من استخدام معدات هواوي يثير الاهتمام بالقضية الأوسع لاستخدام حكومات لشركات اتصالات في جمع معلومات.

وجاء قرار حكومة جونسون بعدما كان المركز الوطني للأمن السيبراني البريطاني قدر سابقاً أن خطر هواوي يمكن التخفيف منه بقصر وصولها إلى الأجزاء الطرفية من شبكة الجيل الخامس في بريطانيا. وكان جهاز استخبارات الإشارات البريطاني قد أجرى تحرياته بشأن هواوي بعد دخولها لأول مرة إلى شبكة النطاق العريض في بريطانيا ولم يكتشف حتى الآن أي دليل على نشاط إلكتروني خبيث للحكومة الصينية من خلال هواوي.

وأشار تقرير فورين بوليسي إلى أن غياب الأدلة لا يعتبر دليل على براءة الحكومة الصينية من هذه الممارسات، فهناك تاريخ طويل بين الحكومات التي تستغل شركات الاتصالات التجارية لجمع الاستخبارات الأجنبية بغرض تعزيز مصالحها وحماية أمنها القومي.

وكان للحكومتين البريطانية والأمريكية قصب السبق في مثل هذه الممارسات.

وبحسب فورين بوليسي، قامت لندن وواشنطن بالتوسط سابقاً في اتفاقات سرية مع شركات الاتصالات بما يتيح للأجهزة الحكومية اعتراض الاتصالات وفك شفرتها للوصول إلى المحتوى كلما تطلب الأمر.

ويقدم تاريخ استغلال الحكومات لشركات الاتصالات لأغراض التجسس دليلاً واضحاً على أنه سيكون من السذاجة توقع عدم استغلال الحكومة الصينية لأجهزة هواوي على شبكة الجيل الخامس البريطانية لجمع المعلومات الاستخبارية.

تجسس جماعي

على مر التاريخ وجد القادة عدة طرق لاعتراض وقراءة الاتصالات الخاصة بالخصوم من استخدام البخار لفتح الرسائل البريدية إلى اعتراض البرقيات والاتصالات الهاتفية، وفي الوقت الحالي الاختراق السيبراني.



وكانت بريطانيا فرضت بعد 12 عاماً على اندلاع الحرب العالمية الثانية، تشريعات الطوارئ وقانون الدفاع عن بريطانيا الذي سمح بالاعتراض الجماعي للاتصالات البريدية والورقية.

وكانت أولى الأعمال التي قامت بها الحكومة البريطانية في بداية عمليات الحرب العالمية الأولى في أغسطس عام 1914 أنها قطعت الكابلات الألمانية البحرية سراً وفي ذلك الوقت كان لديها نظام كابل التلغراف الأكثر تقدماً في العالم، والذي انتشر عبر إمبراطوريتها الشاسعة.

وكانت استراتيجية بريطانيا حينها هي حرمان ألمانيا من اتصالاتها الخارجية، وإجبارها على الاتصال عبر كابلات تسيطر عليها بريطانيا حيث يمكنها حينها اعتراض الاتصالات وفك تشفيرها.

كما قطعت بريطانيا الكابلات العابرة للمحيط الأطلسي والتي تصل الشاطئ عند كورنوال، وهو نفس المكان الذي كشف إدوارد سنودن فيه، بعد قرن من الزمان، أن الاستخبارات البريطانية والأمريكية تتجسس على كابلات الإنترنت العابرة للمحيط الأطلسي.

وفضلاً عن اعتراض بريطانيا الاتصالات من أعدائها في زمن الحرب، ألمانيا وقوى المحور، قامت أيضاً بجمع الاتصالات من كوابل البلدان المحايدة، والتي كانت تشمل أمريكا قبل عام 1917.

ومن بين ما حصلت بريطانيا عليه، كانت برقية زيمرمان، وهي رسالة وزير الخارجية الألماني أنذاك آرثر زيمرمان التي اقترح فيها تأسيس تحالف بين ألمانيا والمكسيك ضد الولايات المتحدة، وحينما حصلت بريطانيا عليها، من التنصت على كابلات أمريكية، سلمتها الاستخبارات البريطانية إلى المسؤولين الأمريكيين وأخبرتهم أنها حصلت عليها عن طريق أحد جواسيسها.

وبسب بهذه البرقية، التي حصل عليها قسم فك الشفرات في البحرية البريطانية والمعروف باسم «الغرفة 40»، انضمت الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا وفرنسا.

الغرفة السوداء الأمريكية

بعد الحرب العالمية الأولى أنشأت الولايات المتحدة إدارة خاصة تحت مسمى الغرفة السوداء للتجسس، وتوسط رئيس الإدارة هربرت ياردلي في اتفاق سري وغير قانوني مع شركات التلغراف الأمريكية للحصول على نسخ من البرقيات التي تدخل الولايات المتحدة وتخرج منها.

