الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

تركيا.. الاقتصاد المترنح يزعزع استقرار رئاسة أردوغان الاستبدادية

تركيا.. الاقتصاد المترنح يزعزع استقرار رئاسة أردوغان الاستبدادية

الرئيس أردوغان يتحدث في أنقرة. (أ ف ب)

لا تبدو كل الأمور وردية بالنسبة لرجب طيب أردوغان، الرئيس الاستبدادي لتركيا. ففي الوقت الذي يحتفي بما كان يعتبر بشكل عام «قصة نجاح إقليمية»، فإن رصيده وشعبيته يتراجعان ​​بسرعة مع تراكم المشاكل الاقتصادية التي تواجهها بلاده، بحسب تقرير لموقع «ذا كونفرزيشن».

في نوفمبر، ارتفع معدل التضخم في البلاد إلى 14.03%، بزيادة 1.5 نقطة عن المستوى المتوقع وأعلى مستوى في 15 شهراً. وتعكس أحدث الأرقام ارتفاعاً بنسبة 2.3% في أسعار المستهلكين الشهرية ـ والأسوأ أن أهم الزيادات في الأسعار تتعلق بالضروريات اليومية الأساسية مثل الطعام والمشروبات ووسائل النقل.

الاقتصاد يترنح

في الوقت ذاته، كانت البلاد تعاني من أزمة أخرى ـ وربما أكثر حدة ـ وهي انخفاض قيمة العملة. إن انخفاض قيمة الليرة التركية ليس خبراً في حد ذاته، لأن ذلك يحدث منذ سنوات، لكن معدل الانخفاض كان دراماتيكياً بشكل ملحوظ هذا العام، حيث وصلت الليرة إلى أدنى مستوياتها القياسية مقابل العملات الرئيسية. منذ بداية عام 2020، فقدت العملة ما يقارب 30% مقابل الدولار الأمريكي وأكثر من 30% مقابل اليورو.

ورداً على ذلك، أقال أردوغان مراد أويسال، رئيس البنك المركزي التركي، بينما استقال صهره بيرات البيرق، بشكل غير متوقع من منصب وزير المالية. وبينما ارتفعت الليرة قليلاً بعد هذه التطورات، لكن لا تزال العملة في حالة ركود.

المغامرات الخارجية

من الصعب الإشارة إلى سبب واحد لمشاكل تركيا الاقتصادية. لكن أحد العوامل التي غالباً ما يتم تجاهلها هو السياسة الخارجية للبلاد. يبدو أن طموحات أردوغان العدوانية ـ والمكلفة ـ التي تهدف إلى ترسيخ تركيا كقوة إقليمية، تأتي بنتائج عكسية بطرق تقوض ثقة المستثمرين، بحسب التقرير.

وأثار موقف تركيا العدائي في المنطقة الدهشة في العواصم الغربية منذ بضع سنوات حتى الآن. في الآونة الأخيرة، كانت تركيا تسعى بقوة لتوسيع حدودها البحرية على حساب اليونان وقبرص من خلال اتفاق مع أحد الأطراف المتحاربة في الحرب الأهلية الليبية. كما أن أردوغان حريص على وقف بناء خط أنابيب نفط يوناني ـ إسرائيلي ـ قبرصي مشترك، وكذلك الاستيلاء على مناطق في المحيط تطالب بها تلك الدول، لكونها غنية بموارد الغاز. لكن تم انتقاد العدوان التركي على نطاق واسع لمحاولته «إعادة ترسيم المناطق الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط»، كما انضمت فرنسا للنزاع إلى جانب اليونان.

كما انخرطت تركيا بشدة في نزاع ناغورنو قره باغ في منطقة متنازع عليها في جنوب القوقاز، وقدمت أنقرة أسلحة ومرتزقة سوريين لأذربيجان لمساعدتها في الصراع ضد أرمينيا.

تدخل تركيا ساهم في عدم استقرار المنطقة وهو ما تسبب في انتقادات دولية حادة للنظام التركي، ومما زاد الطين بلة شراء تركيا لمنظومة الطائرات الروسية إس -400 الصيف الماضي.

علاوة على ذلك، كان هناك تورطين كبيرين لأنقرة في سوريا وليبيا، أدى الأول منهما إلى احتلال البلاد مباشرة لأراضي شمال سوريا. وساهم ذلك بشكل كبير إلى جانب التكاليف المالية الباهظة، في بروز صورة تركيا كشريك لا يمكن التنبؤ به وأدى إلى مزيد من العزلة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين سعت تركيا في السابق إلى إقامة علاقات وثيقة معهما.

أهداف أردوغان

تشكل هذه السياسة الخارجية العدوانية حجر الزاوية في تطلعات أردوغان العثمانية الجديدة لتركيا في المنطقة. وإلى جانب الخطاب القومي الثقيل، تُستخدم هذه الإجراءات أيضاً لزيادة الشرعية المحلية للرئيس التركي وزيادة شعبيته من خلال تقديم نفسه على أنه القائد الساعي لاستعادة العظمة الوطنية.

لكن هذه السياسة كان لها ثمن بالنسبة لاقتصاد تركيا. حيث تضع طموحات أردوغان الإقليمية ضغوطاً شديدة على الاقتصاد الذي يكافح أيضاً للتعامل مع أزمة كورونا. هذه الأفعال أيضاً تزيد من عدم القدرة على التنبؤ وهو ما يضر الأسواق - لا سيما بالنظر إلى اقتصاد تركيا المعتمد على رأس المال الأجنبي.

نذير شؤم

إن الوضع الاقتصادي الحالي في تركيا نذير شؤم بالنسبة لأردوغان. بعد فترة طويلة من تحول الحكومات الائتلافية والاقتصاد الراكد، حاول أردوغان بناء صورة على مر السنين تربط بينه وبين حزب العدالة والتنمية والاستقرار والازدهار في البلاد، وكان هذا عاملاً كبيراً في شعبيته في الداخل.

تهديد خطير

لكن الحالة السيئة للاقتصاد التركي تمثل تهديداً خطيراً لأردوغان، حيث يعتقد 78% من الناس في تركيا أن الوضع الاقتصادي في البلاد يزداد سوءاً وفقاً لمسح أجرته مؤسسة ميتروبول مؤخراً. في حين أن شعبية الحكومة قد تعززت في البداية بسبب الوباء، إلا أن شعبية أردوغان تراجعت بشكل كبير بعد ذلك.

وأظهر استطلاع أجري في أكتوبر الماضي أن حزب العدالة والتنمية يحظى بدعم 28.5% فقط من نوايا التصويت البرلماني، وأظهرت استطلاعات الرأي في نوفمبر أن أقل من النصف وافق على أداء أردوغان الوظيفي. وقد يكون الأسوأ من ذلك بالنسبة للرئيس لم يأتِ بعد، حيث لا تزال الآثار الاقتصادية الناجمة عن سوء تعامله مع الوباء غير محسوسة بالكامل.