السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

حصاد 2020.. السياسة تهز أكبر اقتصادين في العالم

كان 2020 الذي يلفظ أيامه الأخيرة عاماً مليئاً بالمشكلات الداخلية والخارجية للقوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم: أمريكا والصين، وخلاله عانت الدولتان من مشكلات داخلية وأزمات خارجية غير مسبوقة.

مع تفشي وباء «كوفيد-19» في العالم، انطلاقاً من الصين، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، زادت المشكلات لهاتين الدولتين اللتين تقودان العالم اقتصادياً وسياسياً وبرزت العديد من الجوانب الهشة فيهما، بل وتفاقمت الخلافات القديمة بينهما وبين العديد من الأطراف الدولية وينصرف العام، ولا تزال تلك الأزمات دون حل.

الصين 2020.. صراع على كل الجبهات

تفاقمت مشكلات الصين خلال عام 2020 مع خصومها الآسيويين على امتداد حدودها الشاسعة المترامية، براً وبحراً.

»بحر الصين الجنوبي» هو أحد أكثر النقاط التجارية سخونة في العالم، فهو طريق تجاري بحري عالمي، إذ ترفض الصين الاعتراف باتفاقية البحار عام 1982، وتتنازع بكين التي تؤكد أحقيتها في 80% من المنطقة البحرية، مع جيرانها (الفلبين وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا وبروناي وتايوان) على حدودها البحرية.

وفي مقدمة الصراع الإقليمي، تقحم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ببوارجها الحربية على مشارف الجزر الصناعية الصينية، بذريعة حماية «حرية الملاحة».

هذا الملف تصدر جدول أعمال قمة آسيان، الشهر الماضي، مع تصعيد بكين وتأكيدها مطالبها الإقليمية في ذلك الممر المائي المتنازع عليه.

«بحر الصين الشرقي» رغم كونه بحراً يوصف بـ«الهامشي» يقع شرقي الحدود الصينية، فإنه مصدر توتر ثانٍ يعكر صفو المحيط الهادئ بين كل من بكين وطوكيو وسيؤول، وبينما واصلت الصين واليابان حتى الأسابيع القليلة الماضية التأكيد على ضرورة المضي قدماً في المحادثات بشأن نزاعهما في المنطقة البحرية، انتقدت طوكيو بكين، الشهر الماضي، معربة عن قلقها إزاء النشاط الصيني المتزايد في المنطقة من تدريبات عسكرية، ردت عليها اليابان فوراً بالإعلان عن أول مناورات عسكرية مشتركة، برية وبحرية، مع أمريكا وفرنسا في مايو المقبل.

»النزاع مع الهند» شهد يونيو من هذا العام أسوأ مواجهات دموية منذ 40 عاماً بين البلدين في المنطقة الحدودية، أدت إلى سقوط 20 جندياً هندياً، فيما لم تعترف الصين بسقوط قتلى على جبهتها، وذلك في أعقاب اتهامات متبادلة بين الطرفين بالقيام بأعمال استفزازية واجتياز الحدود.

وكانت واشنطن، على لسان أليس ويلز، أرفع دبلوماسية أمريكية متخصصة في شؤون جنوب آسيا، قد حثت الهند قبل الاشتباكات بأسابيع على مقاومة ما أسمته «العدوان» الصيني.

«هونغ كونغ» كذلك تحظى بوضعية خاصة مع الصين، إذ تتمتع بالحكم شبه الذاتي في إطار ما يعرف بمبدأ «دولة واحدة ونظامان». وكانت هونغ كونغ مستعمرة بريطانية طوال 150 عاماً تسلمتها بكين عام 1997 على أن تبقى متمتعة بالحكم الذاتي لـ50 عاماً تنتهي في 2047.

لكن أصوات المطالبين بالديمقراطية، الرافضين للانضواء تحت راية الصين، والذين خرجوا في مظاهرات عارمة، العام الماضي، علت في 2020 وصعّدت رفضها لقانون الأمن الوطني المثير للجدل، ما ألّب على الصين خصومها الدوليين الذين انتقدوا ما وصفوه بـ«انتهاكاتها» لحقوق الإنسان في ملف هونغ كونغ.

«أستراليا» تنظر للصين باعتبارها شريكها التجاري الأكبر، لكن خلافاتهما السياسية التي شهدت تفاقماً سريعاً في 2020 باتت تهدد تلك الشراكة. أحدث فصول التوتر بين البلدين تمثل في مطالبة كانبرا لبكين بالاعتذار عن نشرها صورة «مزيفة» لجندي أسترالي يقوم بذبح طفل أفغاني، على خلفية فضيحة الجنود الأستراليين في أفغانستان. لكن تلك الواقعة لم تكن سوى حلقة من سلسلة أزمات بدأت هذا العام مع قيادة أستراليا لحملة تطالب بفتح تحقيق دولي حول نشأة فيروس كورونا.

