الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

العولمة 2.. ملامح نظام عالمي جديد يتشكل

يمر العالم بعملية طويلة مؤلمة للتخلص من نظام العولمة الحالي عبر عملية تاريخية محددة سلفاً لا مفر منها، قبيل الوصول إلى نظام جديد بلا هيمنة أحادية القطب، نظامٌ يقوم على التنمية المستدامة والتعددية يعلي من قيم العدالة الاجتماعية بدلاً من الحرية الفردية ونظام القطب الواحد الذي تدور في فلكه دول العالم.

وقال تقرير لموقع «مودرن دبلوماسي»، إن الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2008-2009 والانتعاش بعد الأزمة 2010-2013، كانت إشارة واضحة على أن العولمة لم تكن عملية تسير في مسار خطي واحد، بل تتعرض لمراحل من الصعود والهبوط.

وأوضح التقرير أن مهمة المجتمع الدولي العاجلة خلال العامين المقبلين يبدو أنها تتمثل في خفض التكاليف وتقليل المخاطر المرتبطة بتفكيك نظام العولمة الحالي في الاقتصاد والسياسة.

وعلى الرغم من هذه المهمة الهائلة، لا ينبغي لأحد أن يتجاهل الاتجاهات العالمية طويلة المدى. حيث إن عودة العولمة بشكلٍ أو بآخر أمرٌ لا شك فيه. وبحسب التقرير الاستشرافي، فإن هناك عاملين رئيسيين يدفعان العالم في هذا الاتجاه، ويزداد كلاهما قوة بمرور الوقت، بغض النظر عما يقوله مناهضو العولمة اليوم.

معايير مختلفة

العامل الأول هو شعور البشرية بالضغوط المتزايدة باستمرار بسبب المشاكل والتحديات المشتركة والتي تراوح من تغير المناخ إلى تهديدات الأوبئة إلى أزمة الموارد العالمية القادمة، وتتطلب هذه القضايا العمل المشترك بشكلٍ أو بآخر.

أما العامل الثاني فهو التقدم التقني الذي يسير بشكل أسرع من أي وقت مضى، ويستمر في توفير فرص جديدة للاتصالات عن بُعد بمختلف أنواعها.

وتنبأ تقرير مودرن دبلوماسي بشكل ومعايير العولمة الجديدة، معتبراً أنها ستكون مختلفة تماماً عما عاشته البشرية في بداية هذا القرن، ووضع التقرير تصوراً يشمل عدة نقاط تحدد ملامح النظام العالمي الجديد، أو «العولمة2».

عولمة بلا هيمنة أمريكية

تزامنت العولمة في أواخر القرن الـ20 وأوائل القرن الـ21، مع الذروة التاريخية للقوة والنفوذ الدوليين للولايات المتحدة، حيث كان رؤساء الولايات المتحدة السابقون، من بيل كلينتون إلى باراك أوباما، هم من يحدد القواعد الأساسية للعولمة.

وامتدت الهيمنة الأمريكية إلى التنمية الدولية، والأمن الدولي، وعكست جميع المؤسسات متعددة الأطراف جدول الأعمال العالمي للولايات المتحدة.

ويقول التقرير إن الدورة الجديدة للعولمة ستكون مختلفة تماماً عن هذا النموذج، فمن غير المرجح أن تكون أمريكا هي المحرك الذي لا غنى عنه للعولمة الجديدة، كما أنه ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان العالم سيحتاج إلى قوة هيمنة عالمية ملتزمة وذات دوافع عالية.

ورجّح التقرير أن تكون العولمة الجديدة قائمة على التعددية الحقيقية التي باتت موجودة بالفعل.

وأشار التقرير إلى أنه يتعين على واشنطن أن تقبل بأنها لن تكون دائماً في موضع يمكنها من التصرف كزعيم لدورة العولمة الجديدة، أو حتى كجهة فاعلة لا غنى عنها في وضع قواعد اللعبة.

عولمة بلا مركز

كانت الرؤية المشتركة للعولمة السابقة، أن موجاتها تنتشر من القلب الاقتصادي والتكنولوجي والسياسي، أي من الغرب الكبير إلى محيطه، وكان من المفترض أن تعمل الدول الأخرى كالصين وروسيا والهند والبرازيل بمثابة تروس نقل لهذه العملية.

أما بالنسبة للعولمة الجديدة، فستكون مختلفة تماماً عن هذا النمط، ومن المرجح أن تسير في الاتجاه المعاكس، أي من المحيط العالمي إلى القلب العالمي، وبالفعل يحاول الغرب حماية نفسه من الجنوب العالمي من خلال تقييد الهجرة وتطبيق السياسات الحمائية وإستعادة الصناعات السابق اقامتها في الخارج.

