الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

نوايا ترامب تثير الحيرة: سيناريو الانتقال المخيف للسلطة في البيت الأبيض

ضمن القضايا التي باتت تشغل الداخل الأمريكي، وربما العالم الخارجي أيضاً، تأتي إشكالية الفترة الانتقالية ما بين الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكية وتسليم وتسلم السلطة من قبل إدارة مغايرة.

ولأن الرئيس ترامب رئيس غير متوقع، فإن الأمريكيين يتساءلون ما الذي ستجري به المقادير، وقد وصل الأمر بالرئيس المنتخب بايدن إلى توجيه الحديث لترامب بالقول «سيدي الرئيس أتطلع إلى التواصل معك»، ومن غير أي رد فعل من ترامب.

حتى الساعة لم يخرج ترامب على الأمريكيين بخطاب يقر فيه بالهزيمة، ولم يجر الاتصال المعهود مع الفائز ليهنئه بالنصر، أو ليتمنى له التوفيق في مهمة قيادة الدولة الإمبراطورية الأمريكية.

أكثر من ذلك فإن المقربين من ترامب يشيرون إلى أن الرجل سوف يغادر البيت الأبيض مع عطلة أعياد الميلاد قبل 20 ديسمبر المقبل، وإنه لن يعود ثانية إلى البيت الأبيض.

أما المفاجأة الكبرى، فهي الحديث الذي يروج في واشنطن هذه الأيام كذلك عن أن ترامب لن يحضر حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد في يناير المقبل.

وقت كتابة هذه السطور كانت عملية إعادة فرز الأصوات في ولاية جورجيا تجري بها المقادير، وما يزال الضباب يخيم فوق سماوات أمريكا لجهة العملية الانتخابية، وهل ستصير الأمور إلى إبطال أصوات ولايات بعينها ما يغير النتيجة لصالح ترامب أم لا.

على أنه بعيداً عن رؤى ترامب، فإن مسألة انتقال السلطة في دولة كبرى وعظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، مشوبة بكثير من القلق والحذر، والخوف من أي لحظة من لحظات الفراغ السياسي، وهو أمر لا يليق بعظمة أمريكا، وهو ما لفت إليه وزير الخارجية مايك بومبيو بقوله إن لدينا حتى الساعة رئيساً أمريكياً واحداً، بالإشارة إلى ترامب.

إشارات متناقضة

الاضطراب الداخلي الأمريكي يمكن للمرء أن يلمسه في تصريحات ترامب وبومبيو، فمن جهة يقول الأول إن العملية الانتقالية بدأت وهي تجري على قدم وساق، وإن عدم اعتراف ترامب بنتائج الانتخابات لن يغير من ديناميكية هذه العملية، يذهب الثاني إلى أن انتقال السلطة سيتم بسلاسة بعد إحصاء كل صوت قانوني، الأمر الذي سيؤدي حكماً إلى ولاية ثانية للرئيس ترامب، وإن وزارته ستؤمن الانتقال الذي يجعل دورها فاعلاً وناجحاً مع تسلم الرئيس المقبل السلطة.

تقليدياً هناك إجراءات تتبع بين الإدارة القديمة والأخرى المنتخبة، لترتيب الأوضاع السياسية، لا سيما من البيت الأبيض إلى بقية الهيئات والمؤسسات الرئيسة في الدولة.

غير أن صحيفة الواشنطن بوست تشير قبل بضعة أيام إلى أن مسؤولة الخدمات العامة بإدارة الرئيس ترامب، «إميلي ميرفي»، قد رفضت التوقيع على رسالة تسمح لفريق الرئيس المنتخب ببدء عمله، الأمر الذي يؤخر إجراءات البدء بالعملية الانتقالية.