وفي عشرينات القرن الماضي، تضاءل اهتمام البيت الأبيض بأنشطة التنصت تحت ذريعة أنه عمل غير أخلاقي، وعندما أصبح هربرت هوفر رئيساً عام 1929، عين هنري ستيمسون وزيراً للخارجية، والذي وضعه إصراره المعروف على المعايير الأخلاقية العالية في الشؤون الدولية على خط تصادم مع الغرفة السوداء وقام بإغلاقها.

ونتيجة لقرار ستيمسون، واجهت حكومة الولايات المتحدة تهديدات تكتيكية واستراتيجية في ثلاثينات القرن الماضي دون الاستفادة من وكالة استخبارات الإشارات المستقلة والمخصصة، في حين أن خصوم أمريكا الأجانب استمروا في التجسس على البرقيات الأمريكية.

تجسس صناعي

قام الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية باستخدام آلات إنيجما لتشفير اتصالاته، والتي كانت تتألف من لوحة مفاتيح دائرية وجهاز تشويش مما يجعل من الصعب اختراقها.

ومع ذلك ومن خلال استغلال نقاط الضعف وكتاب شفرات ألماني تم الاستيلاء عليها، نجحت بريطانيا في بناء ماكينة نجحت في فك الاتصالات الألمانية على نطاق واسع.

وبعد الحرب، أبقت بريطانيا على مسألة فك الشفرة سراً، وجمعت آلات أنيجما التي استخدمت وقت الحرب ووزعتها على مستعمراتها مؤكدة أن استخدامها ضروري لضمان تأمين الاتصالات. وكانت النتيجة أن كل تلك الاتصالات أصبح من الممكن لبريطانيا فك شفراتها.

وهذا ما حدث في ساحل الذهب (غانا) التي كانت مستعمرة بريطانية في غرب أفريقيا، وزار المسؤولون البريطانيون المستعمرة متخفين، وتوصلوا إلى اتفاق سري مع الحكومة يقضي بتصنيع منصات التشفير لغانا بسبب النفقات الهائلة التي ينطوي عليها ذلك، إلا أن السجلات التي ذكرت ذلك بعد رفع السرية عنها لم تحدد ما حدث بعد ذلك.

وسمحت وسائل التجسس الواسعة التي استخدمتها بريطانيا بتعزيز مصالحها في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي.

عملية شامروك



في السنوات التي تلت الحرب، ومع بدء الحرب الباردة، استمرت وكالات الاستخبارات في بريطانيا وأمريكا ومراكز الاتصال ووكالة الأمن القومي بالتجسس من خلال اتفاقات سرية وغير قانونية مع شركات الكابلات الأمريكية الكبرى في عملية تحمل اسم شامروك، وأتاحت التجسس على اتصالات ما بين 60 إلى 70 سفارة أجنبية في أمريكا.

في وقت لاحق تم الكشف عن الانتهاكات التي قامت بها الاستخبارات الأمريكية في عام 1975، في عملية شامروك، وأدى ذلك إلى صدور قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية لعام 1978، الذي يهدف إلى تقييد اعتراض اتصالات المواطنين الأمريكيين.

ومع ذلك بقيت شركات الاتصالات مستعدة، لدوافع وطنية، للتواطؤ مع الاستخبارات الأمريكية في مخططات اشتبهت في أنها غير قانونية.

الثورة الرقمية



غيرت الثورة الرقمية التي وصلنا لها اليوم استراتيجية استخبارات الحكومات، مع ذلك فإن المبادئ الأساسية لاستغلال شركات الاتصالات من أجل جمع المعلومات الاستخبارية لا تزال اليوم كما كانت في الماضي.

وعلى عكس المشاريع السابقة، لم تحتج الحكومات إلى إبرام اتفاقيات غامضة، ولكن قامت بذلك من خلال التشريعات التي تسمح بذلك.

برامج في دائرة الاتهام

لا تنحصر الشكوك حول استخدام الحكومات لمنصات اتصال جديدة بغرض التجسس في الصين فقط، حيث يعتقد أن برنامج مكافحة الفيروسات كاسبرسكي له روابط بالاستخبارات الروسية، ويعتقد أيضاً أن الحكومة الصينية تستغل منصة تيك توك الشهيرة لأغراض مشابهة أيضاً.

ومن المستحيل تصديق أن الصين لن تكون قادرة على استغلال أجهزة هواوي إذا رغبت في ذلك، تماماً كما فعلت المخابرات البريطانية والأمريكية مع أجهزة الاتصال السابقة.



بموجب قانون الاستخبارات الوطنية الصيني لعام 2017، يُطلب من الشركات التعاون مع أنشطة الاستخبارات إذا طلب ذلك. وإذا أمرت الحكومة الصينية بذلك، فستضطر هواوي إلى التصرف بشكل ضار ببريطانيا.

اقرأ أيضاً : مسبار الأمل .. من الألف إلى الياء