الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

بين المثالية والواقعية: بايدن يواجه لحظة الحقيقة في السياسة الخارجية

على مشارف رئاسة أمريكية جديدة، يبدو السؤال التقليدي قائماً وقادماً «إلى أين تمضي دفة السفينة الأمريكية؟" خاصة بعدما قال الرئيس المنتخب جوزيف بايدن إن أمريكا مستعدة للقيادة مجددا على الساحة العالمية. فهل ستمخر سفينة السياسة الخارجية الأمريكية عباب بحور المثالية، أم أنها تخشى الغرق فيها، لا سيما أن العالم بدوره غير مثالي، ولهذا ربما تميل أكثر إلى التعامل بواقعية مع عالم معتل ومختل.

الإشكالية المتقدمة في واقع الأمر غير موصولة بالرئيس المنتخب بايدن فقط، ولا بمرشحه لمنصب وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إذ هي معضلة حقيقية قائمة في الروح الأمريكية، وتتمثل في القول المشهور: «تكافؤ الأضداد في الروح الأمريكية الواحدة»، أي اختيار الشيء ونقيضه في الوقت عينه.

طوال السنوات الأربع للرئيس دونالد ترامب، مضى الرجل بواقعية أكثر من المثالية، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا، وها هو بايدن يهم بأن يحط رحاله في البيت الأبيض والمراقبون يتساءلون، هل تكون خطوطه الخارجية بمثابة امتداد لرؤية ترامب، أم أن الرجل سيقوم بما يمكن تسميته انقلاباً على ما خطه ترامب من خطوط طول وعرض؟

قد يكون السؤال المتقدم من قبيل التبسيط المخل، ذلك أن شأن العلاقات والسياسات الخارجية الأمريكية أكثر عمقاً مما يتراءى للناظر، وفيها من الثوابت ما هو أوسع من الاختلافات، كما أن مؤسسات الدولة الأمريكية، تضع حدوداً وقيوداً على المساحة التي يمكن للرئيس أن يتحرك فيها، ما يعني أنه ليس مطلق اليد وبصورة كاملة في تغيير الطباع وتبديل الأوضاع.

أمثلة شرق أوسطية

هل من أمثلة تساعد القارئ على تلمس خطوط وخيوط بايدن الخارجية القادمة؟

لتكن البداية من الشرق الأوسط والخليج العربي أول الأمر، لا سيما أننا أمام قضيتين مصيريتين، الأولى خاصة بالسلام والاتفاق الإبراهيمي بين إسرائيل والإمارات والبحرين، والثانية خاصة بإشكالية العلاقة مع إيران والمساحة المتاحة لبايدن للمناورة.

فيما يخص القضية الأولى يمكننا القطع بأن بايدن لا يمكنه بحال من الأحوال الخروج عن خط التزام السلام الذي استنه ترامب في عامه الأخير، وعليه فإن إدارة الرئيس بايدن ستكون مدعوة وبالضرورة إلى تشجيع هذا النهج، وتيسير السير على دربه، بل وفتح المجال أمام المزيد من الدول الراغبة في السلام.

على أن هذا النهج لا ينفي أن يكون لبايدن رؤيته الخاصة في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، والرجل يميل إلى فكرة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، أو على الأقل كانت هذه آراؤه حتى وقت قريب وقبل دخوله البيت الأبيض، وهي تمثل ضرباً من ضروب المثالية السياسية الأمريكية، في حين يبقى التساؤل، هل سيظل بايدن ملتزماً بهذا التوجه، أم أن مقعد الرئاسة يمكن أن يجعله يعيد النظر فيما ذهب إليه من قبل؟

وبالانتقال إلى القضية الثانية، أي إيران، تبدو هناك مخاوف في الداخل الأمريكي من أن يستأنف بايدن سياسة الاسترضاء، تلك التي اتبعها الرئيس أوباما سابقاً والتي قادت إلى الاتفاق النووي سيئ السمعة، وهنا السؤال هل سيمضي بايدن من جديد في الإطار عينه الذي سار على دربه أوباما، أي استرضاء الإيرانيين؟

