الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

كيف مهد الوباء الطريق أمام الديمقراطيات الغربية لتقويض الصحافة؟

يعتبر السياسيون في الدول الغربية أن عدوهم الأول هو الإعلام الذي ينتقدهم ويكشف إخفاقاتهم، ولذلك ليس من المفاجئ أن يشعر الكثير من قادة هذه الدول بسعادة أكبر عندما تضعف الصحافة.

شبكة سي إن إن الأمريكية، قالت في تقرير اليوم الأحد إن جائحة كوفيد-19، كانت النافذة الذهبية لتقويض الثقة في وسائل الإعلام، وأتاحت للعديد من قادة العالم شن هجمات مباشرة على المؤسسات الصحفية التي تمتلك شهرة واسعه وأهمية في بلدانهم.

ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، أقر البرلمان البولندي مشروع قانون يمنع الشركات الأجنبية الواقعة خارج المنطقة الاقتصادية الأوروبية، من امتلاك وسائل الإعلام بشكل مباشر في البلاد، ويسدل هذا المشروع الستار على قناة TVN24 الإخبارية المستقلة والتي تعتبر الأكبر في البلاد.

والقناة مملوكة جزئياً لمجموعة ديسكفري الإعلامية الأمريكية، وفي حال تم تطبيق هذا القانون، فسيتم حظر الكيانات غير التابعة للاتحاد الأوروبي، ما يعني أنه سيتعين على شركة ديكسفري بيع حصتها الأكبر.

وهذا الأسبوع طرحت الحكومة النمساوية خطة تهدف لسحب التمويل من صحيفة Wiener Zeitung المملوكة للدولة والتي تعد أقدم صحيفة في البلاد، والتي يتم تمويلها من الحكومة من خلال الإعلان عن الوظائف ونشر الإعلانات الرسمية الأخرى في صفحاتها.

وأشارت الشبكة إلى أن الصحيفة تمتلك سياسة تحريرية مستقلة ولطالما انتقدت الحكومة وإداراته، وبموجب خطة المستشار النمساوي، ستخسر الصحيفة مصدر الدخل الرئيسي.

الديمقراطية تهدد الإعلام



وقالت الشبكة في تقريرها، إن المثير للصدمة في هذه الأحداث، أن كليهما في دول غربية ديمقراطية، وبينما يواجه الصحفيون في أماكن أخرى خطر الملاحقة القضائية أو تهديدات القتل، فإن حقيقة حدوث تقويض الصحافة المستقلة في أوروبا هي جزء من اتجاه أوسع تثير قلق وسائل الإعلام والمواطنين على حد سواء.

وباء كورونا وتقويض الصحافة

وقال بن بيج الرئيس التنفيذي لشركة إيبسوس موري لاستطلاعات الرأي، إنه في أوقات الأزمات تزداد الثقة في الحكومة، وذلك لأنه بطبيعة الأمر الناس يريدون فقط تأييد من يقوم بإصلاح الأمور ومن لديه السلطة لذلك.

وأضاف أن الارتفاعات المفاجئة في الدعم المقدم توفر فرصة تشتت الانتباه عما تفعله في مكان آخر، مشيراً إلى أنه يخشى أن تكون الصحافة هي إحدى المهن الأقل ثقة في جميع العالم.

أسباب عدم ثقة الجمهور بالصحافة



يقول بيير هاسكي رئيس منظمة مراسلون بلا حدود، إن إحدى أكبر المشاكل التي يواجها الصحفيون المحترفون، هي اتهامهم في جميع أنحاء العالم بأنهم جزء من النظام والمؤسسة، ولهذا السبب تنمو الحركات الشعبوية وتثور ضد المؤسسة وتثور ضد الصحافة أيضاً.

ماكرون



واستشهد بحادثة وقعت في 2018، عندما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "لم يعد لدينا صحافة تتابع الحقيقة بل قوة إعلامية تريد أن تصبح سلطة قضائية"، وجاء تصريح ماكرون بعد أن تم تصوير أحد أفراد فريقه الأمني بالكاميرا وهو يقوم بمهاجمة المتظاهرين.

