الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

«حشد عسكري ومساحات مشتركة»..... هل تغزو روسيا أوكرانيا؟

تعيش دول شرق وجنوب شرق أوربا، خاصة تلك الواقعة في البحر الأسود حالة من عدم اليقين السياسي والعسكري، بعد أن حذر حلف الناتو ووزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» من مغبة أي عدوان أو غزو روسي للأراضي الأوكرانية بعد أن نشرت صحف بريطانية وأمريكية عديدة من بينها ديلي تليغراف فاينانشيال تايمز، و بلومبيرغ، صوراً لأقمار صناعية ومعلومات استخباراتية تقول إن روسيا تستعد لغزو أوكرانيا، وسوف يتصدر الحشد العسكري الروسي أجندة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي يتوجه الاثنين المقبل إلى أوروبا لزيارة السويد ولاتفيا وحضور اجتماعات أمنية لحلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بحسب بيان الخارجية الأمريكية.

سيناريو الحرب الخاطفة

ويتزامن ذلك مع ما شهدته الأيام والساعات الأخيرة من اتصالات وزيارات مكثفة بين الدول الغربية وأوكرانيا حيث تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي مع قادة ألمانيا وفرنسا بعد تقديرات أوكرانية تقول بحشد روسي ضخم للدبابات ونحو 120 ألف جندي قرب الحدود الروسية مع منطقة دونباس وحدود شبه جزيرة القرم مع أوكرانيا، وبدأ الحشد الروسي على الحدود مع أوكرانيا وإرسال الدعم إلى منطقة دونباس منذ أبريل الماضي بنشر كتيبة تكتيكية على الحدود الشرقية لأوكرانيا ضمت 25 ألفاً بينهم 3000 ضابط وخبير عسكري يعملون بجانب المجموعات العسكرية في دونباس، وفق ما قاله قائد الجيش الأوكراني، الجنرال رسلان خومتشاك، وهو ما دفع الكثيرين للتخوف من تكرار سيناريو الحرب الخاطفة وغزو أوكرانيا، على غرار السيطرة الروسية السريعة على شبه جزيرة القرم عام 2014.

صراع مسلح

ولا تعترف أوكرانيا بضم روسيا للقرم، وتتهمها بالوقوف وراء التمرد في دونباس حيث تدور منذ مارس 2014 حرب بشكل متقطع مع جمهوريتي لوجانسك ودونيستك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد ضد الجيش الأوكراني، وهي المناطق التي شهدت مظاهرات كبيرة احتجاجاً على تغيير النظام السياسي الأوكراني السابق الذي كان موالياً لموسكو عام 2014، ثم سرعان ما تحولت هذه المظاهرات إلى صراع مسلح بين الدولة الأوكرانية وتلك المنطقة، على الجانب الآخر تنظر روسيا للصراع في دونباس على أنه «مخلب قط» من الدول الغربية وحلف الناتو لاستدراج روسيا نحو استنزاف عسكري طويل، كما تقول الكثير من وسائل الإعلام الروسية ومنها صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس".

حافة الهاوية

وشهدت المنطقة بالفعل الوصول إلى «حافة الهاوية» في شهر أبريل الماضي عندما حشدت روسيا من جانب وأوكرانيا من جانب قوات ضخمة بالتزامن مع مناورات «نسيم البحر 2021» التي استضافتها البحرية الأوكرانية والأمريكية في يونيو العام الجاري بمشاركة 32 دولة، والتي وصفت بأنها أضخم مناورات في البحر الأسود منذ عام 1997؛ لأنه شارك فيها نحو 5 آلاف جندي ونحو 18 فريقاً من فرق القوات الخاصة، ونحو 30 سفينة و40 طائرة، شهدت هذه المناورات توتراً كبيراً بين حلف الناتو وروسيا التي أطلقت طلقات تحذيرية وأسقطت قنابل في مسار السفينة البريطانية «ديفندر» لإخراجها من مياه شبه جزيرة القرم، فأين يسير الحشد العسكري على الحدود الروسية الأوكرانية؟ وهل هناك سيناريو روسي لغزو أوكرانيا؟