التنمية المستدامة

العولمة السابقة اعتمدت على تسريع النمو الاقتصادي وزيادة الاستهلاك الخاص والعام، وهو ما ساهم في التغلب على الفقر العالمي وتوسيع الطبقة الوسطى وازدهار التجارة الدولية وزيادة الاستثمارات الأجنبية.

ولكن معايير العولمة الجديدة ستعتمد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي ستصبح أكثر أهمية من إعادة النمو الاقتصادي.

وسيؤدي هذا التحول إلى جذب المزيد من الاهتمام في المستقبل بقضايا العدالة الاجتماعية، ونوعية الحياة، وجداول الأعمال البيئية والمناخية، وبناء المجتمع والأمن الشخصي والعام.

الدوافع الاجتماعية

ستعتمد العولمة الجديدة في المقام الأول على دوافع اجتماعية وليست مالية. ومع انخفاض التجارة الدولية والاستثمارات الأجنبية، فما زال تدفق المعلومات عبر الحدود ينمو بسرعة عالية جدا. كما أن جائحة كورونا أصبحت عاملاً قوياً لاثارة الفرقة بين البشر لكن هذا أثرها العاجل لكن تأثيرها على المدى البعيد قد يكون العكس بالنظر الى ان الجائحة أصبحت سببا لتسريع التقنيات الجديدة للمعلومات والاتصال.

ولن يكون من المبالغة القول إن إحدى أبرز سمات عالم ما بعد الجائحة، هو ظهور أول مجتمع مدني عالمي حقيقي، ومن المرجح أن تلعب المنظمات غير الحكومية العابرة للحدود، والمجتمعات المهنية، والحركات العامة، وائتلافات المناصرة، دوراً أكثر نشاطاً في العولمة الجديدة، من النخب المالية القديمة للدول القومية.

وعكست الدورة السابقة للعولمة المطالب العامة بالحريات الفردية، التي سادت في المجتمع العالمي منذ الثمانينيات. أما العولمة الحديثة فمن المرجح أن تكون قائمة على أولوية العدالة الاجتماعية، ولا يزال يتعين على المجتمع الحديث أن ينتج معايير عالمية وشرعية للعدالة، ليتم تطبيقها محلياً وفي إدارة العلاقات بين الدول.

التعددية بدلاً من العالمية

تزامنت الدورة السابقة للعولمة، مع الانتصار العالمي لليبرالية السياسية والاقتصادية، واعتبر العديد من السياسيين والعلماء، مفاهيم العولمة الليبرالية، والليبرالية العالمية، على أنها مصطلحات مترادفة تقريباً، أو على الأقل، مصطلحات مرتبطة ببعضها البعض ارتباطاً وثيقاً.

أما الديناميكية الجديدة للتنمية العالمية، فتشير إلى أن العولمة الجديدة يجب أن تجد طريقة للجمع بين الدرجة المطلوبة من العالمية، وتعددية المسارات الوطنية، من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

أمريكا والصين القطبية الثنائية

تعثرت الموجة الأولى من العولمة بسبب المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، ويُعتقد أن الأزمة الاقتصادية والوبائية، ستسرع من انجراف الاقتصاد والسياسة العالميين، نحو ثنائية قطبية بين الولايات المتحدة والصين.

ويشير هذا المنطق إلى أن القضية الرئيسية في عصرنا هي مدى صلابة أو مرونة هذه القطبية الثنائية، والتي ستقسم العالم حرفياً إلى نظامين متعارضين، كما كان الحال خلال الجزء الأكبر من النصف الثاني من القرن الـ20.

ستسمح الثنائية القطبية المرنة لمعظم الفاعلين الدوليين بالحفاظ على بعض حرية المناورة ودرجة من الاستقلالية في سياساتهم الخارجية، وقد يشهد العالم الذي يعيش في خضم العولمة الجديدة، تكاملاً أعمق للاقتصادات الشمالية، بالتوازي مع تقليص الروابط الاقتصادية والسياسية، وحتى الإنسانية، مع معظم الدول النامية، وتشديد الرقابة على الحدود في الشمال، وقيود جديدة على الهجرات العابرة للحدود .

ومن المحتمل أن تحول النسخة الجديدة من العولمة الثنائية القطبية من محور الشرق والغرب، الذي ميز القرن العشرين، إلى محور الشمال والجنوب.