الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

تشكيل القوة الأوروبية.. دوافع كثيرة وموانع أكثر

تعالت الدعوات لتشكيل قوة تدخل سريع أوروبية بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان دون تنسيق مع الأوروبيين، وبعد نشوب الخلاف الفرنسي مع بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا بسبب صفقة الغواصات الفرنسية، جاءت دعوة رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، أثناء القمة الأوروبية الأخيرة في السادس من الشهر الجاري بسلوفينيا، لتضيف دعماً جديداً للدعوات السابقة التي أطلقتها فرنسا وألمانيا.

وتقف وزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب-كارنباور، بقوة خلف الفكرة التي قالت إن نظراءها الأوروبيين رحبوا بها خلال اجتماعهم الخميس الماضي في بروكسل، واكتسبت هذه الفكرة زخماً خاصاً بعد الاتفاق بين وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي الأخير، على تضمين وثيقة تشكيل قوة التدخل السريع ضمن ما يسمى «بالبوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي»، وهي الاستراتيجية التي ستتحدد من خلالها الاحتياجات الأمنية لدول الاتحاد التي وضعت إطاراً زمنياً للاتفاق حولها قبل نهاية الربيع المقبل.

تدخل سريع

القوة المقترحة ليست بديلاً لحلف شمال الأطلسي «الناتو» كما يقول الداعمون لها، لكنها تشكل النسخة الأوروبية للاستجابة الأمنية السريعة، و«قوة تدخل سريع» خلال الأزمات، ويعود السبب في إعادة طرح الفكرة من جديد إلى وقوف الاتحاد الأوروبي عاجزاً أثناء عملية إجلاء الرعايا من أفغانستان، بينما استطاعت الولايات المتحدة نقل ما يقرب من 4000 جندي إلى مطار كابل في أيام قليلة، وقامت بإجلائهم مع رعاياها بعد ذلك بسرعة مذهلة، حسب بيان البنتاجون.

ووفق التصور الألماني، ورؤية مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بويل، فإن تشكيل قوة التدخل السريع لن يزيد على 5000 جندي، ويكون لها غطاء جوي ودعم بحري، وتستطيع الانتشار على بعد 6000 كم من بروكسل، وتسمح المادة 44 من المعاهدات الأوروبية باستصدار قرارات مشتركة من الدول الأعضاء لتنفيذ مهام أوروبية عن طريق تحالفات تكونها دول راغبة في تشكيل هذه التحالفات، وبإمكان مجلس الاتحاد الأوروبي تكليف مجموعة من الدول الأعضاء بتنفيذ مهمة ما في حال كانت هذه الدول «راغبة» في هذه المهمة، ولديها القدرات اللازمة لتنفيذها.

ولا تشترط المادة 44 مشاركة كل دول الاتحاد الـ27 في تشكيلها، لكن موافقة الجميع ضرورية؛ لأن القرارات في الاتحاد الأوروبي تؤخذ بالإجماع، فهل سينجح الاتحاد الأوروبي في تنفيذ هذا المقترح؟ وما هي التحديات التي تحول دون ذلك؟

خلافات الأعضاء

رغم موافقة 14 دولة منها الدول الكبرى أوروبياً مثل؛ ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، وإسبانيا على المشاركة في تشكيل قوة التدخل السريع، وفق ما أفادت صحيفة ميدل إيست «إلا أن هناك من يرى أن تشكيل قوة أوروبية منافسة لحلف الناتو ليس في صالح الدول الأوروبية أو الحلف، وتدلل هذه الدول على موقفها بأن 21 دولة من دول الاتحاد الأوروبي من إجمالي الدول الـ27 هي أعضاء بالفعل في حلف الناتو، كما يرفض الأمين العام لحلف الناتو بشدة فكرة تشكيل هياكل موازية أو مستقلة عن الناتو، وقال: لا أؤمن بالجهود الرامية إلى إنشاء أمر ما خارج إطار حلف الأطلسي، أو منافسته أو استنساخه؛ لأن إيجاد منافسة للحلف يهدد بإضعافه وتقسيمه.