اضطراب تسليم السلطة هذه المرة يذكرنا بما حدث عام 2000 عندما تم اللجوء إلى المحكمة العليا لتفصل في النزاع بين بوش الابن وآل جور، بسبب الاختلاف على نحو 500 صوت أو أعلى قليلاً، فيما الصراع الآن دائر على ولاية جورجيا برمتها، وقد تلحق بها ولايات أخرى كبرى، تسحب البساط من تحت أقدام الرئيس ترامب، ولهذا يتساءل المتسائلون: «هل رفض ترامب وأركان إدارته تهيئة الأجواء الانتقالية سببه الرئيسي امتلاكهم أدلة ومعلومات ستغير المشهد الانتخابي برمته مرة واحدة»؟

المعروف أن دور إميلي ميرفي، يقتصر على التوقيع على الأوراق الرسمية، والتي تسمح للفريق الرئاسي الانتقالي بالوصول إلى المكاتب الفيدرالية للبدء بعملية انتقال السلطة، هذا التوقيع يرتقي لإعلان رسمي من قبل الحكومة الفيدرالية، بعيداً عن وسائل الإعلام، عن الفائز في الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإن رفض التوقيع، يعني رفض الإقرار بالنتيجة الإعلامية الدعائية حتى الساعة.

تشمل عملية انتقال السلطة في الفترة الحالية ملء جميع المناصب داخل البيت الأبيض، ثم إعداد حوالي 4000 تعيين رئاسي لمناصب أساسية، من بينها 1200 تتطلب موافقة مجلس الشيوخ، والاستعداد لإدارة أكثر من 100 وكالة فيدرالية، عطفاً على التجهيز لأول 100 يوم من ولاية الرئيس الجديد، والتي عادة ما ينظر إليها نظرة ذات تقدير خاص انطلاقاً من أنها تعطي صورة واضحة عن سياسات الإدارة الجديدة، وعادة ما تشمل اتخاذ إجراءات تصحيحية مثيرة لأخطاء ارتكبها الرئيس السابق، أو التجرؤ على اتخاذ قرارات ارتعشت يد السلف عن مهرها.

صفقة عفو

الخوف الكبير في أمريكا اليوم من أن يقوم الرئيس ترامب، وهو الرئيس كامل الصلاحيات حتى الساعة 11:59 من نهار 20 يناير، باتخاذ قرارات مثيرة يمكن أن تورط الرئيس الجديد، والهواجس في واشنطن اليوم على سبيل المثال تتحدث عن إمكانية أو احتمالات شن الرئيس ضربة عسكرية على إيران لقطع الطريق على بايدن وإمكانية ترميم العلاقات الإيرانية الأمريكية مرة أخرى.

ومن بين التحليلات التي تتردد بقوة في دروب ومؤسسات واشنطن، أن ما يقوم به ترامب في واقع الأمر هو بعيد كل البعد عن دائرة السعي لاقتناص فرصة رئاسية ثانية، لا سيما أن الرجل يدرك أنه قد خسر فعلاً، وإنما هو هنا يتصرف بعقلية صانع الصفقات ورجل الأعمال، والذي يريد تحقيق الكثير من المكاسب على الرغم من خسارته.. ماذا يعني ذلك؟

من المعروف دستورياً أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع العفو عن نفسه، وترامب قد يكون مهدداً بالكثير من الملاحقات القضائية، واحتمالات فتح ملفات قضائية ضده، قد تقوده إلى السجن.

هنا يحاجج البعض بأن ترامب يريد أن يضمن عفواً رئاسياً كاملاً شاملاً، جامعاً مانعاً من بايدن في مقابل اعترافه بالهزيمة، وهي صفقة يمكن التوصل إليها، لتجنب انشقاق طويل المجال في الشارع الأمريكي، عفو يذكر العالم بما فعله الرئيس جيرالد فورد نائب نيكسون، الذي عفا عن رئيسه بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، رغم أن هذا العفو كلفه خسارة الانتخابات التالية.

إلى أين ستذهب أمريكا الانتقالية؟ الجواب في رحم الغيب.