الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

نافالني.. ومقدمة اضطراب سياسي جديد في روسيا

نافالني.. ومقدمة اضطراب سياسي جديد في روسيا

الشرطة تعتقل أنصار نافالني في موسكو. (أ ب)

ما الذي يحدث في روسيا الاتحادية في الأيام الأخيرة، وهل المشهد موصول بالمعارض الروسي، أليكسي نافالني فقط، أم أن هناك من يحاول إثارة القلاقل في الداخل الروسي، كما تشير إلى ذلك الكثير من الأصوات الروسية؟

تبدأ القصة من عند شخص المعارض الروسي نافالني، والمعروف بمطاردته للفساد في الداخل الروسي، وقد تعرض وهو على متن طائرة خلال رحلة داخلية لمحاولة اغتيال بغاز الأعصاب نوفيتشوك، ثم نقل إلى ألمانيا للعلاج.

عودة نافالني إلى روسيا نهار 17 يناير الجاري، وهو يواجه حكماً بالسجن لمدة 44 عاماً، أثارت تساؤلات جذرية وعميقة، لا سيما أنه تم القبض عليه بمجرد وصوله إلى المطار، ومن بين تلك الأسئلة: هل يمكن لهذا المعارض أن يُضحي رمزاً لثورة داخل روسيا، رغم القبضة الحديدية للقيصر بوتين؟ وإذا كان ذلك كذلك، فمن يقف وراء المشهد الروسي، والذي تحركت فيه التظاهرات الشعبوية في نحو 40 مدينة في طول البلاد وعرضها، ومعها امتلأ المشهد بالكثير من العنف والقبض على المتظاهرين؟

نافالني والحكومة

تبدو قصة نافالني أبعد كثيراً مما يظهر على السطح، فالرجل له مواقف حادة من حكومة القيصر بوتين، على سبيل المثال، يرفض منذ عام 2014 الاعتراف بالاستفتاء على عودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا، وهذا أمر كبير وخطير بالنسبة لسياسي روسي يعمل داخل بلاده، وقد اعتبره البعض «بمثابة انتحار سياسي أكيد؛ لتعارضه مع المشاعر العامة للشعب الروسي». والتعبير هنا للمحلل السياسي الروسي، ألكسندر نازاروف.

في مقدمة الاتهامات التي وجهها نافالني لبوتين، حيازته الكثير من العقارات والممتلكات في الداخل الروسي بشكل غير شرعي، الأمر الذي أعاد حديث الفساد السياسي مرة أخرى إلى الداخل الروسي، والذي يعاني -بشكل أو بآخر- من أزمة انتشار جائحة كوفيد-19 من جهة، ومن تبعاتها المالية والاقتصادية من جهة ثانية.

على أن هذه الاتهامات تم نفيها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهار الاثنين، خلال لقائه السنوي مع الطلاب الروس، مشيراً إلى أن جميع العقارات التي أجرى المعارض الروسي نافالني استقصاءً حولها، لا تعود له، ولا لأحد من أقاربه.

إن تصريحات بوتين الأخيرة هذه، تفتح الأبواب لقصص ماورائية خطيرة، تعيدنا إلى فترة ما عرف بزمن الثورات الملونة، والتي جرت في بعض الجمهوريات الروسية، وساعتها اعتبر البعض أن الثورات ذات الألوان البرتقالية عمل من ترتيب وتدبير الغرب للإخلال بصحوة روسيا، فيما اعتبر البعض الآخر المشهد برمته فورات داخلية حقيقية من شباب يتطلعون إلى تغيير أوضاع الديكتاتوريات التي طال بها الزمن.

بوتين يرى أن هناك تدويراً للمعلومات، وأن ما طفا على السطح مرة أخرى هذه الأيام، يؤكد أن هناك من يقوم بملء أدمغة بعض من المواطنين الروس بالأكاذيب، ثم ساعدوا على إطلاقها عبر شبكة الإنترنت، تلك التي باتت تصنع الصيف وتستدعي الشتاء متى تريد، تروّج المعلومات الزائفة، وتضيع الحقيقية منها وسط جلبة الأحداث، لا سيما إذا استخدمت مواد مصورة لبث الغضب في نفوس الروس، الذين يعانون المذلة بشكل أو بآخر.

لم يكن الأمر في حاجة إلى تفسير كلام بوتين، فالرجل كان يشير إلى مقطع فيديو قام نافالني ببثه في 19 يناير الجاري، وفيه يتهم بوتين بامتلاك قصر فخم على ساحل البحر الأسود، الأمر الذي نفاه الكرملين بشكل جازم.



قناعات الشباب

لكن على الرغم من نفي بوتين والكرملين إلّا أنّ هناك الآلاف من الشباب الروس لم تقنعهم تلك التبريرات، وبدا وكأن هناك حراكاً حقيقياً في العديد من المدن الروسية، حراكاً رافضاً لسجن نافالني والتعاطي معه على هذا المشهد، الأمر الذي دفع بعض أنصار اليمين الروسي إلى تشبيه عودته من ألمانيا إلى موسكو، بأنها خطوة موازية لعودة الخميني إلى طهران في عام 1979، مع الربط بين من دعموا الخميني في الغرب وقتها، وبين من يدعمون نافالني في الوقت الراهن.

لا نريد استباق الأحداث، لكن في الأفق تساؤلات لا يمكن لأي محلل سياسي أن يغفلها، لا سيما أن كبريات شركات المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تسارع بشكل واضح إلى بث ما يجري على الأرض في المدن الروسية، بصورة استدعت إعراب نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، عن احتجاجه لدى السفير الأمريكي في موسكو.

صراع مع الغرب

يتساءل بعض المراقبين للعلاقات الروسية الغربية، والأخيرة بشقيها الأوروبي والأمريكي: هل هناك فصل جديد من فصول صراع قطع الشطرنج الإدراكية على خارطة الجيوبولتيك العالمي؟ لا سيما بعدما علت أصوات كثيرة في السنوات الأربع الأخيرة في الداخل الأمريكي موجهة اتهامات إلى روسيا، وكيف أنها عملت على إنجاح ترامب وإفشال هيلاري عام 2016، بمعنى أن اللحظة الآنية قد تكون لحظة انتقام عكسية من بوتين، وأن نافالني هو رجل الغرب الذي من حوله تنشأ دائرة الانتقام الجديدة؟

مهما يكن من شأن الجواب، فإن هناك في الداخل الروسي من ذهب مباشرة إلى عمق القصة، حين تساءل عمّا إذا كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ستنجح في إشعال ثورة ملونة في الداخل الروسي أم لا؟

التساؤل بدوره يمضي في اتجاهين: الأول يرى أن الحكومة الروسية تحاول الهروب من استحقاقات المشاكل الداخلية، وأنها تُصدِّر أوجاعها الى الخارج، وذلك عبر اتهامها لأطراف خارجية بتأجيج نيران الغضب.

فيما الرأي الآخر يؤمن بأن هناك من يحمل ثأراً دفيناً لروسيا، وأن المشهد يتوافق مع بدايات حكم إدارة ديمقراطية، لا ترى في روسيا وحاكمها سوى جماعة من الشموليين، وأن واشنطن وبروكسيل عدوان لدودان، ولن يضحيا يوماً ما أصدقاء للروس.

يلاحظ المراقب لما يجري في الداخل الروسي أن الاتحاد الأوروبي بدوره يسارع في الإدانات والمطالبات بالمزيد من العقوبات ضد روسيا.

هل العالم على موعد من فصل جديد من فصول الاضطراب السياسي؟

دعونا ننتظر ونرَ.