وتظل قضية التمويل غير واضحة حتى الآن، فالمؤكد أن الإنفاق الدفاعي كان عنواناً عريضاً للخلافات الأمريكية الأوروبية خلال السنوات الماضية، حيث لم تلتزم دول أوروبية كثيرة، منها دول تدعو لتأسيس قوة التدخل السريع، بإنفاق نسبة 2% من ناتجها القومي على الدفاع، وفق الاتفاق على هذا الأمر الذي تم منذ قمة حلف الناتو في ويلز 2014، فحلف الناتو الذي يحمي الحدود الأوروبية تقوم الولايات المتحدة بتمويل 70% من أنشطته.

صوفيا وأريني

أكثر المخاوف التي تقلق الأوروبيين هو فشل آخر عمليتين قام بهما الاتحاد في السنوات الأخيرة، وهما «صوفيا وأريني»، فآلية «صوفيا» البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي عام 2015 بغرض مكافحة تهريب المهاجرين غير الشرعيين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا فشلت فشلاً ذريعاً في أداء مهمتها؛ لأسباب كثيرة منها فشل القوة الأوروبية في العمل في المياه الإقليمية كما جرى التخطيط لها، وكانت تعمل فقط في المياه الدولية، بحسب تقرير لجنة الاتحاد الأوروبي التابعة لمجلس اللوردات البريطاني، كما فشلت عملية «أريني» والتي شكلها الاتحاد الأوروبي في 7 مايو 2020 بغرض منع تهريب السلاح والذخيرة والمرتزقة إلى ليبيا، وما يؤكد فشل «آلية أريني» هو تأكيد الأمم المتحدة أن هناك نحو 20 ألف مرتزق وصلوا إلى ليبيا.

نواة حقيقية

ورغم كل تلك التحديات فإن قراءة تفاصيل المحاولات الحالية لتشكيل قوة تدخل سريع تقول إن الأهداف أبعد بكثير من امتلاك قوة للتدخل السريع وحماية حكومة صديقة منتخبة وشرعية من سيطرة مجموعات إرهابية على الحكم كما يصرح الأوروبيون، فمنذ سنوات وهناك مطالب بأن يكون هناك جيش أوروبي موحد، وهي الفكرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنها وجدت معارضة شديدة من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ولهذا يحاول الأوروبيون من خلال تشكيل قوة التدخل السريع أن يكون لهم كلمة وقرار مستقل، وإثبات أن التكتل الأوروبي له حضور عسكري وثقل سياسي ودبلوماسي يتلاءم مع قوته الاقتصادية، وفق ما نقلت يورو نيوز.

المعروف أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على قدرات الدول التابعة له، ونتيجة لغياب الإرادة السياسية، كما تقول وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب-كارنباور، لم يتحول القرار الصادر عام 2007 بتشكيل المجموعات القتالية، وقوامها 1500 جندي، إلى واقع على الأرض، رغم مرور 14 عاماً على هذا القرار.

لا يمكن النظر للخطوات الجارية نحو تشكيل قوة التدخل الأوروبية بعيداً عن اعتماد صندوق الدفاع الأوروبي رسمياً في أبريل الماضي، ولأول مرة في تاريخه، ميزانية لتطوير التقنيات والقدرات العسكرية، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الصندوق 13 مليار يورو، مع توفير 8 مليارات يورو في الفترة من 2021 حتى 2027، وفق صحيفة لوفيجارو، وهو ما يؤشر على وجود إرادة سياسية أقوى بكثير من ذي قبل؛ لتأسيس كيان عسكري أوروبي قد يقود في يوم من الأيام إلى الاستقلال الأمني والعسكري عن الولايات المتحدة وحلف الناتو.