الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

فرنسا وبريطانيا.. مصالح مشتركة وتاريخ من الأزمات العابرة للحدود

فرنسا وبريطانيا.. مصالح مشتركة وتاريخ من الأزمات العابرة للحدود

البلدان يعيشان منذ أشهر على إيقاع أزمات حادة. (رويترز)

«أزمة الصيد البحري»، و«أزمة الغواصات»، و«أزمة المهاجرين غير الشرعيين».. وغيرها.

كلها عناوين لأزمات في العلاقات الفرنسية- البريطانية خلال الأشهر الماضية، وآخرها احتجاز فرنسا الخميس الماضي، سفينة صيد بريطانية، دخلت إلى مياهها الإقليمية دون ترخيص، وإصدارها تحذيراً شفهياً لسفينة ثانية، ما وصفته وزيرة البحار الفرنسية، أنيك جيراردين، بـ«المعركة»، في ظل خلاف حاد قائم بين البلدين بخصوص الوصول إلى مناطق الصيد الفرنسية والبريطانية، وذلك منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

إجراءات فرنسية

وهددت فرنسا الأربعاء، بفرض عقوبات على بريطانيا، قد تدخل حيز التنفيذ بداية من 2 نوفمبر المقبل، إذا استمر الخلاف بين البلدين حول مناطق الصيد البحري.

وتخص تلك العقوبات تكثيف عمليات التفتيش الحدودية، والتفتيش الصحي على البضائع القادمة من بريطانيا، كما أعلنت وزارتا الشؤون البحرية والأوروبية الفرنسيتان، أن فرنسا بإمكانها تكثيف عمليات التفتيش الحدودية، والتفتيش الصحي على البضائع القادمة من بريطانيا بشكل خاص، ومنع قوارب الصيد البريطانية من دخول موانئ فرنسية معينة، وتشديد أعمال التفتيش على الشاحنات المتجهة إلى المملكة المتحدة، والمغادرة منها.

كما تقوم الحكومة الفرنسية، خلال الفترة الحالية، بدراسة فرض حزمة ثانية من العقوبات، ومن ضمنها مراجعة صادراتها من الكهرباء إلى بريطانيا.

أزمة جزيرة جيرسي

وتعيش فرنسا وبريطانيا، منذ أشهر، على إيقاع أزمة حادة سببها الصيد البحري في مياه جزيرة جيرسي البريطانية، التي لا تفصلها سوى 14 ميلاً عن فرنسا.

ووصلت الأزمة بين البلدين إلى حد تحريك سفنهما الحربية في محيط الجزيرة، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى التدخل للتهدئة.

وتوجه فرنسا اتهامات لبريطانيا بالتنصل من التزاماتها في مجال الصيد البحري، في مرحلة ما بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، إذ لم توافق بريطانيا على منح رخص الصيد في مياه جزيرة جيرسي لجميع السفن الفرنسية التي طلبتها، مبررة ذلك بأن تلك السفن «لم تستطع أن تثبت أنها قضت 5 سنوات من الصيد في مياه الجزيرة»، وهو الشرط الذي ينص عليه اتفاق «بريكست»، للسماح للسفن الفرنسية بالصيد في محيط الجزيرة، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وفي المقابل، ردت فرنسا بالقول إن «بريطانيا أضافت مجموعة من التفاصيل التقنية، التي تصعب على السفن الفرنسية إثبات أنها كانت تنشط في مياه الجزيرة لسنوات»، كما هددت فرنسا بقطع الكهرباء عن الجزيرة، التي تحصل على 95% من احتياجاتها من الكهرباء من فرنسا.

أزمة الغواصات

وفي منتصف سبتمبر المنصرم، اندلعت بين البلدين «أزمة الغواصات»، بسبب تراجع أستراليا عن شراء غواصات تقليدية من فرنسا، أبرمت سنة 2016، بقيمة 56 مليار يورو.

وتخلت أستراليا عن صفقتها مع فرنسا، بعدما دخلت في شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، أطلق عليها اسم «أُوكُوس»، تشمل تزويد أستراليا بغواصات أمريكية تعمل بالدفع النووي، ما أضاع على الفرنسيين صفقة القرن.

وتسبب ذلك في توتر كبير على مستوى العلاقات بين باريس من جهة، وواشنطن ولندن من جهة أخرى، إذ وصفت فرنسا ما حدث بأنه طعنة في الظهر، وقرار على طريقة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واتهمت بريطانيا بالانتهازية الدائمة.

أزمة المهاجرين غير الشرعيين

المهاجرون غير الشرعيين، أحد الأزمات المتفجرة بين الجانبين، والذين يعبرون بحر المانش من جهة فرنسا إلى بريطانيا، حيث أعلنت لندن أوائل سبتمبر الماضي، عزمها إعادة زوارق المهاجرين المتجهين إليها من فرنسا، كما جمدت بريطانيا جزءاً من مبلغ قدره 62.7 مليون يورو، كانت قد وعدت بتقديمه لتمويل الدوريات في شمال فرنسا، معتبرة أن باريس لم تبذل جهوداً إضافية لمنع عمليات العبور نحو بريطانيا.

كل ذلك رفضته فرنسا، ورد وزير داخليتها جيرالد دارمانان، بالقول إن «بلاده لن تقبل أي ممارسة تتعارض مع قانون البحار، كما لن تقبل أي ابتزاز مالي من قِبل الحكومة البريطانية».

