السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

جيسكار ديستان.. كورونا يودي بحياة رئيس فرنسي أسبق «لم ينصفه التاريخ»

جيسكار ديستان.. كورونا يودي بحياة رئيس فرنسي أسبق «لم ينصفه التاريخ»

فاليري جيسكار ديستان (يسار) مع إليزابيت الثانية وجيمي كارتر. (أ ب)

توفي الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، مساء أمس الأربعاء، عن عمر ناهز 94 عاماً، في منزله بوسط فرنسا، جراء إصابته بفيروس كورونا المستجد، لتغيب بذلك شخصية وضعت فرنسا على طريق الحداثة، وأرست قواعد أساسية للبنيان الأوروبي الموحد.

وقالت أسرة الراحل في بيان إن «فاليري جيسكار ديستان توفي الأربعاء 2 ديسمبر في منزله في لوار-إيه-شير. حالته الصحية تدهورت، وتوفي بسبب مضاعفات كوفيد - 19»، مشيرة إلى أن جنازته ستكون حدثاً عائلياً خاصاً وفقاً لرغبته.



وجيسكار ديستان الذي أُدخل المستشفى مرات عدة خلال الأشهر الأخيرة بسبب مشاكل في القلب كان حين انتخب في 1974 أصغر رئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة إذ كان عمره 48 عاماً عندما تسلّم مفاتيح قصر الإليزيه.

وفي واحدة من آخر إطلالاته العلنية، شارك الرئيس الراحل في 30 سبتمبر 2019 في جنازة رئيس سابق آخر هو جاك شيراك الذي كان أول رئيس وزراء في عهد جيسكار ديستان.



تولى جيسكار ديستان الرئاسة في 1974 بعدما فاز على الاشتراكي فرنسوا ميتران، الذي لم يلبث أن انتقم لهزيمته في 1981 حين فاز بالانتخابات، وحرم الرئيس المنتهية ولايته من البقاء في سدة الرئاسة لولاية ثانية.

وشكل عهد هذا الرئيس الوسطي قطيعة مع النزعة «الديغولية» المحافظة، التي طبعت فرنسا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدءاً بشارل ديغول نفسه، أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة، ثم وريثه السياسي جورج بومبيدو.

وأجرى جيسكار ديستان في فرنسا حملة إصلاحات جذرية تضمنت تشريع الإجهاض، وتحرير الطلاق وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً.

وفي أوروبا، ساعد في الدفع قدماً نحو الاتحاد النقدي بالتعاون الوثيق مع المستشار الألماني هيلموت شميدت الذي أصبح «صديقاً» له.

وعلى غرار شميدت، كان الرئيس الراحل من المؤمنين بشدة بأهمية الروابط القوية مع الولايات المتحدة.



وحتى بعد خروجه من الإليزيه ظل هذا المؤيد الشرس للوحدة الأوروبية يعمل في سبيل تحقيق التكامل الأوروبي، ولا سيما حين عين في مطلع الألفية رئيساً للمؤتمر الأوروبي، الذي وضع مشروع دستور أوروبي موحد لكنّه لم يرَ النور.

كما يُعتبر الأب المؤسس لمجموعة السبع، إذ إن قادة هذا النادي الذي يضم الدول الصناعية الأغنى في العالم اجتمعوا للمرة الأولى في 1975 بدعوة منه، في قمة سرعان ما أصبحت موعداً سنوياً.

ونعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس الأسبق، معتبراً أن «عهده غير فرنسا». وأضاف ماكرون في رسالة تعزية أنه «كان خادماً للدولة وسياسياً يؤمن بالتقدم والحرية. وفاته تغرق الأمة الفرنسية في حداد».

كما أشاد الرئيسان السابقان نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند بذكرى الراحل. وقال ساركوزي في رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إن «فاليري جيسكار ديستان عمل طوال حياته على تعزيز العلاقات بين الدول الأوروبية، وسعى ونجح في تحديث الحياة السياسية، وكرس ذكاءه العظيم لتحليل القضايا الدولية الأكثر تعقيداً». وبدوره قال هولاند في بيان إن فرنسا «تخسر رجل دولة اختار الانفتاح على العالم».

وكتبت صحيفة «لو باريزيان» في عددها الصادر اليوم الخميس إن «التاريخ لم ينصف بعد هذا الرئيس الذي أسيء فهمه»، معتبرةً أن الراحل كان «منسياً بعض الشيء» لدى مواطنيه على الرغم من أنه الرئيس الذي طور فرنسا «لكنّ الفضل في هذا لن يُنسب له أبداً».



وعلى الرغم من الهزيمة التي ألحقها به ميتران في الانتخابات الرئاسية عام 1981، ظل جيسكار ديستان أحد رموز يمين الوسط في فرنسا قبل أن يغيب عن المشهد السياسي الفرنسي في تسعينات القرن الفائت، ثم يعود إلى الساحة السياسية في 2001، وهذه المرة من البوابة الأوروبية مع تعيينه رئيساً للمؤتمر الأوروبي الذي كلف بصياغة دستور أوروبي موحد، في مشروع رفضه الناخبون بأكثرية 55% في استفتاء عام أجري في 2005.

وحين كان سيّداً للإليزيه، اشتهر الرئيس الراحل بانتهاجه أسلوب حياة أكثر تحرراً واسترخاء من أسلافه، إذ إنه لم يتوان عن الظهور علناً وهو يلعب كرة القدم أو يعزف الأكورديون، كما لم يجد غضاضة في دعوة عدد من جامعي القمامة لتناول الإفطار أو في أن يحل ضيفاً يتناول العشاء في منازل مواطنين عاديين.

لكن خريج مدرستي البوليتكنيك والإدارة الوطنية، كان بقامته الطويلة والرشيقة وملابسه الأنيقة وتصرفاته الأرستقراطية جزءاً لا يتجزأ من النخبة الفرنسية.

وكان عمره 18 عاماً فقط حين التحق بصفوف المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية، وشارك في تحرير باريس من المحتلين النازيين في 1944، قبل أن يقاتل لمدة 8 أشهر في ألمانيا والنمسا.



وانخرط جيسكار ديستان في الحياة السياسية عام 1959، وأصبح وزيراً للمالية في 1969. وبعد فشله في الفوز بولاية رئاسية ثانية، لم يعتزل السياسة، بل ظل يمارسها من تحت قبة البرلمان الفرنسي والأوروبي، وذلك حتى عام 2004 حين سقط في الانتخابات التشريعية، فاعتزل العمل السياسي.

وفي مايو 2020، فتحت النيابة العامة الفرنسية تحقيقاً إثر ادعاء صحافية ألمانية بأن الرئيس الأسبق تحرش بها جنسياً عن طريق لمسها بشكل غير لائق مراراً في مكتبه في باريس، بعد أن أجرت مقابلة معه في 2018. إلا أنه نفى بشدّة هذه الاتهامات، واصفاً إياها بـ«البشعة».