السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

«أزمة الغواصات» إلى التهدئة: الاقتصاد يخفف «طعنة التكتل الأنجلوساكسوني» الجديد

«أزمة الغواصات» إلى التهدئة: الاقتصاد يخفف «طعنة التكتل الأنجلوساكسوني» الجديد

الرئيس الفرنسي. (أ ب)

تتجه «أزمة الغواصات» إلى التهدئة، نسبياً، بعد سلسلة من المحادثات جرت الأسبوع الماضي بين أطراف التوتر، كان أحدثها سعي بريطانيا، أمس الجمعة، لطي صفحة الخلاف مع فرنسا بشأن صفقة أبرمتها أستراليا مع الولايات المتحدة برعاية بريطانية، اعتبرتها باريس «طعنة في الظهر».

ففي اتصال هاتفي، اتفق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على «مواصلة العمل معاً بشكل وثيق.. من خلال الناتو». كما شددا على «الأهمية الاستراتيجية» للتعاون الثنائي بينهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وفي أفريقيا. وجاء ذلك بعد قرار «الإليزيه» إعادة السفير الفرنسي إلى واشنطن.

كان اتفاق أستراليا مع الولايات المتحدة قد ترتب عليه فسخ كانبيرا عقد صفقة ضخمة لشراء 12 غواصة فرنسية تعمل بالديزل والكهرباء، لصالح شراء 8 غواصات أمريكية تعمل بالدفع النووي، ما أثار غضب باريس، التي اتهمت حليفتيها لندن وواشنطن بـ«الغدر».

ويُنظر لصفقة الغواصات الجديدة، التي تمت عبر محادثات سرية سهلتها بريطانيا، باعتبارها حجر زاوية لتحالف استراتيجي «أنجلوساكسوني» جديد يضم أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة أطلق عليه اسم «أوكوس».

كان غضب باريس غير مسبوق، وعزاه مراقبون لأسباب دبلوماسية واقتصادية. وقال الأكاديمي الفرنسي بيير لويس ريمون لـ«الرؤية» إن «هناك أصولاً دبلوماسية بين الحلفاء لم تحترم». وأضاف أن «أمريكا لم تبلغ فرنسا بنيتها القفز على الصفقة، مع العلم بأن وزير الخارجية الفرنسي كان قد بدأ التفاوض مع أستراليا في موضوع الغواصات منذ عام 2016 وكان آنذاك وزيراً للدفاع في عهد الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند».

ووصف ريمون الصفقة بأنها «مكسب للخط الأنجلوساكسوني، الذي لا يزال يسعى إلى فرض هيمنته على القرار الدولي». لكنه أشار إلى أنه «مكسب نسبي لأنه لن يتمكن من إثبات نفسه بذات الطريقة التي كان يعتمدها قبل ظهور قوى مثل الصين والهند وباكستان.. قوى النادي النووي الجديد التي تسعى إلى قلب الموازين، والتي ترمي فرنسا إلى تنفيذ استراتيجيات تقارب اقتصادي وسياسي معها».

لكنه رأى أن «العلاقات ستعود إلى طبيعتها، لأن فرنسا لا تستطيع أن تتخلى عن حليفها التاريخي». مضيفاً في الوقت نفسه أنه «في المقابل، وكما اتفق (الرئيس الأمريكي جو) بايدن وماكرون في حديثهما الهاتفي، الأربعاء الماضي، فإن أي استراتيجية تجارية تخوض فيها واشنطن من الآن فصاعداً، لا يمكن أن تجرى في تكتم وسرية بين الحلفاء».

وأشار الأكاديمي الفرنسي إلى «الخسارة المالية التي تكبدتها فرنسا جراء إلغاء الصفقة من طرف واحد، والتي تقدر بـ60 مليار دولار»، موضحاً أنها تكبدت خسارة هائلة رغم «أن هناك صفقة تعويضية أبرمتها شركة Alsthom الفرنسية لقطارات الأنفاق ستبرم قريباً مع أستراليا، ورغم الحديث أيضاً عن احتمال استئجار أستراليا غواصات فرنسية تضاف إلى تلك التي اشترتها من أمريكا».

ويعتبر مراقبون أن فرنسا، التي راهنت كثيراً على صفقة الغواصات الملغاة، تكبدت خسارة اقتصادية أكثر منها استراتيجية، إذ كانت تعول على إنعاش اقتصادها وتعويضه عن تداعيات وباء كوفيد-19، فضلاً عن تشغيل قطاع أساسي كان يعاني ركوداً كسائر قطاعات الدولة.

وإذا ما أضيف إلى كل ذلك اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفرنسية المقررة في أبريل 2022، تتضح أهمية العامل الاقتصادي الذي راهن عليه ماكرون، ومدى تأثيره على رد فعل باريس غير المسبوق من الأزمة، قبل أن تفرض الدبلوماسية الاقتصادية نفسها لتتجه الأمور تدريجياً نحو التهدئة، مع الأخذ في الاعتبار أن عودة الثقة «تتطلب وقتاً وأفعالاً»، على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

فعقب سلسة المساعي الدبلوماسية، سرعان ما تم الإعلان، أمس، عن اتفاق بين وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ووزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، على «أهمية المضي قدماً نحو تطبيق» الحد الأدنى من الضرائب العالمية على الشركات متعددة الجنسيات، وهو مشروع إصلاح أُعلن عنه في يونيو وتم التفاوض عليه في إطار منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وصادقت عليه دول مجموعة العشرين في يوليو.

وقالت وزارة الاقتصاد والمال الفرنسية في بيان عقب اجتماع المسؤولين الهاتفي، إن جانيت يلين وبرونو لومير «اتفقا على ضرورة التوصل بسرعة إلى اتفاق بشأن المعايير الرئيسية لأسس هذا الإصلاح».