السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

المجمع الانتخابي.. نظام نخبوي لاختيار الرئيس الأمريكي

في الحلقة السابقة تناولنا الخطوط الأبجدية لمسألة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفي القلب من تلك العملية كان المرور سريعاً على تعبير «المجمع الانتخابي»، والذي يعتبر محور ارتكاز اختيار الرئيس، وهو نظام فريد من نوعه يستحق التوقف معه وإلقاء مزيد من الضوء عليه، فماذا عن ذلك؟

الشاهد أنه كثيراً ما لجأت الأمم إلى استخدام الانتخابات غير المباشرة في التاريخ المبكر للتصويت الشعبي، وقد كان الناخبون في تلك الانتخابات يختارون أعضاء مجلس وسيط، ويقوم أولئك الأعضاء بدورهم باختيار المسؤولين العامين.

كان الافتراض الذي تقوم عليه هذه العملية هو أن المواطنين العاديين ليسوا مؤهلين حقاً لاختيار الزعماء، ولا يمكن الثقة في قدرتهم على القيام بذلك بصورة مباشرة، والأثر المتبقي لهذا الإجراء في أمريكا، هو المجمع الانتخابي، أي مجموعة الناخبين الذين يختارون بصورة رسمية رئيس الولايات المتحدة.

ما آلية الاقتراع في أمريكا؟

الثابت أنه عندما يذهب الأمريكيون إلى مراكز الاقتراع يوم الانتخابات، فهم من الناحية الفنية، لا يصوتون مباشرة لاختيار المرشحين للرئاسة. لكن يقوم من يدلون بأصواتهم في كل ولاية بالاختيار من بين قوائم لناخبين يختارهم مؤتمر الحزب أو لجنته في الولاية قبل عدة أشهر، على أساس ولائهم وخدمتهم للحزب.

يتعهد هؤلاء بمساندة مرشح حزبهم للرئاسة، الذي تم اختياره لخوض السباق الرئاسي. وفي بعض الولايات تظهر أسماؤهم إلى جانب أسماء مرشحي الرئاسة في بطاقات التصويت، لكن لا يحدث ذلك في أغلب الولايات.

وفي كل ولاية عدا ولايتَي: (مين، ونبراسكا)، تعطي القائمة الفائزة كل الأصوات الانتخابية الخاصة بالولاية في المجمع الانتخابي لمرشح حزبها.

كيف توزع الأصوات؟

يحق لكل ولاية عدد من الأصوات الانتخابية مساوٍ لعدد أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب الخاصين بها مجتمعَين، ليصل المجموع إلى 538 من الأصوات الانتخابية في 50 ولاية بالإضافة إلى منطقة كولومبيا.

هل يمكن أن يخرق ناخب تعهده ويصوت لمصلحة مرشح الحزب الآخر؟

نعم، هذا يحدث أحياناً، فعلى سبيل المثال، في عام 1976، عندما فاز الجمهوريون بولاية واشنطن، رفض أحد الناخبين من تلك الولاية التصويت لجيرالد فورد، المرشح الجمهوري للرئاسة، وقد سنت الآن الكثير من الولايات قوانين تجبر الناخبين رسمياً على الالتزام بعهودهم، وإن كانت بعض السلطات الدستورية تتشكك في إمكانية تنفيذ فرض تلك القوانين.

ماذا يحدث بعد ذلك؟

في كل ولاية، ينتقل الناخبون الذين فازت قائمتهم إلى عاصمة الولاية يوم الاثنين التالي للأربعاء الثاني من شهر ديسمبر للإدلاء بأصواتهم رسمياً.

تالياً يتم إرسال الأصوات إلى واشنطن ليقوم الكونغرس بفرزها في شهر يناير، ثم يتم إعلان اسم الفائز رسمياً.

ماذا يحدث إن لم يحصل أي من المرشحين على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي؟

في هذه الحال يتم تقديم أسماء المرشحين الثلاثة الأُول إلى مجلس النواب، حيث يمكن لكل ولاية الإدلاء بصوت واحد فقط، أما إذا كان صوت الولاية سيتم تحديده بالأغلبية، أو بالأكثرية أو بأي نسبة أخرى من مندوبي الولاية، فذلك يتم تقريره بموجب قواعد يرسيها الكونغرس.

هل فشل المجمع الانتخابي من قبل في تحقيق أغلبية لأي من المرشحين؟

ذلك كذلك قولاً وفعلاً، فقد فشل المجمع في عامَي 1800 و1824، في تحقيق أغلبية لأي من المرشحين.

في عام 1800 حصل توماس جيفرسون، المرشح الرئاسي لجناح أنصار جيفرسون الجمهوري، وآرون بير، مرشح الحزب نفسه لمنصب نائب الرئيس، على عدد متساوٍ من أصوات المجمع الانتخابي، الأمر الذي أدى إلى إحالة الانتخابات إلى ساحة مجلس النواب.

وباستثناء 3 مرات منذ عام 1824، توافق تصويت المجمع الانتخابي ببساطة مع التصويت الشعبي على مستوى البلاد.

هل هناك من ينادي بإلغاء هذا النظام؟

المؤكد أن نتيجة منافسة عام 2000، التي خرج فيها المجمع الانتخابي بنتيجة لا تتفق مع التصويت الشعبي، قد أدت إلى نداءات كثيرة تطالب بإلغاء هذا النظام، وتقديم شكل آخر من أشكال الانتخاب الشعبي المباشر للرئيس.

وفي غضون أيام من الانتخابات التي جرت بين بوش الابن وآل جور، وعد عدد من أعضاء الكونغرس بالتقدم بتعديل دستوري يضع نهاية للمجمع الانتخابي الذي دعاه أحد أعضاء الكونغرس مفارقة تاريخية.

لماذا لم يتم تغيير نظام المجمع الانتخابي؟

بعد عقدين من الزمن ورغم المجهودات الخاصة بإدخال مثل هذا الإصلاح، فإن النظام عينه باقٍ، والإصلاحات تمت عرقلتها بواسطة القوى السياسية الأمريكية التي تعتقد أنها تستفيد من النظام الحالي. فعلى سبيل المثال، تشعر جماعات الأقليات ذات النفوذ في الولايات الحضرية الكبيرة وصاحبة الأصوات الانتخابية الكثيرة أن قوتها الانتخابية ستتضاءل في حال إجراء انتخابات شعبية مباشرة على مستوى البلاد.

وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض الجمهوريين أن قوة حزبهم في الجنوب، وفي ومناطق من الغرب الأوسط والغرب تعطيهم ميزة واضحة في المجمع الانتخابي. كذلك يخشى بعض الديمقراطيين والجمهوريين من أن الانتخاب الشعبي المباشر للرئيس سيمنح الأحزاب الأصغر تأثيراً أكبر في النتيجة.

وعلى ذلك، فبينما تهدف الضغوط السياسية الحالية إلى إلغاء النظام الحالي، إلا أنه من الأرجح أن تواجه المجهودات المبذولة لتحقيق ذلك الهدف نفس مصير ما يزيد على 700 محاولة سابقه لإصلاحه.