أما الصين فسددت مجموعة من الضربات الاقتصادية الموجعة لأستراليا شملت وقف الحركة التجارية والتعريفات على واردات أسترالية رئيسية، بينما ردت أستراليا بإبرام اتفاقية دفاع ثنائية مع اليابان، خصم الصين التقليدي، تسمح لقواتهما بالتعاون في مواجهة تنامي الوجود الصين في منطقة آسيا - المحيط الهادئ.

أمريكا 2020.. استقطاب وانقسامات

منذ توليه سدة الحكم في الولايات المتحدة، انتهج الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب سياسة خارجية مغايرة على كل الأصعدة مع الأوروبيين وفي الشرق الأوسط، وعلى مستوى التنظيمات والمؤسسات الدولية والإقليمية والاتفاقات العالمية، التي احتج عليها لأسباب متباينة، فانتهى به الأمر في 2020 لأن تكون بلاده منسحبة من كل من: منظمة الصحة العالمية، اتفاقية السماوات المفتوحة، والمعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة التقليدية، ومعاهدة القوى النووية متوسطة المدى، والاتفاق النووي الإيراني، ومجلس حقوق الإنسان، ومعاهدة الصداقة الأمريكية - الإيرانية، واتفاقية باريس للمناخ، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو)، والميثاق العالمي للهجرة.

قد تتفق أو تختلف مع ترامب في سياساته الخارجية، غير أن ما أحدثه الرئيس الجمهوري على الصعيد الداخلي في المجتمع الأمريكي خلال العام الأخير من ولايته في 2020 فقط، تسبب في حالة استقطاب مصحوبة بأعمال عنف وشغب غير مسبوقة منذ انتهاء حقبة الحرب الأهلية الأمريكية .(1865-1861)

وبدلاً من أن يكون الرئيس الأمريكي سبباً لوحدة البلاد في 3 أزمات عصفت بها خلال عام 2020، تسبب ترامب بمواقفه الصارخة في تكريس تلك الانقسامات.

1.

العنصرية: في 25 مايو الماضي، قُتل الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد أثناء توقيفه في مدينة مينيابوليس على يد شرطي أبيض جثم بركبته على رقبة فلويد حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. واقعة أثارت موجة من الاحتجاجات داخل الولايات المتحدة وخارجها، عندما خرج ترامب بتصريحات أججت ثورة الغاضبين، بانتقاده الشديد لأعمال العنف والفوضى.

بعد الاحتجاجات التي خرجت ضده، وإصراره على موقفه المهاجم للمتظاهرين ولحركة «حياة السود مهمة»، ومع سقوط قتلى وجرحى وتكرار الواقعة في أكثر من مدينة أمريكية أخرى على مدار الأسابيع والأشهر التالية، ترسخت للمرة الأولى منذ عقود حالة انقسام عنصري، قائمة على أساس اللون والأصل العرقي، وهو ما لم يكن قطّ فجاً على هذا النحو في الولايات المتحدة منذ فترات العنصرية.

2. الوباء: كما في سائر دول العالم، أفرزت الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومات على السكان، مجموعات رفض لما اعتبرته سيطرة حكومية وانتقاصاً من حريات الشعوب، وتقييداً للحركة، وفرضاً لارتداء الكمامة.

بيد أن انخراط ترامب نفسه في عراك كلامي مع حكام الولايات الأمريكية، وانتقاده لما اعتبره إجراءاتهم الاحترازية المبالغ فيها ضد ما أسماه بـ«الفيروس الصيني»، وتقليله المستمر من خطورته، ورفضه ارتداء الكمامة وتعليمات التباعد الاجتماعي، وتهكمه على حرص خصمه الديمقراطي جو بايدن على اتباع الإرشادات الصحية، كل ذلك كرس حالة الاستقطاب بين الأمريكيين الرافضين لاتباع التعليمات والحريصين عليها.

3. الديمقراطية: كانت مبادئ الديمقراطية الأمريكية على المحك مع إجراء الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر الماضي، والتي استبقها ترامب بتصريحات ضبابية حول ما إذا كان سيعمل على انتقال سلس للسلطة إذا ما خسر في الانتخابات. وبعد إعلان النتائج إلى الآن، لا يتوقف الفريق الرئاسي عن الحديث عن أعمال تزوير هي الأكبر في تاريخ الانتخابات الأمريكية، ما وضع النظام الانتخابي بأكمله ومصداقية واشنطن في الميزان.

أحدثت تلك الأجواء هزات داخلية لم يعهدها الأمريكيون من قبل. وكتب المحلل سايمون تيسدال في صحيفة «غارديان»: «صدق أو لا تصدق، العالم لم يتوقف عن الدوران حول محوره بسبب الانتخابات الأمريكية وما أعقبها من نزاعات ذاتية في أرض الحرية للجميع.. في عصر دونالد ترامب، تنتشر النرجسية مثل الطاعون».