الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«الناتو الأوراسي».. موسكو وبكين في مواجهة «حزام النار» الأمريكي

تستعد روسيا والصين في 16 يوليو المقبل إلى تجديد معاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين، وهي الاتفاقية التي تم توقيعها في عام 2001، وتشمل أكثر من 300 اتفاق وبروتوكول تعاون، تغطي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.



هذه الاتفاقية ساهمت في زيادة التجارة البينية عام 2019 إلى أكثر من 110 مليارات دولار، ويستهدف البلدان الوصول بالتجارة إلى 200 مليار دولار عام 2025، لكن الأكثر من ذلك ما صرح به الرئيس فلاديمير بوتين في مؤتمر فالدي الأخير، الذي أكد خلاله استعداد موسكو لرفع مستوى العلاقة مع الصين من الشراكة الاستراتيجية إلى التحالف، وهو الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. فهل تدفع الضغوط الغربية موسكو وبكين للتحالف العسكري وتشكيل ما يسمى بـ«الناتو الأوراسي»؟ وما هي خيارات الولايات المتحدة للتعامل مع هذا التحدي الجديد؟ وإلى أي مدى يشكل «سيناريو كيسنجر» ورؤية «جيمي كارتر» حلولاً عملية أمام واشنطن للبقاء على رأس النظام الدولي؟



السلة الواحدة



كانت استراتيجية الأمن القومي في الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وحتى عام 2016 تقوم على أن الخطر الإرهابي هو ما يهدد الولايات المتحدة، لكن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تغيرت في ديسمبر 2017 لتنظر إلى الصين وروسيا معاً باعتبارهما منافسين استراتيجيين للولايات المتحدة على الساحة الدولية، الأمر الذي ساهم بأكبر تقارب بين موسكو وبكين منذ الحرب الروسية الصينية عام 1969.



ووفق الدليل المبدئي للأمن القومي الأمريكي الصادر عن البيت الأبيض في مارس الماضي، وصف الرئيس بايدن من جديد الصين وروسيا معاً كمنافسين لبلاده على الساحة الدولية، وتعهد بأن يعمل كل ما في وسعه من أجل بقاء بلاده على قمة العالم، وهو يفتح آفاق المواجهة مع بكين وموسكو.



وأخذت العلاقة الروسية الصينية منحى الشراكة الاستراتيجية الكاملة بعد ديسمبر 2017، ورغم أن الدليل الاستراتيجي للأمن القومي الأمريكي تحدث عن الصين 17 مرة وروسيا 6 مرات فقط، إلا أن خطوط السياسة الخارجية الأمريكية تؤكد استهداف الصين وروسيا معاً، وبنفس الأدوات والآليات.



استراتيجية الأناكوندا



تعمل الولايات المتحدة على تشكيل تحالف الديمقراطيات للوقوف ضد روسيا والصين مع التطبيق العملي لنظرية الأناكوندا التي استخدمتها القوات الاتحادية ضد ولايات الجنوب في الحرب الأهلية الأمريكية، وتقوم هذه النظرية على بناء «حزام من النار» حول الأراضي الصينية والروسية، فالصين تتهم الولايات المتحدة بأنها تدعم كل الأقاليم الانفصالية في الأطراف الصينية، مثل هونج كونج، وتايوان، في بحر الصين الشرقي، وتحرض 7 دول ضد الصين في بحر الصين الجنوبي، وتعزز من الرغبات الانفصالية في أقاليم مثل التبت و شينجيانغ «تركستان الشرقية».



ويتهم الكرملين واشنطن بنفس السيناريو من خلال اقتراب حلف الناتو من الأراضي الروسية، ويعتبر أن ما يجري في أوكرانيا وبيلاروسيا وجورجيا، وقضية المعارض الروسي ألكسي نافالني لا ينفصل عن جهود واشنطن في خلخلة القلب الروسي، عبر نظرية «نهش الأطراف»، وتشجيع دول الاتحاد السوفيتي السابق على الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.



المثلث النووي



لكن على الجانب الآخر تشعر الولايات المتحدة وحلفاؤها بخطر شديد من السلوك الروسي والصيني، لذلك انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى منذ أغسطس 2019 بحجة إنتاج روسيا لصاروخ يتجاوز مداه 500 كلم، وهو المدى المتفق عليه في الاتفاقية الثنائية بين واشنطن وموسكو عام 1987، ليبقى هدف الولايات المتحدة هو انضمام الصين لهذه الاتفاقية.



ومع رفض روسيا تجديد الاتفاقية نشرت الولايات المتحدة 150 قنبلة نووية من طراز «بي 61» في 5 دول أوربية، وفق بيان الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، كما نشرت الولايات المتحدة في الربع الأخير من العام الماضي، صواريخ متوسطة المدى تحمل رؤوساً نووية لأول مرة في المحيطين الهندي والهادئ، رداً على إنتاج الصين ما يسمى «بالمثلث النووي» وهو إنتاج للصواريخ النووية، والقاذفات الاستراتيجية، والغواصات التي تحمل صواريخ نووية.



أكثر الاتهامات الغربية للصين تتمثل في أنها أنتجت ما يقرب من 5 آلاف رأس نووي، وهو الأمر الذي تنفيه بكين التي تؤكد حيازتها 350 رأساً فقط. ولعل عدم الثقة الغربية في البيانات الصينية كان دافع رئيس الوزراء البريطاني للإعلان عن خطة لزيادة الرؤوس النووية البريطانية من 180 إلى 260، أي بنسبة 40 %، لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة، حيث ترى واشنطن وحلفاؤها أن خطر الصواريخ الصينية طويلة المدى لا يقتصر على الأراضي الأمريكية بل يمتد أيضاً إلى الدول الأوربية وممتلكاتها وراء البحار، ويخشى حلف الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة من تحالف بكين مع موسكو التي تمتلك 6650 رأساً نووية، وهو ما يستوجب نظر الحلف العمل بشكل استباقي ضد روسيا والصين، حيث يتوقع قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأميرال فيليب ديفيدسون، أن تغزو الصين تايوان عام 2027.



خيارات سلمية



وقد نجحت الولايات المتحدة في احتواء الصين منذ عام 1949 وحتى عام 1979 من خلال ما يسمى «بخيار كيسنجر» القائم على خلق مشاكل ونزاعات للصين مع جيرانها الآسيويين، كما قام منهج الرئيس جيمي كارتر على احتواء الصين ودفعها لتكون شريكاً في السلام والرخاء العالمي، لكن إدارة بايدن تعود من جديد لسياسة «الاستدارة شرقاً»؛ والتي تعتمد على حشد كل الموارد العسكرية والاقتصادية في المحيطين الهندي والهادئ تحسباً لمواجهة مع الصين، وهذا ما نراه في الصراع الحالي بين روسيا وحلف الناتو، خاصة مع بولندا وأوكرانيا ودول بحر البلطيق والتشيك وغيرها، وكل هذا يقدم مسوغات لبناء تحالف عسكري يجمع روسيا والصين معاً، وربما بعض الدول الآسيوية وحتى الأوروبية مثل بيلاروسيا؛ ليشكلوا معاً «الناتو الأوراسي».