الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مجموعة العشرين: القوى الجديدة تسعى لفك احتكار القرار الدولي

مجموعة العشرين: القوى الجديدة تسعى لفك احتكار القرار الدولي

الملك سلمان متحدثاً أمام قمة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية. (أرشيفية)

شهدت غابات بريتون بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1944 مؤتمراً دولياً لتوقيع أكثر من 44 دولة اتفاقية «بريتون وودز» لتأسيس أول نظام مالي يضمن استقرار الاقتصاد العالمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من خلال تفضيل الدولار الأمريكي على الذهب، وتحويله من عملة محلية إلى عملة احتياط دولية.

ومع صعود الدول الاشتراكية والأسواق الناشئة على المسرح الدولي في بداية سبعينيات القرن الماضي، تم فك سيطرة الدولار الأمريكي على النظام النقدي العالمي من خلال «تعويم» بعض الدول النامية عملاتها النقدية بحرية وفق آلية العرض والطلب في الأسواق العالمية.

ولاحتواء الأسواق الآسيوية الناشئة، دعت فرنسا عام 1975 إلى تأسيس «مجموعة السبع» كتحالف اقتصادي يضم كلاً من ألمانيا الغربية وإيطاليا واليابان وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا، والذي انضمت إليه روسيا كدولة ثامنة بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي.

وقد تكون هذه مؤشرات على أن الاقتصاد الرأسمالي الذي رسمه المنتصرون في الحرب العالمية الثانية له مؤسساته الخاصة غير المرتبطة بالمجتمع الدولي بشكل مباشر عبر الأمم المتحدة ووكالاتها كالتعليم والصحة، أو أن فصل المؤسسة الاقتصادية العابرة للقارات عن الأسرة الدولية ومنصتها القضائية «مجلس الأمن الدولي» هو سبب تشكيك موسكو وحلفائها بالمنظومة الاقتصادية الغربية.

الأزمات المالية:

بعد سلسلة من الأزمات المالية التي هزّت الاقتصاد العالمي ما بين عامي (1994- 1998) والتي بدأت في المكسيك ودول شرق آسيا، انتقلت هذه الأزمات إلى أمريكا اللاتينية، حتى أصابت عمق الرأسمالية في الولايات المتحدة. اقترح وزير المالية الكندي بول مارتن حينها على نظيره الأمريكي لورانس سامرز ضرورة مشاركة الدول النامية في وضع الحلول لقضايا الاقتصاد العالمي من خلال توسيع مجموعة الثماني عبر دعوة 12 دولة من مختلف القارات، لتكون ما هي عليه اليوم التي تعرف بـ «مجموعة العشرين».

هناك العديد من التصريحات الإعلامية اعتبرت تعديل اتفاقية بريتون وودز ثم تشكيل مجموعة الثماني وتوسعتها للعشرين ليس من أجل إنقاذ الاقتصاد الآسيوي النامي، بقدر ما هو إلزام الدول الأسواق الناشئة بمعالجة أخطاء المدرسة الاقتصادية الرأسمالية، أو كما وصف الباحث الألماني كارل تاسفادسكي مجموعة الثماني بـ«الماضي» ومجموعة العشرين بـ«المستقبل».

وهنا يمكن القول إن النمو الاقتصادي للدول غير الأوروبية في ظل الأزمات المالية العالمية كان مؤشراً غير إيجابي لاستمرار الاستحواذ الأوروبي والأمريكي على المنظومة الاقتصادية العالمية، وأن الإصرار الغربي على عدم دمج القضايا الاقتصادية العالمية بمؤسسات الأمم المتحدة بشكل مباشر هو الخوف من مشاركة الدول النامية في مجلس الأمن الدولي بالمقاعد دائمة العضوية.

التحالفات الدولية:

مجموعة العشرين ليست تكتلاً اقتصادياً ذا رؤية واحدة ورسالة مشتركة، بل هي عبارة عن منتدىً لمجموعة من التكتلات الاقتصادية، وكل مجموعة لديها أهداف سياسية خاصة بها تسعى لعولمتها من خلال فرض قوتها الاقتصادية؛ حيث تسعى اليوم الدول النامية إلى خلق هيبتها السياسية بإطار جديد من خلال تفوقها الصناعي للاستحواذ على المنظومة الجديدة وعولمتها مع الأسرة الدولية.

ليس الصراع بين الشرق «الروسي- الصيني» والغرب «البريطاني- الأمريكي»، أو بين «اليسار العالمي واليمين المحافظ» حول شرعية القوانين الدولية، بل الاختلاف حول التفاسير المتعلقة بالتطبيقات القانونية؛ فالشرق واليسار أشبعوا العالم بتشكيكهم بآليات التطبيق الغربية للقوانين الدولية.

إن التوجه الجديد لأطروحات قمم العشرين وتوصياتها أخذت تتعلق بالقضايا الجديدة المتعلقة بسلوك الإنسان «الفرد» مع البيئة والإرهاب وجودة الغذاء والدواء وطرح العلاج ضمن الإطار الاجتماعي، بينما ما زالت المشكلة بين مجموعة العشرين في فرض الإلزامية السياسية حول هذه التوصيات.

فالأنظار الجديدة أخذت تعتقد أن البيئة النظيفة هي الحاضنة الأفضل للتنمية البشرية، وليس كما كان سابقاً، حيث كانت مفاهيم حقوق الإنسان وحرية الرأي هي ركيزة المقومات البشرية في عهد تأسيس الدول لأهميتها في تثبيت أركان الدولة القومية.

