السبت - 11 مايو 2024
السبت - 11 مايو 2024

قوة ناعمة وجذب للناخبين.. ساسة أوروبا ينتفضون للتدخل في كرة القدم

أثار قرار انسحاب عدد من كبار النوادي من البطولات المحلية الأوروبية تمهيداً لتأسيس دوري انفصالي خاص بهم، زلزالاً في كرة القدم العالمية، وهو قرار قوبل بمعارضة شرسة من عدة أطراف، في مقدمتها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا»، مدعوماً بنظيره الدولي «فيفا» والاتحادات المحلية وروابط الدوريات وحتى الحكومات في مختلف دول القارة العجوز.

ولم تتوقف معارضة القرار على الجهات الرياضية المعنية فقط، بل أثار أيضاً ردة فعل واضحة من كبار السياسيين في بريطانيا وأوروبا، والذين عارضوا الخطة وتعهدوا بالتصدي لها.

ومن بين المنتقدين السياسيين كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إذ اعتبرا أن الخطة تقوض الجدارة في الرياضة.

وتعهد كل من ماكرون وجونسون بتقديم حكومتيهما الدعم اللازم للوقوف في طريق إنشاء دوري السوبر الأوروبي المنفصل المثير للجدل.



كما طلب وزير الثقافة البريطاني أوليفر دون من المسؤولين، وضع قائمة بالخيارات القوية للغاية التي تتيح للحكومة النظر في اتخاذ إجراءات ضد الأندية الإنجليزية في حال مضت قدماً في خطة الانفصال.

وأعرب نائب رئيس المفوضية مارغاريتيس شيناس، عن معارضته الخطة في تغريدة نشرها على تويتر، جاء فيها: «يجب أن ندافع عن نموذج الرياضة الأوروبي المبني على القيم والتنوع والشمول وهي عناصر أساسية للرياضة الأوروبية وأسلوب حياتنا الأوروبي».

وقالت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، إن خطة الدوري الأوروبي الجديد، استحوذت على انتباه كبار الساسة في بريطانيا بطريقة لم تحصل عليها حتى القضايا المتعلقة بالحياة والموت، وأضافت أن تفسير ذلك هو اهتمام السياسيين بالناخبين.

زيادة القاعدة الشعبية

وقال أستاذ الاجتماع السياسي في جامعتي هلسنكي، وجامعة النيل المصرية، الدكتور سعيد صادق، في تصريح لـ«الرؤية»، إن كرة القدم من أدوات القوة الناعمة مثل صناعة الترفيه عبر المسلسلات والأفلام والأغاني والموسيقى، ومن الطبيعي أن يتدخل الساسة فهو بالنهاية نوع من الدعاية والترويج لهم.

وانتقد عدد من النواب والسياسيين، اهتمام جونسون الكبير وتحركه السريع في هذه القضية، مقارنة باستجابته خلال العام الماضي للوباء في بداية انتشاره في بلاده.



وجذبت القضية اهتمام عدد كبير من السياسيين في جميع أنحاء أوروبا، ولم يكن جونسون هو الوحيد، ودعا زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر إلى عقد قمة طارئة مع المشجعين والمسؤولين، في حين قام النواب بصياغة خطابات تحث النوادي على التراجع عن الانسحاب.

وأشارت الاستطلاعات المبكرة إلى أن السياسيين من جميع الأطياف الذين تدخلوا في هذه القضية، قد يكونون في وضع جيد في حال لم يخيبوا آمال مشجعي كرة القدم.

وخلص استطلاع أجرته YouGov أن 79% من مشجعي كرة القدم يعارضون إنشاء دوري منفصل، بينما يريد ثلاثة أرباعهم معاقبة مالكي الأندية في حال اشتراكهم.



