الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

«إنوم».. «الهاتف» الذي أسقط زعماء المنظمات الإجرامية العالمية

«إنوم».. «الهاتف» الذي أسقط زعماء المنظمات الإجرامية العالمية

تمثل العملية «علامة فارقة» في تاريخ مكافحة الجريمة العالمية وشاهداً على أهمية التكنولوجيا في هذه المعركة.

اعتُقل مئات الأشخاص في أنحاء العالم في حملة نوعية واسعة النطاق ضد الجريمة المنظمة أتاحها زرع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) أجهزة هاتف مشفرة، وفق ما أفادت سلطات إنفاذ القانون في دول عدة الثلاثاء.



وتمكن الشرطيون من قراءة رسائل زعماء المنظمات الإجرامية العالمية في نحو 100 دولة أثناء تخطيطهم لصفقات مخدرات ونقل أسلحة وعمليات اغتيال بفضل تطبيق «إيه إن أو إم» (إنوم) الذي كان يستخدمه مجرمون في جميع أنحاء العالم للتواصل بطريقة مشفّرة.

وتمثل العملية «علامة فارقة» في تاريخ مكافحة الجريمة العالمية وشاهداً على أهمية التكنولوجيا في هذه المعركة، وفق خبراء في الميدان، وتكشف وثائق العملية عن مكيدة عالمية طموحة استغرق إعدادها وقتاً طويلاً للإيقاع بقادة المافيا باستخدام هاتف محمول مشفر آمن يعرف باسم «إنوم».



ما هو إنوم؟

يوصف إنوم بأنه هاتف محمول مشفر آمن تماماً يعد المستخدم بالسرية التامة في الاتصالات. وهو في الأساس عبارة عن هاتف مُخترق يستخدم نظام تشغيل معدلًا أزيلت منه كل خدمات الرسائل العادية والاتصالات الهاتفية أو نظام تحديد الموقع العالمي التي تجعله قابلاً للتتبع والتعقب.

ظاهرياً، يبدو الجهاز مثل هاتف محمول عادي، لكنه يحتوي على خدمة مراسلة يفترض أنها «آمنة» مخفية خلف تطبيق للآلة الحاسبة.





من الناحية النظرية، يعمل الهاتف ضمن شبكة مغلقة - يمكن لهواتف إنوم الاتصال فقط بهواتف إنوم الأخرى باستخدام تشفير «عسكري» ينقل البيانات عبر خوادم وكيلة (بروكسي) آمنة أو غير قابلة للاختراق.

احتوت الهواتف أيضاً على مفتاح حذف لمحو جهات الاتصال أو أي بيانات أخرى مخزنة محلياً.

استخدمت الشبكات الإجرامية خدمات مماثلة مثل «فانتوم سكيور» و«سكاي غلوبال» و«سيفر وإنكروتشات» طيلة سنوات للتخطيط والاتصال، ولجأت جهات تطبيق القانون كذلك إلى استغلالها في مكافحة الجريمة.





كيف تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالي؟


في مارس 2018، اتهمت هيئة محلفين كبرى الرئيس التنفيذي لشركة فانتوم سكيور فينسينت راموس الذي أقر في النهاية مع زملائه بالذنب في مجموعة من التهم المتعلقة بالاتجار بالمخدرات.

بعد ذلك بوقت قصير، عرض «مصدر سري» على مكتب التحقيقات الفيدرالي جهازاً مشفراً من الجيل التالي، سيُطلق عليه اسم إنوم، صُمِّم ليحل محل الأنظمة التي فقدت مصداقيتها أو انتهت صلاحيتها أو تم اختراقها.

وافق المصدر نفسه على نشر الأجهزة التي اخترقها مكتب التحقيقات الفيدرالي بين شبكة من موزعي السوق السوداء الذين باعوا فانتوم سكيور لأفراد خضعوا لفحص دقيق أو حصلوا على توصية، وهؤلاء يكونون عادة أعضاء في عصابات إجرامية منظمة.





كيف انطلى الأمر على المجرمين؟

في البداية، وُزع 50 هاتف إنوم في اختبار تجريبي وانتهى معظمها بين أيدي أفراد العصابات الإجرامية المنظمة الأسترالية.

لكن من خلال الترويج لها شفهياً، اكتسبت هذه الهواتف شعبية بين زعماء عصابات إجرامية قيل إنهم أوصوا أصدقاءهم باقتنائها، ازدادت شعبية إنوم في عام 2020 عندما اخترقت السلطات الأوروبية إنكروتشات واعتقلت العشرات وبعد اعتقال الرئيس التنفيذي لشركة سكاي غلوبال جان فرانسوا إيب.



20 مليون رسالة

في النهاية، تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي والسلطات الأسترالية و«دولة ثالثة» لم يُذكر اسمها من الوصول إلى أكثر من 20 مليون رسالة من 11800 جهاز في 90 دولة.

راجت هذه الهواتف خصوصاً في ألمانيا وهولندا وإسبانيا وأستراليا وصربيا.





لماذا توقفت العملية؟

لا يوجد تفسير واضح حول سبب توقف العملية الآن. ولكن، قد يكون وراء الأمر مزيج من الشكوك والعقبات القانونية وتحول في الاستراتيجية.

لم يكن لدى جهات تطبيق القانون إمكانية الوصول في الوقت الفعلي إلى النشاط الذي يُستخدم الهاتف من أجله. ولكن بدلاً من ذلك، نُسخت جميع الرسائل المرسلة بشكل مخفي أو أرسلت على نحو مخفي الوجهة إلى خوادم مكتب التحقيقات الفيدرالي حيث تم فك تشفيرها.

كان أحد الخوادم في بلد ثالث حيث كانت صلاحية مذكرات توقيف المتورطين ستنتهي في 7 يونيو 2021. لكن حتى قبل هذا التاريخ النهائي، بدأت تثار شكوك حول العملية.

ففي مارس، نشر المدون «كان-يو-غيس67» على موقع ووردبرس مقالًا قال فيه إن إنوم مجرد «خديعة» وإن الجهاز الذي اختبره كان «على اتصال دائم» بخوادم غوغل وينقل البيانات إلى خوادم غير آمنة في أستراليا والولايات المتحدة.

وورد في المقال قبل حذفه: «كنت مهتماً جداً برؤية عدد عناوين الإنترنت بروتوكول (آي بي) المتعلقة بالعديد من المؤسسات ضمن حكومات فايف آيز (أستراليا والولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة ونيوزيلندا التي تشارك المعلومات مع بعضها بعضاً)».

بالإضافة إلى ذلك، كان أحد الأهداف المعلنة لعملية «درع طروادة» هو تقويض الثقة في الأجهزة المشفرة، وهو هدف لا يمكن تحقيقه على نطاق واسع إلا عندما يُعلن عن العملية.