الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

بايدن والصين: الخلافات كبيرة.. وفرص التعاون أيضاً

بايدن والصين: الخلافات كبيرة.. وفرص التعاون أيضاً

بايدن يأمل نجاح الدبلوماسية الشخصية في التواصل مع الصين.(أرشيفية)

رغم أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال في فبراير الماضي، لمجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ، إن «الصين تريد أن تأكل غذاءنا» إلا أن واشنطن وبكين تبحثان فرص عقد لقاء مباشر بين بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ، على هامش قمة العشرين التي سوف تستضيفها العاصمة الإيطالية روما، في أكتوبر المقبل.

وجرت ضمن مساعي تحقيق لقاء الرئيسين، جهود لترتيب لقاء هذا الأسبوع بين وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ونظيره الصيني، وانغ يي، بحسب صحيفة فاينانشال تايمز، بالإضافة إلى الطلب الرسمي الأمريكي من بكين استقبال نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان، خلال شهور الصيف الحالي، وهو ما يؤشر على وجود إرادة سياسية أمريكية لمناقشة الخلافات مع الصين عبر الدبلوماسية المباشرة، واللقاءات وجهاً لوجه، وهو نهج يعبر عن رغبة الرئيس بايدن في استثمار الزخم والإيجابية التي صاحبت قمة جنيف التي جمعته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منتصف يونيو الجاري.

وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان للصحفيين في يونيو، بعد القمة الروسية الأمريكية في جنيف إن بايدن "سوف يبحث عن فرص للتواصل مع الرئيس الصيني شي جين بينغ".

وقال سوليفان "في القريب العاجل، سنجتمع لنحدد الشكل المناسب للتواصل بين الرئيسين.. الأمر يتعلق فقط الآن بموعد وكيفية التواصل".

فإلى أي مدى يمكن إيجاد مساحات مشتركة بين واشنطن وبكين؟ وما هي القضايا والملفات التي يصعب على الجانبين التوافق حولها؟ وماذا عن سباق الفراغات الاستراتيجية واستغلال المناطق الرخوة؟

مقامرة كبرى

من يراجع الدليل المبدئي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنها الرئيس بايدن في مارس الماضي، يتأكد له أن اسم الصين ذكر 16 مرة، مقابل 7 مرات فقط لروسيا، وهو ما يكشف حجم القلق الأمريكي والغربي من الصعود الصيني في كافة المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، كما أن جميع بيانات القمم التي حضرها الرئيس بايدن خلال جولته الأوروبية كانت تركز على الصين، بداية من قمة الدول الصناعية السبع، وقمة حلف الناتو، والقمة الأوروبية الأمريكية، وكل ذلك يجعل من ترتيب لقاء بين الزعيمين الصيني والأمريكي أمراً صعباً.

الرهان على نجاح أي قمة بين بايدن وشي يعد من المقامرات الكبرى؛ نظراً لحجم ونوعية الخلاف بين البلدين، فالرئيس بايدن أشار في كلمة ألقاها مايو الماضي، أمام عسكريين أمريكيين في قاعدة بولاية فيرجينيا، إلى أن نظيره الصيني يعتقد أن بلاده ستتمكن من امتلاك الولايات المتحدة قبل عام 2035، وهو ما يجعل سيناريو الحرب ليس بعيداً، وفق رؤية الرجل الثاني في الجيش الصيني، الجنرال شو كيليان، الذي تحدث بوضوح عن ما يسمى «فخ ثيوسيديدس» الذي تقوم فكرته على «أن الصراع العسكري دائماً ما يقع بين القوة التي تحتل قمة العالم والقوة الصاعدة التي تحاول أن تحتل مكانها، وأن الانتصار العسكري للقوة الصاعدة هو وحده من يجلسها على قمة العالم».

وثيوسيديدس الذي عاش قبل الميلاد بـ400 عام، هو صاحب كتاب «تاريخ الحرب البلوبونيزية» الذي كتب فيه تاريخ الصراع والحروب بين أثينا وإسبرطة التي استمرت 26 عاماً.