وبحسب صحيفة بوليتيكو فإن كلا الحزبين يطمح للفوز بما يسمى بمقاعد الجدار الأحمر في الشمال وميدلاندز، والتي فاز بها المحافظون في انتخابات 2019، إذ إن الفرق الرياضية المحلية تشكل أجزاء كبيرة من هذه المجتمعات.

وقال ويل تانر مدير مؤسسة أونوارد البحثية البريطانية، إن اقتراح الدوري الإوروبي يبلور ساحة المعركة السياسية الرئيسية حول الانتماء والمكان، ويؤدي إلى الشعور بأن أصول المجتمعات قد تدهورت.

وأضاف: «هذه المجالات تعتبر الأكثر أهمية من الناحية السياسية في الوقت الحالي، وهذه المؤسسات والأندية الرياضية وغيرها من المؤسسات الرياضية والمجتمعية مهمة للغاية».

وأكد تانر بأن الأسلوب الذي تعامل به جونسون مع قضية الدوري الأوروبي، أظهر أن المحافظين يدركون جيداً قاعدتهم الجديدة.

القوة الناعمة

قالت شبكة «سي إن إن» الأمريكية، إن الدوري الإنجليزي الممتاز هو أغنى دوري كرة قدم في العالم، و6 من إجمالي الفرق الـ12 التي أيدت الاشتراك في الدوري الجديد هي فرق بريطانية.

وأضافت الشبكة، أن الدوري الإنجليزي الممتاز يعتبر قصة نجاح بريطانية عظيمة، في حين تشير التقديرات إلى أن مساهمة الدوري في اقتصاد بريطانيا، تبلغ أكثر من 10 مليارات دولار، في الوقت التي تبث فيه ما يقارب 200 دولة مباريات الدوري، وبالتالي فإن جونسون يتمتع بشخصية سياسية في اللعبة بأكثر من نظرائه الإسبان والإيطاليين.





ولربما تساءل الكثيرون عن سبب تدخل جونسون الليبرالي الذي يعترض على تدخل الحكومة في مثل هذه الأمور، بشكل مفاجئ لضمان إيقاف هذه المقترحات.

يرى كريس كيرتس من مؤسسة Opinium Research البريطانية، أن حب كرة القدم لا يقتصر على جزء واحد من البلاد وسيحظى جونسون بشعبية شبه عالمية بعد هذا التدخل.

وأشار الدكتور سعيد صادق إلى أنه في كل منزل هناك من يشاهد مباريات كرة القدم، وأضاف أن نجاح واستقرار الفرق مهم للقوة الناعمة، ولا يختلف عن تدخل بعض القادة في تقديم الدعم لصناع الترفيه خلال الأزمات، وذلك لاعتبارهم ذخيرة وطنية وسياسية لهم، وبالتالي الشعوب تهتم وتتابع كرة القدم، وارتباط الساسة بها يرفع من شعبيتهم.

وقالت «سي إن إن» إن الغالبية البرلمانية ترغب في السماح بتدخل الحكومة في صناعة رئيسية لأنها ستؤثر بشكل كبير على نظرة المستثمرين الأجانب إلى بريطانيا، والذين تتزايد أهميتهم بالنسبة لحكومة جونسون بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.





ووصف رئيس المركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط أمجد طه للرؤية الأمر بأنه أشبه بخسارة قوى ناعمة في حال عدم التدخل لتصويب الأمر، مشيراً إلى أن كرة القدم تعد من أساسيات القوة الناعمة المدعومة من قبل الأندية والمستثمرين في قطاع كرة القدم البريطانية والذين سيصبحون أكبر الخاسرين من هذا الانفصال.

وأضاف: «جميع الخاسرين ليس لديهم حل سوى الاتجاه بهذا الطريق ومنع هذه الخطط، وليس جونسون الوحيد الذي تدخل، بل حتى الأمير ويليام وصف الأمر بأنه عار، وبالتالي يشكل هذا التوجه خسارة قوة ناعمة لكل من سيتضرر من خطوة الأندية».