إن ما يُعرف اليوم بقوانين المناخ هو عبارة عن سلسلة قوانين ترتبط بشكل مباشر بالفرد والمجتمع الذي يعيش فيه، تتناول فيه مفهوم حقوق الإنسان بمنظور جديد من خلال المطالبة بـ«البيئة العادلة» والمناخ الأنسب للحياة المعلوماتية الافتراضية، حيث لم تعد تعريفات حقوق الإنسان مقصورة على الحريات التي أشبعتها القوانين الدولية.

إصلاح مجلس الأمن الدولي:

إن أكثر ما يثير خوف وذعر الأوروبيين والأمريكان «حسب تصريحات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي» هو وجود جميع أعضاء تحالف «بريكس» داخل مجموعة العشرين، وهو تحالف تقوده روسيا وجنوب إفريقيا بالتعاون مع الصين والهند والبرازيل، وهو نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة، ويسعى لتقوية العملة الصينية مقابل الدولار الأمريكي من خلال صندوق بريكس المنافس لصندوق النقد والبنك الدوليين.

بالإضافة إلى أن جنوب إفريقيا تحالفت مع الهند والبرازيل عبر منتدى حوار «إبسا» لتمثيل صوت الجنوب العالمي للتخلص من الهوة بين شمال الأرض وجنوبها بعد الحصول على المقاعد الدائمة في مجلس الأمن الدولي. كما أن جنوب إفريقيا من أكثر دول مجموعة العشرين إلحاحاً وإثارة لقضية الفروق بين شمال الأرض الغني وجنوبها الفقير.

إذاً: عاجلاً أم آجلاً، سوف يضطر مجلس الأمن الدولي لضم القوى الجديدة في مجموعة العشرين، بعد أن فشلت محاولات حكر السياسة الدولية على أعضاء مجلس الأمن الدولي الحاليين، ويرجع ذلك إلى قيام تحالفات سياسية داخل مجموعة العشرين تسعى لتحويل النمو الاقتصادي الطبيعي إلى منظومة اقتصادية مضاهية للرأسمالية الغربية.

وما يمكن إضافته هنا، أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا بسبب التباعد الجغرافي وفق منظومة الأمم المتحدة، ولكن بالرسم الجغرافي الجديد وفق رؤية مجموعة العشرين أصبح الشرق الأوسط والقارة الإفريقية كمنطقة اقتصادية واحدة، وهذا قد يكون له دور لمخاض تنافسي بينهما في المستقبل في حال وصلت جنوب إفريقيا إلى مجلس الأمن الدولي بالمقعد الدائم لتمثيل صوت إفريقيا والشرق الأوسط.

فجنوب إفريقيا انتقلت من حقبة العلاقات الثنائية مع القوى العظمى إلى مرحلة الاندماج بالتحالفات العابرة للعرق واللغة والدين؛ ولم تنطلق في مطالبتها لتمثيل إفريقيا والشرق الأوسط في مجلس الأمن من إفريقيتها وتحالفاتها الإقليمية بقدر ما كانت الأحزاب اليسارية والشيوعية العربية والآسيوية طريقها في الوصول للتحالفات الدولية.

الخلاصة:

لا يمكن فهم توصيات منتدى التعاون الاقتصادي الدولي «مجموعة العشرين» من خلال الشروحات البسيطة المتداولة في الأروقة الإعلامية، بل يجب التعامل معها كمؤشرات صعود وهبوط بين السياسة والاقتصاد العالميين، من خلال المقارنة والربط لقرارات مجلس الأمن الدولي وتوصيات الأمم المتحدة بتوصيات مجموعة العشرين في نهاية كل عام.

فما زالت قرارات مجلس الأمن هي المؤشر الصاعد بحكم أنها ملزمة للأسرة الدولية، في حين تجتهد جنوب إفريقيا والهند والبرازيل إلى تغليب أو تصعيد بعض توصيات مجموعة العشرين للصفة الإلزامية للوصول إلى مجلس الأمن بالمقاعد الدائمة.

إن المعادلات الدولية التي نشأت على تسخير الموارد البشرية والطبيعية لإشباع الحاجات السياسية هي مؤشر على أن الإصلاح السياسي أو النمو الاقتصادي لن يتحقق إلا بعد ضمان جميع دول العشرين مصالحهم الخاصة وطموحاتهم المستقبلية.

كما أن المعطيات العالمية المطروحة ما قبل اتفاقية «بريتون وودز» وما بعد تشكيل مجموعة الثماني ثم مجموعة العشرين، لن تكون هي نفسها بعد 10 أعوام أو 50 عاماً قادمة، فالتوازنات الدولية بين القوى العظمى من أحادية القطبية إلى ثنائية القطبية قد تشهد اضطراباً بعد صعود القوى المعلوماتية الذكية على الساحة الدولية التي سوف تسقط جميع النظريات القائمة حالياً.

لا شك أن الأجيال القادمة سوف تتوجه أنظارها نحو مجموعة العشرين بعدما تلمس في توصياتها الكثير من الواقع الملموس الذي يعيشونه من حيث معالجة تحدياتهم الجديدة الباحثة عن البيئة العادلة والمناخ والغذاء والدواء، فيما سوف تبقى الأمم المتحدة ومؤسساتها مدرسة تقليدية نتاجاً للحروب العالمية القديمة.