تشديد قيود سفر الفرنسيين

وفي 16 يوليو المنصرم، قررت وزارة الصحة البريطانية إخضاع الأشخاص القادمين من فرنسا، حتى لو كانوا قد حصلوا على اللقاحات ضد «كوفيد-19» بشكل كامل، لحجر صحي مدته 10 أيام، وبررت بريطانيا قرارها في ذلك الوقت بـ«الوجود المستمر لإصابات المتحورة بيتا في فرنسا»، وهي المتحورة التي كانت تقلق الحكومة البريطانية، بسبب مقاومتها للقاح أسترازينيكا، الذي استخدمته بريطانيا على نطاق واسع في حملتها الخاصة بالتلقيح ضد فيروس كورونا المستجد.

وانتقد وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية، كليمان بون، قرار بريطانيا، معتبراً أنه «مبالغ فيه، وغير مبني على أي منطق علمي، لأن فرنسا تمكنت من التحكم في المتحورة بيتا».

أزمة لقاحات كورونا

وفي مارس المنصرم، اندلعت أزمة بين فرنسا وبريطانيا بسبب لقاحات فيروس كورونا، بسبب عدم التزام شركة أسترازينيكا البريطانية- السويدية بتقديم الكمية المتعاقد عليها من اللقاحات مع بلدان الاتحاد الأوروبي، وإعطائها الأولوية لبريطانيا، التي كانت حملتها الخاصة بالتلقيح ضد «كوفيد-19» تسير بشكل جيد في ذلك الوقت، مقابل طرح بطيء للقاحات في بلدان الاتحاد الأوروبي في تلك الفترة.

وطالبت فرنسا بمنع «أسترازينيكا» من تصدير لقاحاتها، التي يتم تصنيعها داخل الاتحاد الأوروبي، إلى أي منطقة في العالم، إلا بعد تسليمها الكميات المتعاقد عليها مع بلدان الاتحاد الأوروبي.

وتطورت الأمور بين الاتحاد الأوروبي وشركة «أسترازينيكا» إلى حد نقل الخلاف إلى ساحة المحاكم، قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق في سبتمبر المنصرم، تم بموجبه تسوية الخلاف، من خلال تعهد الشركة بتسليم ما تبقى من 300 مليون جرعة، التزمت بتزويد دول الاتحاد الأوروبي بها، قبل نهاية مارس 2022.

افتقار تام للثقة

وتعليقاً على سلسلة الأزمات المتتالية بين فرنسا وبريطانيا، قال أستاذ العلوم السياسية في معهد العلوم السياسية بباريس، والمختص في الشؤون الأوروبية، كريستيان لوكين: «العلاقة السياسية بين الدولتين سيئة جداً، منذ أن أصبح بوريس جونسون رئيساً للوزراء في بريطانيا، لأن باريس لا تثق نهائياً فيه، حيث يفضّل جونسون المواجهة، لأن ذلك يروق لناخبيه القوميين للغاية».

وأضاف لـ«الرؤية»: قائلاً: «أزمة الصيد مجرد مظهر ملموس لهذا الافتقار التام للثقة بين باريس ولندن».

مستقبل العلاقات

وأوضح لوكين أنه «ستكون هناك مناقشات دبلوماسية، لإيجاد حل وسط بشأن صيد الأسماك، وأيضاً فيما يتعلق باللاجئين الذين يريدون عبور المانش»، واستبعد لوكين احتمال اندلاع حرب عسكرية بين الدولتين.

كما استبعد المختص الفرنسي في القضايا العسكرية، والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، جون فانسون بيرسي، احتمال الحرب بين البلدين قائلاً: «الحرب العسكرية بين فرنسا وبريطانيا مستبعدة تماماً».

وأضاف لـ«الرؤية»: «فرنسا وبريطانيا أقرب كثيراً، مقارنة بعلاقة بريطانيا بدول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ولديهما مجموعة من الأشياء المشتركة، وتحديداً الحدود البحرية، التي تعتبر مهمة جداً».

وتابع بيرسي قائلاً: «بالنسبة لأزمة الغواصات، فإن بريطانيا ليست جهة صاحبة مصلحة مباشرة في العملية، وليست على رأسها، ونحن تحدثنا كثيراً في فرنسا، لنشرح أنه خطأ الآخرين (أمريكا وأستراليا)، لأن التواصل السياسي كان له دور كبير فيما يخص هذه الأزمة».

وبالنسبة لأزمة المهاجرين غير الشرعيين، قال بيرسي: «لا فرنسا ولا بريطانيا تتحكمان في ذلك، وبالتالي سنشهد نقاشات ساخنة، فمشاكل المهاجرين ابتداءً من الآن تهم جميع الدول، وليس هناك الكثير للقيام به».

وبخصوص خسائر فرنسا وبريطانيا من هذه الأزمات، قال بيرسي: «نحن نشرح في فرنسا أن بريطانيا ستخسر كل شيء، وأغلب البريطانيين يظنون أن أوروبا ستخسر كل شيء، وقلنا قبل بضعة أشهر إن بورصة لندن ستنهار، وهو أمر خاطئ كلياً، وشرحنا أنه سيكون هناك نقص في المواد الأساسية في بريطانيا، وهو مبالغة».