السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

لبنان.. أفكار للعيش ومساعدة الفقراء من «رحم الأزمة»

لبنان.. أفكار للعيش ومساعدة الفقراء من «رحم الأزمة»

أدت عقود طويلة من الفساد وسوء الإدارة في لبنان إلى انهيار الحياة الاقتصادية. (أ ف ب)

تفادياً للسقوط في غياهب الفقر، لجأ العديد من اللبنانيين إلى محاولة التعايش مع الانهيارات المعيشية والاقتصادية والتغلب عليها من خلال البحث عن مصادر أخرى لتحسين معيشتهم من خلال وسائل عديدة، سواء من المطبخ وصولاً إلى فضاء العالم الإلكتروني.

ورصد تقرير لوكالة «أسوشيتد برس» جوانب من حياة لبنانيين لجؤوا لممارسة أعمال ومهن خارج دائرة اهتماماتهم السابقة من أجل مواجهة الظروف المعيشية الصعبة في بلدهم.

فبشكل يومي، تخرج سامية العمر من منزلها لشراء الحاجيات الضرورية من أجل إعداد أصناف من الأطعمة بعد أن اضطرتها الظروف لاقتحام سوق العمل من بوابة المطبخ.

ضاقت سبل العيش أمام سامية العمر وعائلتها لتختار استغلال مهاراتها في الطهي، من أجل تحقيق دخل عبر إعداد وجبات يومية لعائلات ميسورة الحال مالياً.



انهيار الحياة الاقتصادية



وبالنسبة لها، فإن الأحداث التي شهدها لبنان خلال العامين الماضيين، ليست مجرد أزمة. فقد انقلبت حياة هذه السيدة الخمسينية رأساً على عقب، وأجبرت على التحرك حتى لا يستوطن الفقر منزل عائلتها بالكامل. فزوجها المريض فقد وظيفته مع بداية تظاهرات أكتوبر 2019 كغيره من آلاف اللبنانيين الذين تم تسريحهم من وظائفهم، مع بدء تعثر دورة الحياة الاقتصادية التي شهدت تدهوراً إضافياً مع بدء جائحة «كوفيد-19».

أدت عقود طويلة من الفساد وسوء الإدارة في لبنان إلى انهيار الحياة الاقتصادية لدرجة جعلت البنك الدولي يعلن مؤخراً أن هذا البلد المتوسطي الذي كان يوصف يوماً بأنه «سويسرا الشرق»، يعيش إحدى أسوأ الأزمات العالمية منذ منتصف القرن الـ19.

ولهذا، لم يكن هناك خيار آخر أمام سامية العمر عندما جمعتها الصدفة بأفراد عائلات لبنانية من المغتربين في السعودية، جاؤوا في زيارة إلى بلدهم وطلبوا منها أن تعد لهم طعاماً يومياً، سوى أن تباشر هذا العمل فوراً.

وقالت سامية: «أكثر الأكلات التي تطلب مني، هي الأصناف صعبة التحضير التي تتطلب وقتاً مثل أقراص الكبة ورقاقات العجين وورق العنب، وهناك من يطلب مني طعاماً بشكل يومي، وآخرون كل يومين. لكن بسبب غلاء أسعار المواد الغذائية، لا يكون الربح كبيراً، لكن الأمور ميسرة، وابنتي التي تعيش معي مع ابنتها، هي التي تقوم بتوصيل الطلبيات للزبائن».



التجربة الهندية

ومن مطبخ سامية العمر في بيروت، إلى الهند حيث قرر لبنانيون يعملون منذ سنوات في مجال التكنولوجيا الرقمية استخدام تطبيق إلكتروني مخصص لطلب المأكولات في الهند، ليكون بمثابة سوق للتجارة الإلكترونية في لبنان، باستخدام هذه المنصة للربط بين منتجي المواد الغذائية وغيرهم من الموردين، وبين المستهلك مباشرة.

وقال بسام كرم مدير عام شركة «سمارت بيزنس» صاحب مشروع «سيند مي ليبانون»، إنه مع بداية الأزمة في لبنان برزت الحاجة «إلى تطبيق أو تكنولوجيا لتوصل المنتج بالمستهلك مباشرة».

وأوضح كرم أن «فكرة التطبيق هي تحسين دخل المزارع أو أي منتج آخر، سواء كان حرفياً أو صناعياً، وفي الوقت نفسه نخفف الكلفة عن المستهلك»، «وبذلك يكون سيند مي كتطبيق صلة الوصل، شكلنا فريقاً لتوصيل الطلبات مجاناً برغم أزمة البنزين الحادة، مباشرة من المنتج لنسلمه إلى المستهلك أينما كان في لبنان».

يمد هذا التطبيق أيضاً خطوط التواصل مع المغتربين اللبنانيين في الخارج، حيث يتيح، من خلال التعاون مع شركة شحن عالمية، إمكانية تصدير السلع المنتجة محلياً، إلى المغتربين اللبنانيين خلال الأيام المقبلة.



أطباء مهاجرون

ودشنت جمعية «لبنان يحتاج» بمعرفة 3 مؤسسين بينهم نور نجم، بعد اندلاع احتجاجات أكتوبر 2019 كمبادرة تطوعية أساسها أطباء لبنانيون مهاجرون في الولايات المتحدة لمساعدة جرحى التظاهرات، ثم أعيد تنظيم النشاط للتركيز على المرضى عموماً من خلال تأمين الكشف وفحوص وأدوية أمراض مزمنة بشكل مجاني.

وقالت نور نجم: «اكتشفنا أن الصحة هي الأقل اهتماماً من جانب المنظمات غير الحكومية الناشطة في لبنان. بدأنا بمساعدة 12 شخصاً، والآن أصبحنا نساعد أكثر من 2000 شخص في كل مناطق لبنان».



تأمين الأدوية

وأطلقت مارينا الخواند مبادرة شخصية في البداية، بعد انفجار مرفأ بيروت رفقة زميلات جامعيات، اكتشفن سريعاً أن أكثر ما يحتاج إليه المتضررون من الانفجار هو الأدوية. والآن، تؤمن المبادرة أدوية لأكثر من 2000 عائلة في مختلف مناطق لبنان، وتغطية عمليات جراحية، وحواسيب شخصية للتلاميذ.

وعبر حسابها على «إنستغرام» بدأت حملات لجمع الأدوية من متبرعين، ولاقت تشجيعاً واسعاً، وأصبحت المبادرة لاحقاً أكثر تنظيماً واتساعاً تحت اسم «ميدونيشين» التي تدعمها بشكل أساسي تبرعات من مغتربين لبنانيين، وتؤمن بالإضافة إلى الأدوية أجهزة التنفس الاصطناعي خاصة لمرضى «كوفيد-19».

وقالت مارينا الخواند إن «الشابات الجامعيات كلهن متطوعات لا يتقاضين أجراً. نناشد جيل الشباب القيام بمبادرات كهذه، لزرع الأمل بين اللبنانيين، حتى لو كانت الدولة غائبة، فنحن من سيغير البلد، وإذا غادرنا كلنا، لمن سنترك بلدنا؟».