السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

مسرح عمليات حربية وأبحاث علمية.. لماذا تسارع الدول الكبرى من أجل الهيمنة على القمر؟

مسرح عمليات حربية وأبحاث علمية.. لماذا تسارع الدول الكبرى من أجل الهيمنة على القمر؟

السباق إلى القمر لا يتوقف.(رويترز)

لم يعد القمر هو ذلك الكيان الفضائي الذي يتغزل فيه الشعراء، ويسهر تحت أضوائه المخملية العشاق في القديم والحديث، فقد بات اليوم حلقة من حلقات الصراع بين الدول، لا سيما الأقطاب الكبرى الممتدة من واشنطن إلى موسكو مرورا ببكين.

سر الاهتمام بالقمر

فما الذي يجعل القمر الآن على هذه الدرجة الكبيرة من الأهمية بالنسبة لسكان الأرض، هل خوفهم من التغيرات المناخية التي يمكن أن تؤثر على مستقبل الحياة على الكوكب الأزرق، ومن ثم السعي في طريق البحث عن ملاذ آمن قريب من الأرض، أم أن القمر عليه من المواد الأولية لا سيما غاز الهيليوم، ما يكفي لتغيير مسارات بشرية مهمة، وبخاصة في مجال النقل الحديث، والطائرات الصاروخية المدنية، وهل يمكن للقمر أن يعد قاعدة انطلاق عسكرية للبشر في الفضاء، ضمن برامج حرب الكواكب أو النجوم، ذلك البرنامج الذي أسسه الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان عام 1983، ومضى في إحيائه من بعده الرئيس السابق دونالد ترامب؟

يمكن اعتبار هذه العناصر جميعها وغيرها الكثير، عوامل محفزة للصعود إلى القمر من جديد، بل وإقامة مستوطنات بشرية على سطحه، وهو الحديث الذي ملأ الأرجاء في الأيام الأخيرة.. فماذا عن ذلك؟

الاهتمام الأمريكي بالقمر

لتكن البداية من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الأنباء الواردة من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، تشير إلى تكالب أمريكي واضح على القمر، ووضع الخطط اللازمة للدفاع عن القواعد التابعة لوكالة الفضاء (ناسا)، وكذلك حماية عمليات استخراج الثروات الطبيعية التي ستجريها شركات خاصة على سطح القمر.

ينظر الأمريكيون إلى أنفسهم على أنهم أصحاب الحق الطبيعي في الاستفادة من ثروات القمر الطبيعية، لا سيما أنهم أول من استكشفه، وفي التقرير الذي عرضته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية بتاريخ 1 فبراير الجاري، نقرأ أخباراً عن تعاون بين الوزارات المدنية الأمريكية المختلفة، مع وزارة الدفاع، بهدف مواجهة ما أسمته الصحيفة تحديات روسيا والصين للولايات المتحدة».

لا تداري وول ستريت جورنال، ولا تواري الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة الأمريكية، فهي تعتزم الاستفادة من الخبرة التي اكتسبتها الشركات الخاصة أثناء غزو الفضاء، لتعزيز هيمنة الولايات المتحدة في الكون.. فهل يعني ذلك أن القمر سوف يضحى مسرحاً للعمليات الحربية بين الأقطاب البشرية المتقدمة؟

الدور الروسي

بالبحث المعمق فيما يجري على سطح القمر في الفترة الأخيرة، يجد المرء أن صراعاً مكتوماً قد بدأ في الانفجار بين روسيا من جانب، وتحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان من جانب آخر.. ما الذي حدث على وجه الدقة؟

مؤخراً دعت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، نظيرتها الروسية، وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس»، للمشاركة في إنشاء محطة مدارية قمرية، ولكن ليس كشريك على مستوى الندية، كما هو الحال في مشروع محطة الفضاء الدولية، وإنما كواحدة من دول أخرى تشارك في المشروع.. فلماذا هذا التوجه من الجانب الأمريكي؟

باختصار غير مخل، لا تملك روسيا الآن أوراقاً رابحة كما كان الحال قبل ربع قرن، حين كانت قادرة على الشراكة بإيجابية في المحطة الفضائية الدولية، خارج الكرة الأرضية، عطفاً على ذلك، فإن العلاقات بين واشنطن وموسكو حينئذ، كانت أفضل بالمقارنة مما هي عليه الآن، لا سيما بعدما أظهرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رغبة في التدخل في شؤون روسيا الداخلية، من خلال العزف على أوتار الحريات وحقوق الإنسان، واتخاذ قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني كمخلب قط من جديد.

إلا أن السبب الرئيس لاستبعاد «روسكوسموس»، في واقع الأمر من مشروع المحطة الرادارية القمرية، هو حرمان الروس من المعرفة المؤكدة التي يمكن أن تتوافر للبشر من فوق سطح القمر.

جانب مهم ومثير، بل وخطير، ينشد المجتمع البشري حظوظه من مثل تلك المحطة، وهو أن تكون هناك أعين استشرافية للإنسانية في الفضاء الخارجي، تنذر وتحذر البشر من الكويكبات أو الأجسام التي تدور في الفضاء، والتي يمكن أن تصطدم في لحظة بعينها بكوكب الأرض وتتسبب في فناء الإنسانية مرة واحدة.

فهل يمكن للروس أن يتقبلوا هذا الوضع؟

بالقطع هذا لن يحدث، وهو ما دفع نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين، للتصريح بأن هذا الوضع «غير مقبول»، وأن الروس لن يعملوا تحت أيدي الأمريكيين، ولهذا فإن المرجح أن يعمل الروس على استكشاف القمر بمفردهم، وبعيداً عن الثلاثي؛ الأوروبي الأمريكي الياباني التقليدي، وبخاصة أنه لا بد من موافقة الكونغرس الأمريكي على الأنشطة المشتركة مع روسيا، وهي فرصة تبدو عملياً «ضعيفة» هذه الأيام.

التنافس الصيني

وماذا عن الصين في هذا الصراع المتنامي بقوة؟

حكماً لم تكن الصين لتتأخر بدورها عن الصعود إلى القمر، ففي يناير من عام 2019 هبط أول مسبار على سطح القمر، مصنوع بأيدٍ بشرية، قام الصينيون بتصنيعه، لتسجل الصين بذلك سبقاً يؤكد على كبير اهتمامها بالقمر وما يجري عليه.

في هذا السياق طفا على السطح تساؤل جديد: هل يمكن لموسكو وبكين، التعاون معاً في مواجهة مشروعات واشنطن، التي يرونها فوقية إمبريالية، تسعى لعسكرة القمر، لصالح مشروعها المعروف بالقرن الأمريكي وبسط هيمنتها على العالم كافة؟

في أواخر شهر يناير الماضي، كان روغوزين، يصرح بأن روسيا ستواصل المحادثات مع الصين، وشركاء دوليين آخرين، بشأن إنشاء قاعدة أبحاث علمية مشتركة على القمر، وأضاف «نخطط لبدء برنامج تجريبي على القمر في عام 2028».

من جانبه، صرح المتحدث باسم إدارة الفضاء الوطنية الصينية، شو هونغ ليانغ، بأن بلاده ستواصل البحث عن القمر، وتخطط لتوحيد الجهود مع روسيا لتنفيذ المشروعات المقبلة.

فهل سيتصاعد الصراع على استيطان القمر، بعد اكتشاف أول دليل على أن المياه يمكن أن تنشأ على سطح القمر، من الغلاف المغناطيسي للأرض؟

إلى اللقاء في قراءة قادمة بإذن الله.