المؤكد أن التحولات التي جرت في الداخل الإيراني خلال السنوات الأربع الماضية، سوف تجعل من الصعب الاعتقاد بأن بايدن سيضحى محكوماً بالمطلق بمسارات أوباما، وإن كانت قناعاته بأن الدبلوماسية الناعمة خير من القوة الخشنة في التعاطي مع الملالي، وقد يجس النبض الإيراني في محاولة الاقتراب، مع الانتباه إلى أن مجلس الشيوخ والذي غالباً ما سيهيمن عليه الجمهوريون، لن يجعل من مهمة بايدن سهلة بشكل أو بآخر.

أوروبا وروسيا والصين

لا تتوقف مسألة استبصار سياسات بايدن الخارجية عند حدود الشرق الأوسط والخليج العربي، وإنما تمضي إلى 3 جبهات مهمة وحيوية بالنسبة لعلاقات أمريكا الخارجية.. ماذا عن ذلك؟

أولاً: العلاقات الأمريكية – الأوروبية، وهنا فإننا نجد بايدن مدعواً لمداواة الجروح التي يرى البعض أن ترامب قد خلفها على جسد الناتو، لكن الأزمة عميقة وبخاصة أن ترامب قد أيقظ الوعي الأمريكي لدى العوام والنخبة لجهة تحمل واشنطن مسؤولية جسيمة تكلف دافع الضرائب الأمريكي ثمناً باهظاً لحساب رفاهية الرجل الأوروبي.

السؤال هنا هل سيقبل الأمريكيون أي انقلاب من قبل بايدن على سياسات ترامب، لا سيما إن كانت تؤثر سلباً على حال ومآل الاقتصاد الأمريكي، والذي كان قد حقق نجاحات غير مسبوقة قبل أن تضرب جائحة «كوفيد-19» البلاد والعباد؟

ثانياً: العلاقات الأمريكية– الروسية، وهذه بدورها تحتاج وقفة خاصة، فقد هاجم الديمقراطيون الرئيس ترامب من اليوم الأول لحكمه، ووصل الأمر حد اتهامه بالتآمر مع الاستخبارات الروسية ضد هيلاري كلينتون، الأمر الذي ثبت زيفه لاحقاً، وكونه مداراة من الديمقراطيين وإثارة للغبار على فضيحة إيميلات هيلاري كلينتون.

ترى كيف ستمضي سفينة بايدن تجاه موسكو، وهل سيسلك مسلكاً وفاقياً مع الروس، أم سينهج نهجاً عدائياً مع القيصر المتحفز للثأر من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ لا يزال يؤمن في قرارة نفسه بأن أكبر خطأ استراتيجي جرت به المقادير في الـ20 هو تفكيك وتفخيخ روسيا من الداخل، ولهذا كانت أعين الاستخبارات الأمريكية مفتوحة على عملاء روسيا في الداخل الأمريكي ومحاولتهم التأثير على مقدرات الانتخابات الأخيرة.

ثالثاً: العلاقات الأمريكية– الصينية، وهنا فإن الحديث والسؤال المطروح هل سيكون بايدن أشد قسوة على الصين من ترامب؟

في واقع الحال لا يمكن تصور أي تهاون من قبل بايدن تجاه الصين، ذلك أن الرأي العام الأمريكي يوقن بأن الصين هي سبب البلاء الأعظم الذي أصاب الأمريكيين مؤخراً والمتمثل في فيروس «كوفيد-19» المستجد، كما أن الصين لا تواري رغبتها في الهيمنة على العالم.

الخلاصة.. بايدن أمام فخاخ خارجية عديدة، ويحتاج إلى مهارة ربان ماهر للعبور بالسفينة الأمريكية من دون الوقوع في براثنها.