الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أزمة المهاجرين.. المغرب يعيد رسم العلاقات مع إسبانيا

أزمة المهاجرين.. المغرب يعيد رسم العلاقات مع إسبانيا

عبر نحو 8000 شخص، ضمنهم 1500 قاصر الحدود المغربية إلى مدينة سبتة. (أ ف ب)

تأزمت العلاقات المغربية الإسبانية مؤخراً؛ بعد التدفق غير المسبوق لمهاجرين غير شرعيين يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، على مدينتي سبتة ومليلية، وإعلان وزير مغربي أن ترك المهاجرين هو انتقام مغربي من إسبانيا، بعد استقبالها زعيم جبهة «البوليساريو» سراً في أبريل الماضي.



وعبر نحو 8000 شخص، ضمنهم نحو 1500 قاصر، الحدود المغربية إلى مدينة سبتة، التي لا يفصلها عن المغرب إلا سياج حديدي، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين. بحسب الحكومة الإسبانية، فيما أكدت سلطات المدينة الخميس، عدم وصول مهاجرين ليلاً إلى المدينة بعد تشديد قوات الأمن المغربية السيطرة على الحدود المشتركة.



وجاءت هذه الأحداث بعد استقبال إسبانيا زعيم جبهة «البوليساريو»، التي تطالب بانفصال الصحراء المغربية، إبراهيم غالي، بهوية مزورة، نهاية أبريل الماضي؛ للعلاج من كورونا.



وأعلن وزير الدولة المغربي المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، المصطفى الرميد، مساء الثلاثاء الماضي، أن «عدم عناية إسبانيا بحسن الجوار مع المغرب، وعدم حرصها الشديد على الرقي به، جعل من حق المغرب أن يمد رجليه، لتعرف إسبانيا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غالٍ جداً، فتراجع نفسها، وسياستها، وعلاقاتها، وتحسب لجارها المغرب ما ينبغي أن يحسب له، وتحترم حقوقه عليها كما يرعى حقوقها عليه»، بحسب ما كتبه الرميد على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.



السلام عليكم إن إقبال دولة إسبانيا على استقبال رئيس جماعة البوليزاريو المسلحة، وإيوائه بأحد مستشفياتها بهوية مزورة، ودون...

Posted by المصطفى الرميد El Mostapha Ramid on Tuesday, May 18, 2021



تصعيد

واعتبر محللون لـ«الرؤية» تصريحات الرميد، اعترافاً رسمياً من الحكومة برفع المغرب يده عن منع المهاجرين غير الشرعيين، المتحدرين من بلدان الساحل وأفريقيا جنوب الصحراء، من الوصول إلى أوروبا.

وقال الخبير المغربي في شؤون الهجرة، عبدالفتاح الفاتحي، «إن المغرب لا بد أن يلعب بكل أوراقه، خاصة بعد عدم اعتبار الاتحاد الأوروبي المغرب حليفاً استراتيجياً في مجموعة من القضايا، أبرزها قضية الهجرة، رغم مرور 10 سنوات على حصول المغرب على صفة الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي».

وأعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، عن تضامنه مع إسبانيا في مواجهة تدفق المهاجرين القادمين من المغرب، وكتب في تغريدة باللغة الإسبانية «كل دعمنا وتضامننا مع إسبانيا». مضيفاً أن "التعاون والثقة والالتزامات المشتركة يجب أن تشكل الأسس لعلاقة قوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي".

وأضاف الفاتحي، في حديث لـ«الرؤية»، أنه «إذا استمر المغرب في رفع يده عن مراقبة حدوده مع إسبانيا خلال الأيام المقبلة، ستغرق أوروبا بالمهاجرين غير الشرعيين، الذين لن يكتفوا بالدخول إلى مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين المحتلتين من طرف إسبانيا، والمرتبطتين برياً بالتراب المغربي، بل سيصلون إلى شواطئ إسبانيا وإيطاليا».

وإلى جانب مدينتي سبتة ومليلية، الواقعتين شمال المغرب، تفرض إسبانيا نفوذها على 21 جزيرة مغربية، وذلك منذ استقلال شمال المغرب عن الاستعمار الإسباني عام 1956، ثم استكمال استقلال الجنوب المغربي عنه، خلال عام 1975.

وأوضح الفاتحي أن «هذه الأزمة لن تُحل إلّا بحد إسبانيا من ازدواجية مواقفها السياسية في ما يخص قضية الصحراء المغربية، وتبنيها على الأقل موقف الحياد الإيجابي تجاه الملف، وأن تدعم المغرب أمام الاتحاد الأوروبي، في ما يتعلق بمطالبه المرتبطة بملف صد المهاجرين غير الشرعيين، الذين يتخذون من المملكة المغربية بلد عبور نحو أوروبا».