سباق التسلح

المؤكد أن الولايات المتحدة انسحبت من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى في أغسطس عام 2019 بسبب الصين، وليس بسبب ما قيل عن إنتاج روسيا لصاروخ قصير المدى يتجاوز 500 كم، وهو المدى الذي حددته الاتفاقية التي وقعتها روسيا والولايات المتحدة عام 1987.

وما زاد من هذا التأكيد نشر الولايات المتحدة بعدها مباشرة صواريخ تحمل رؤوساً نووية في شرق وجنوب شرق آسيا، وفق رؤية وزير الدفاع الأمريكي السابق، مارك أسبر، والتي تسير عليها حتى اليوم إدارة بايدن، حيث «أنفقت واشنطن على التسليح 778 مليار دولار عام 2020 رغم جائحة كورونا، وهو إنفاق يزيد على ما تم عام 2019 بنسبة تصل 4.4%»، وذلك وفق معهد ستوكهولم لرصد أرقام التسليح، والذي كشف أيضاً أن الصين وصلت لرقم قياسي في الإنفاق العسكري بـ252 مليار دولار بزيادة 1.9 % عن عام 2019.

ودفع هذا السباق بعض الشعوب الموالية للولايات المتحدة إلى التخوف من الإنفاق الصيني الكبير، حيث أظهر استطلاع رأي حديث أجراه معهد لوي الأسترالي، تراجع ثقة الأستراليين في الصين، حيث اعتبر، وللمرة الأولى، أكثر من 60% من الأستراليين، أن الصين مصدر تهديد أمني، وكانت هذه النسبة 18% فقط عام 2018.

ملفات صفرية

هناك ملفات تتصارع عليها واشنطن وبكين بشكل صفري وغير مقبول التنازل عنها هنا أو هناك، منها «سياسة الصين واحدة» التي التزمت بها الولايات المتحدة منذ الاعتراف بالصين عام 1979 والتي تتعرض الآن للتآكل؛ في ظل الدعم السياسي الأمريكي والغربي إلى تايوان وهونغ كونغ. لكن لا يمكن لأحد أن يتصور قبول الصين في يوم من الأيام انفصال تايوان أو هونغ كونغ، بل تؤكد غالبية تقديرات العسكريين الغربيين والآسيويين أن الحرب يمكن أن تندلع بشكل مباشر بين الولايات المتحدة والصين حال دفعت واشنطن تايوان للاستقلال الكامل عن الصين.

في المقابل لا يستطيع الرئيس بايدن التنازل في قضايا حقوق الإنسان، سواء في شينجيانغ، أو هونغ كونغ؛ لأن هذه القضايا هي محور اهتمام الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي بزعامة السيناتور بيرني ساندرز، وعضوة مجلس الشيوخ، إليزابيث وارن، وغيرهما.

العمل معاً

ورغم كثرة الملفات الخلافية إلا أنه يمكن العمل معاً والبناء على «الاتفاق المرحلي» للتجارة بين البلدين، والذي توصلت إليه إدارة الرئيس ترامب في يناير 2020، لكنه لم يستكمل بسبب جائحة كورونا، فالصادرات الصينية إلى السوق الأمريكية في عام 2020 زادت بنسبة 7.9% لتصل إلى 451.81 مليار دولار، كما زادت واردات المنتجات الأمريكية بنسبة 9.8% إلى 134.91 مليار دولار. بحسب إدارة الجمارك العامة الصينية. ويسعى الرئيس بايدن إلى خلق نوع من التوازن بين صادرات وواردات البلدين، يتيح زيادة الصادرات الأمريكية إلى الأسواق الصينية.

مجالات التعاون بين واشنطن وبكين يمكن أن تتضمن أيضاً التنسيق في مجال حماية الكوكب، بعد عودة واشنطن في فبراير 2021 لاتفاق باريس للمناخ المبرم عام 2015، ويمكن للجانبين الصيني والأمريكي العمل معاً للتعرف على منشأ فيروس كورونا بدلاً من التهديدات المتبادلة، وتراهن واشنطن على دور صيني إيجابي مع ملف كوريا الشمالية، وفي المقابل يمكن أن تلعب واشنطن دور «رجل الإطفاء» في إنهاء الصراع الطويل على الحدود ما بين الهند والصين، وكل هذه الملفات الأخيرة يمكن أن تكون عنواناً لنجاح أي قمة مقبلة بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ.