الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

«ميونخ للأمن».. دورة استثنائية تهيمن عليها العلاقات الأوروبية الأمريكية

دورة استثنائية في عام غير عادي، لمؤتمر ميونخ الدولي للأمن، والذي افتتح بشكل افتراضي أمس الجمعة، وتستمر فعاليته حتى غداً الأحد. لم يتطلب الأمر تواجد الآلاف من عناصر الشرطة لتأمين مقر المؤتمر، بفندق «بايرشر هوف» حيث يشارك المئات من السياسيين وقادة الدول بشكل سنوي في هذا الحدث.

كما أعلن موقع «ميركور» الألماني أن ما لن يتغير هذا العام هو المظاهرات السنوية المصاحبة للمؤتمر، وإن كان سيقل عددها بالطبع، حيث أكدت الشرطة في مدينة ميونخ أنها تريد تقليل عدد المتظاهرين اليوم السبت إلى 100 مشارك فقط، حيث سينظم «تحالف ضد مؤتمر الأمن» مظاهرة أمام الفندق، لرفض سياسات التسلح القائمة، واستبدالها بالتوجه للاستثمار في البحث العلمي، نظراً للمخاطر الكبرى التي تعصف بأمن البلاد والمتمثلة في وباء كورونا.

تغير أعمال المؤتمر

فجائحة كورونا غيرت شكل المؤتمر للمرة الأولى في تاريخه، منذ أن بدأ عام 1963، حيث ينعقد هذا العام عبر دائرة الفيديو كونفرنس، ليجتمع القادة الكبار، وأبرزهم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وكذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وبيل غيتس.

ويركز المؤتمر في دورته الحالية على 4 موضوعات؛ أبرزها التعددية، والوباء، والعلاقات عبر الأطلسي، والمناخ.

وأكد رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشينغر لموقع «دويتشلاند فونك»: «للمرة الأولى لن تتاح ما عرف عن المؤتمر بكونه فرصة لتبادل الأفكار عبر القنوات غير الرسمية، في الغرف الخلفية، وأيضاً يغيب عن الفعاليات لأول مرة ممثلين من الصين وروسيا والشرق الأوسط، حيث تركز أعماله على استعادة العلاقات الأمريكية – الأوروبية، لتوحيد الرؤى في قضايا مثل الإرهاب والمناخ والوباء».

وقال إيشينغر «لو كان أحد استمع إلى ما حذر منه غيتس في مؤتمر ميونخ عام 2017 حول مخاطر الوباء، لما كنا نعيش اليوم في حالة الشلل، التي أصاب بها الوباء الدبلوماسية مثلما فعل بمناحي الحياة الأخرى».

انتقادات للمؤتمر

من جانبها انتقدت مجلة «دير شبيغل» المؤتمر هذا العام، لكونه تسيطر عليه فكرة أن الجميع عاد يحب بعضه البعض مرة أخرى، بعد رحيل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، معتبرة أن التركيز على أن رحيل ترامب يعني رحيل المشكلات هو «فكرة وهمية».

ووصفت المجلة نسخة المؤتمر المصغرة الحالية بأنها احتفال بالغرب القديم دون تقديم إجابات على تحديات الحاضر والمستقبل.

من ناحيته قال الخبير في الشؤون الأوروبية والباحث بجامعة كولونيا، لؤي المدهون «المؤتمر يركز في اجتماعاته الافتراضية هذا العام على نقطة أهم، وهي تمحور اللقاء على المعسكر الغربي، فمشاركة بايدن تحمل رمزية كبيرة، لأنها تؤكد على عودة الولايات المتحدة كلاعب له دور قيادي في منظومة العلاقات الدولية، ورغبتها في ترميم التحالف بين ضفتي الأطلنطي، وإعادة الاعتبار لحلف الناتو لتحوله إلى قوة عالمية، تساهم في التقليل من تداعيات الانعزالية الأمريكية، وعدم رغبة النخب الأمريكية في استمرار دور الشرطي العالمي».

الخلافات الأوروبية الأمريكية

وأضاف المدهون لـ«الرؤية» قائلاً: «تنفس الأوربيون الصعداء بعد انتهاء حقبة ترامب، بيد أن هذا لا يعني أن إدارة بايدن ستلبي كل مطالب الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل تباين واضح في الرؤى والمصالح فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين».

وتابع «أعتقد أنه فيما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، فإمكانية التوافق كبيرة جداً، لأن بايدن وغالبية الدول القائدة في الإتحاد الأوروبي مصرة على تبني نهج أكثر صرامة ضد موسكو».

وتطرق إلى أن الخلاف على موضوع نورد ستريم 2 (خط أنابيب الغاز الذي سيضاعف كمية الغاز الروسي المصدر لألمانيا) لا يزال يخيم على العلاقات الأوروبية– الأمريكية، في ظل رفض واشنطن له، وإصرار حكومة ميركل على التمسك به، مشيراً إلى أنه حال تحسن العلاقات وبناء أجواء الثقة بين الحلفاء الغربيين، يسهل التوصل لحل لهذه المعضلة.

وأكد المحاضر بقسم السياسة الدولية والخارجية بجامعة كولونيا، البروفيسور توماس ياغر أن الولايات المتحدة عادت لقيادة التحالف عبر الأطلسي، وأنه ستكون هناك مشاورات أمريكية مع الحلفاء في أوروبا، في عدة أمور؛ كالانسحاب من أفغانستان الذي أراده ترامب أن يكون غير مقيد بشروط، والعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، حيث بدأت المفاوضات الآن على المسرح السياسي وفي الغرف الخلفية لمعرفة كيف يمكن للجميع العودة دون فقدان ماء الوجه».

وأضاف ياغر لـ«الرؤية» قائلاً: «تنظر الدول الغربية إلى العلاقات مع روسيا بشكل مختلف؛ ففرنسا تريد حواراً مكثفاً، وواشنطن تريد احتواء روسيا، وتميل ألمانيا بعد فشل سياسة ميركل تجاه روسيا إلى تبني الموقف الأمريكي دون التخلي عن نورد ستريم 2

وأكد ياغر أن هناك أيضاً رغبة في أن تتواجد الدول الأوروبية بشكل أكبر في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكن كيف يجب أن يتم ذلك؟ تظل الإجابات مفتوحة دون التطرق لها في المؤتمر.

تأثير جائحة كورونا

وأشار إلى جائحة كورونا تشكل محوراً مهماً في المؤتمر، خاصة مع تأثر أمريكا وأوروبا بشكل خاص بها، من حيث أعداد الوفيات والإصابات، إضافة إلى تقييد السفر، ما يؤدي إلى استياء السكان، وعندما يتم تطعيم العديد من الأشخاص، عندئذ سيكون التنقل الدولي آمناً مرة أخرى، ولهذا السبب كان يعتقد منذ البداية أنه يجب دعم البلدان الأخرى خاصة في الدول النامية باللقاحات.

وأكد أن هناك أيضاً سبباً آخر يتمثل في أنه من أجل عدم التخلف عن الركب مع الصين، يتم الآن زيادة المبادرة لتزويد البلدان الأخرى باللقاحات، وضرورة مناقشة «دبلوماسية اللقاح»، وأنه في وقت ما يجب دفع الثمن السياسي للقاحات المجانية، حيث لا تريد الدول الغربية ترك هذه الميزة للصين وحدها.