السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

تركيا والاتحاد الأوروبي.. نزاع مرير وعلاقات أشبه بالـ «متاهة»

تركيا والاتحاد الأوروبي.. نزاع مرير وعلاقات أشبه بالـ «متاهة»

علاقات أردوغان مع الغرب توتر وشد وجذب. (أرشيفية)

قال السفير الأوروبي السابق لدى تركيا مارك بيريني إن العلاقات بين أنقرة والغرب في الفترة الأخيرة عبارة عن نزاع مرير وطويل الأمد، وأفضل وصف لها هو «المتاهة».

وكتب السفير السابق هذا الوصف في تقرير مطول عن هذه العلاقات المتأزمة لمؤسسة «هيلينك» للسياسة الخارجية الأوروبية، مؤكدا أن الحكومة التركية اتخذت منعطفاً حاداً نحو الاستبداد في أعقاب خلاف حزب العدالة والتنمية عام 2013 مع حركة غولن، بقيادة الداعية فتح الله غولن الذي يعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة، والذي كان قد أشاد بالحزب في العقد الأول من حكمه باعتباره صوتاً إسلامياً معتدلاً.

وتابع بيريني أن الحركة لعبت دوراً أساسياً في فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 2002، لكن زُعم أن أتباع غولن قادوا تحقيقاً في الفساد شمل العديد من كبار مسؤولي ووزراء حزب العدالة والتنمية، وحتى أعضاء من عائلة رئيس الوزراء آنذاك رجب طيب أردوغان ومن هنا بدأت الخلافات.

تطور الانقسام إلى تطهير كامل بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، والتي يحمل نظام أردوغان غولن مسؤولية تنظيمها. وسُجن نحو 60 ألف شخص وأُقيل 150 ألف موظف عمومي في غضون عامين من فرض الطوارئ التي أعقبت ذلك.

وقال بيريني: «لقد تم إضفاء الطابع المؤسسي على المسيرة نحو نظام استبدادي مع الاستفتاء الدستوري في أبريل 2017»، في إشارة إلى الوقت الذي تخلت فيه تركيا عن نظامها البرلماني لصالح نظام رئاسي تنفيذي يمنح سلطات هائلة لأردوغان، الذي كان يخدم بالفعل في ذلك الوقت المنصب الرمزي للرئيس منذ 2014 وفاز في انتخاباته الثانية في 2018.

في غضون ذلك، لوحظ انحراف تركيا عن سيادة القانون من خلال عدة دعاوى قضائية شهدت ضجة، بما في ذلك الدعوى المرفوعة ضد رجل الأعمال عثمان كافالا، حيث عكست لائحة الاتهام الرواية الرئاسية بالضبط، بحسب السفير الأوروبي السابق.

بشكل عام، من وجهة نظر غربية، أصبحت تركيا اليوم دولة أوتوقراطية كاملة، حيث لا يتطابق الهيكل الدستوري الأساسي والممارسة القانونية مع التزامات الدولة في مجلس أوروبا أو حلف شمال الأطلسي.

وقال التقرير إنه على صعيد السياسة الخارجية، من وجهة نظر غربية، أدى اختيار تركيا للمساواة بين القوى العالمية الكبرى إلى سياسة خارجية ثنائية القطب، حيث أصبحت لا تكترث بحلف الناتو كمثال على هذه السياسة.

كان هناك خرق خطير للثقة بين الاثنين، وإذا لم يعاقب الناتو تركيا أو يستبعدها تماماً من عضويته، فإن هذه القرارات السياسية والسرديات العدوانية المصاحبة لسلوك تركيا تعني أن الناتو في الواقع رهينة السياسة التركية ويعاني من عواقب هيكلية، بحسب التقرير.

وقال التقرير إن العداء مع الغرب - حيث تنقل تركيا المهاجرين بالحافلات إلى الحدود اليونانية أو اعتقالها القس الأمريكي أندرو برونسون، على سبيل المثال - يُنظر إليها على أنها مفيدة للسياسة الداخلية، لكنها غالباً ما تؤدي إلى استخفاف صانعي السياسة الأتراك برد الفعل من جانب الأطراف الدولية.

وأوضح التقرير أنه في ظل هذه السياسية التي يعتقد النظام أنها ناجحة، نجد أنه بعد انتخاب أردوغان لولاية ثانية بسلطة محصنة، خسر حزب العدالة والتنمية 9 بلديات بارزة في الانتخابات المحلية لعام 2019، بما في ذلك العاصمة أنقرة وإسطنبول، حيث حكم حزب العدالة والتنمية لأكثر من عقدين.

وقال بيريني منذ ذلك الحين، تعرضت هيبة أردوغان لضربة كبيرة وظهر سياسيون بديلون ذوو مصداقية في المشهد التركي، بما في ذلك عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وعمدة أنقرة منصور يافاش، والوزير السابق في حكومات حزب العدالة والتنمية علي باباجان، الذي شكل حزبه الديمقراطية والتقدم العام الماضي.

وواصل الاقتصاد التركي مساره التنازلي منذ عام 2018، ومع تفشي جائحة كورونا أصبحت مهمة الحكومة أصعب، خاصة في ظل هذه الثقة المنخفضة في إدارة الاقتصاد، واعتماد تركيا على الاتحاد الأوروبي والأسواق الخارجية الأخرى، وفرض سياسات غير مناسبة من أعلى إلى أسفل في ظل النظام الرئاسي.

وقال التقرير إن القرارات السياسية المضللة، على سبيل المثال شراء أنظمة دفاع صاروخي روسية الصنع من طراز إس-400، تسببت في انفصال كبير للاقتصاد التركي عن الغرب.

قال بيريني إن الاستمرار في السياسة التسليحية للبلاد سيزداد بشكل كبير اعتباراً من عام 2021 فصاعداً، حيث يتم تنفيذ التعزيزات المخطط لها منذ فترة طويلة في شكل الحصول على أسلحة أكثر تقدماً وتطويرها، فضلاً عن الانتشار الخارجي مثل ما يحدث في شمال قبرص، وسوريا وليبيا.

وخلص التقرير إلى أن ما يزيد من تعقيد العلاقة بين تركيا والغرب وخصوصاً حلف الناتو هو التقارب العسكري بين نظام أردوغان وروسيا، وكذلك دعمها لجماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر وجماعات متطرفة أخرى بشكل غير مباشر والخلافات مع اليونان وكذلك خطتها القومية المتطرفة التي يطلق عليه الوطن الأزرق والتي تسعى من خلالها إلى الهيمنة على الموارد المائية في سواحل البحر المتوسط والتي في النهاية هي عبارة عن خطط غزو منسوجة بعناية.

وقال بيريني إن كل هذه الإشكاليات تجعل تركيا «حليفاً إشكالياً للغرب». ومع ذلك، سيستمر الاقتصاد التركي مترسخاً في الاتحاد الأوروبي والغرب لفترة طويلة، في حين أن الانضمام إلى الكتلة سيظل «متعثراً إلى الأبد»، وهناك حاجة لتحديد شكل من أشكال العلاقات.