وقال هاسكي إن الجملة التي قالها ماكرون نزع فيها الشرعية عن جميع وسائل الإعلام وجهودهم، ووصف ما قاله بأنه يشبه ما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في وقت سابق.

وأشار هاسكي إلى أن وباء كورونا أدى إلى تأييد الجمهور لتصرف العديد من الحكومات بشكل أكثر استبدادية، وبدت القيادة الشعبوية أكثر تأييداً.

وقال نيك تشيزمان وهو أستاذ الديمقراطية في جامعة برمنغهام، إنه بمجرد أن تقرر الحكومة أننا في أزمة وأننا بحاجة إلى الوحدة، تفتح الطريق أمام اتهام الصحفيين الذين يحاولون الوصول للحقيقة بالخيانة والتحريض على الانقسام.

دونالد ترامب



أشارت الشبكة إلى أن دونالد ترامب الشخص الوحيد الذي لا يمكن تجاهل ذكره عند الحديث عن تقويض الصحافة، فحتى قبل فوزه في انتخابات 2016، كان انتقاد ترامب للصحافة أحد الأمور التي جذبت الناخبين خلال حملته الانتخابية، وفي السنوات التي كان فيها رئيساً تجاهل كل قصة إخبارية سلبية، واعتبر خسارته للانتخابات 2020 أخبار كاذبة.

كما ضاعف ترامب هجماته على وسائل الإعلام خلال الوباء، ووجه اتهاماته بانتظام بأن الإعلام يبالغ في تهديد الفيروس، وقالت الشبكة إنه عندما يقوم أحد أهم الأشخاص بقول ذلك فلا بد أن يتأثر به الآخرون.

ويقول روب ماهوني نائب المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، إن دونالد ترامب مهد الطريق وأعطى الإشارة للقادة في جميع أنحاء العالم لمهاجمة وسائل الإعلام.

وأضاف أن ترامب شن هجوماً عنيفاً على وسائل الإعلام بسبب انتقادها لإدارته لأزمة الوباء، وجاء ذلك في اللحظة التي يحتاج فيها الجمهور للمعلومات الدقيقة قدر الإمكان، ليحذو حذوه قادة آخرون في الهند والبرازيل والفلبين وأوروبا الغربية، ونفوا شدة خطورة الفيروس للتغطية على إخفاقاتهم وانتقاد الصحافة لها.

ماذا بعد؟



وتساءلت الشبكة عن التأثير على المدى الطويل بعدما أصبحت ملاحقة الصحفيين أمراً روتينياً في العديد من البلدان الحرة والليبرالية، وباتت هذه المهنة تواجه بالفعل الكثير من التحديات، حيث الأخبار الدقيقة باتت مكلفة للغاية، في حين أن المشهد الإعلامي قد تغير بشكل كبير بطرق لم تكن سهلة بالنسبة للصحافة.

وألقت الشبكة في تقريرها بعض اللوم على التكنولوجيا الحديثة التي سهلت على أي شخص تشغيل موقع ويب إخباري يبدو شرعياً كموقع صحافة عمرها قرون، ما خلق عالماً لم يعد فيه إجماع على الحقائق، وبات عدد كبير من الناس على استعداد لتصديق أي خبر أو إشاعة غير صحيحة.

وأضافت أن هذا الافتقار إلى الإجماع يضع الصحفيين الذين يتحدثون الحقيقة في موثق صعب، إما أن يتخذوا جانب السلطات، أويتم تكذيبهم.

وأشار التقرير إلى أنه عندما نضع هذا بعين الاعتبار بالتزامن مع جائحة غير مسبوقة، فمن السهل أن نرى أن الأشهر الماضية كانت الأمثل للقادة لاختيار جانب.

وأضاف أنه عندما نخرج من أزمة الوباء ونعود للوضع الطبيعي، فسيتذكر الجميع القادة الذين قرروا الوقوف مع الأكاذيب.