وبين الفاتحي أن إسبانيا لن تلجأ إلى أسلوب التصعيد للرد على ما يقوم به المغرب، «لأنها في حاجة إليه في ملف الهجرة».

وأشار الفاتحي إلى أن المغرب يمكن أن يضغط أكثر على إسبانيا من خلال إيقاف التعاون الأمني معها، على مستوى مكافحة الجريمة المنظمة، والاتجار في البشر، وتهريب المهاجرين، والقضايا المتعلقة بالإرهاب.

واستدعى المغرب، الثلاثاء الماضي، سفيرته في مدريد، كريمة بنيعيش، للتشاور، وذلك بعدما استدعتها وزارة الخارجية الإسبانية في اليوم نفسه، لتعبر عن استياء ورفض مدريد ما حدث في سبتة.



إغراق بالمهاجرين

من جانبه، أفاد أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالعاصمة المغربية الرباط، عبدالحفيظ أدمينو، بأن «ما يقوم به المغرب يعتبر رد فعل طبيعياً، بعدما قامت إسبانيا بمعاداة مصالحه، رغم أنها تعتبر أول مستفيد من منع المغرب للمهاجرين غير الشرعيين».

وأكد أدمينو، في تصريحات لـ«الرؤية»، أن «تخلي المغرب عن تعاونه الأمني مع أوروبا، يغرق الأخيرة بالمهاجرين غير الشرعيين»، موضحاً «أن زحف هؤلاء نحو تلك القارة سيكون تاريخياً، خاصة في ظل جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية».



وفي السياق نفسه، قال أدمينو إن هذه الأزمة، غير الواضح أمدها في الفترة الحالية، من شأنها أن تعيد ترتيب الأوراق، وتمنح كل طرف الموقع الذي يستحقه، مردفاً أنه يجب على إسبانيا أن تفهم أن المغرب لديه مصالحه العليا، وأن الاحترام المتبادل هو أساس العلاقة، التي يمكن أن تكون.

وأوضح أدمينو «أن التخوف من تصعيد إسبانيا ضد المغرب في قضية الصحراء المغربية مسألة غير مطروحة في ظل الأزمة الحالية، لأنها بالفعل تساند أطروحة جبهة البوليساريو، وتستضيف قياداتها والمنتمين إليها» على حد تعبيره.

وبررت إسبانيا استقبالها لزعيم جبهة «البوليساريو» الانفصالية، إبراهيم غالي، بجواز سفر مزور، نهاية أبريل المنصرم، للعلاج من كورونا، بأنه «تم لأسباب إنسانية»، وهو ما استنكره المغرب، وندد به، واعتبره أمراً غير مقبول، وذلك في بلاغ شديد اللهجة أصدرته وزارة الخارجية المغربية بداية مايو الجاري، خاصة أن غالي ملاحق أمنياً داخل إسبانيا في قضايا متعلقة بـ«الإبادة الجماعية، والتعذيب، والاغتصاب، والاغتيالات، والاختفاءات القسرية».



«معاملة بالمثل»

من جهته، قال المحلل السياسي المغربي، رشيد لزرق، إن إسبانيا تعاملت باستخفاف مع المغرب، الذي لجأ في البداية إلى الجانب الدبلوماسي، وطلب استفساراً من إسبانيا بخصوص استقبالها غالي، واستدعى سفيرته للتشاور، «غير أن رد الفعل الإسباني كان بمثابة فضيحة، لأنها بررت استقبال زعيم البوليساريو بجواز سفر مزور، بأنه تم لأسباب إنسانية».

وبين لزرق لـ«الرؤية» أن المغرب يتعاون مع الاتحاد الأوروبي في ملفات الأمن، والاقتصاد، والهجرة، ويحرص على وحدة إسبانيا الترابية، ولا يدعم الانفصال فيها في إقليم كاتالونيا، وبالتالي فإن أقل ما ينتظره هو أن يعامل بالمثل، لكن إسبانيا تعامله بنظرة استعمارية.

وإلى جانب الفاتحي وأدمينو، أكد لزرق أنه «إذا استمر المغرب في عدم التعامل بصرامة مع المهاجرين غير الشرعيين، فإنهم سيغرقون الاتحاد الأوروبي كاملاً».

وأشار لزرق إلى أن إسبانيا إذا لجأت إلى الضغط على المغرب اقتصادياً، «فإنه لن يتأثر، لأنه نجح في تنويع شركائه، ولم يبقَ رهينة لإسبانيا كما كان في السابق» مؤكداً أن إسبانيا لن ترد بإعلان دعمها الصريح للبوليساريو، لأنها ستخاف من دعم المغرب لأطروحة الانفصال في إقليم كاتالونيا، على حد تعبير المحلل المغربي.