حشد عسكري

يشهد حوض البحر الأسود، الذي تبلغ مساحته نحو 436.5 كم، ويضم 6 دول، منها 3 دول في حلف الناتو، هي تركيا وبلغاريا ورومانيا، ودولتان قريبتان جداً من دخول الحلف هما أوكرانيا وجورجيا، بالإضافة إلى روسيا، حشداً عسكرياً غير مسبوق، حيث وصلت سفينتان حربيتان أمريكيتان منهما سفينة القيادة الأمريكية «ماونت ويتني»، التي قال الرئيس بوتين إن بلاده تراقبها عن كثب، وهو الأمر الذي دفع أسطول البحر الأسود الروسي ليعلن أن عدد أفراده وصلوا إلى 25 ألف عسكري، و21 سفينة حربية كبيرة، و7 غواصات، و 200 سفينة دعم، كما تم إرسال أكثر من 28 ألف جندي آخرين من القوات البحرية في البحر الأسود، وفق مركز إدارة الدفاع الوطني الروسي، الذي كشف عن محاولات بحرية وجوية للناتو لاختراق المجالين البحري والجوي لروسيا، وأن السفن والطائرات الروسية صاحبت قوات الناتو للخروج من النطاق البحري والجوي لروسيا أبرزها مرافقة الطائرات الروسية ومنها «سو 30» للقاذفات الأمريكية.

أسلحة جديدة

كما أعلنت روسيا أن نحو 30 طائرة تجسس تعمل قرب الحدود الروسية، كما أعلنت بريطانيا دعم وجودها العسكري في ألمانيا للتحرك بسرعة حال تفاقم الأوضاع على الحدود الروسية الأوكرانية، وحصل الجيش الأوكراني على أسلحة جديدة من حلف الناتو في الفترة الأخيرة أبرزها طائرات مسيرة من تركيا، ومعدات عسكرية جديدة من فرنسا، كما تتحدث روسيا وحتى أوكرانيا عن وجود «قوات أمريكية» على الأراضي الأوكرانية، وهو ما أقر به أيضاً السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي، مايك تيورنير، الأمر الذي رفضه الكرملين على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف، الذي وصف الحديث الأوكراني بوجود جيش أمريكي في أوكرانيا بأنه يتطلب إجراءات إضافية من جانب بلاده.

ميزان القوى

ويعترف كبار الجنرالات الذين قادوا قوات حلف الناتو في أوروبا في الآونة الأخيرة أمثال الجنرال الأمريكي كورتيس سكاباروتي، القائد السابق لقوات الناتو الأوروبية، بتفوق الجيش الروسي في المرحلة الحالية على كل قوات الناتو خاصة في شرق أوروبا، نظراً لأخطاء تاريخية تعود لإهمال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في تدريب وتطوير قوات الناتو شرق أوروبا لصالح حربه على الإرهاب، بينما أهمل الرئيس باراك أوباما قوات الجناح الشرقي من حلف الناتو عندما ركز كل اهتمامه على المحيط الهادئ وشرق آسيا، لكن أخطر ما قاله الجنرال سكاباروتي إن الحلف لن يكون قادراً على ردع روسيا وخاصة القوات الجوية فوق البحر الأسود إلا بحلول عام 2025، بشرط أن يواصل الناتو خطط التطوير، وفق ما جاء في إفادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي، لذلك يسعى الناتو للتدريب على النقل السريع للقوات من الولايات المتحدة وغرب أوروبا إلى البحر الأسود وجنوب شرق أوروبا، كما حدث في المناورات الأخيرة التي جرت الأسبوع الماضي، والتي جرت بشكل مفاجئ ولم تكن مقررة، وهو ما يخالف قواعد السلامة كما قال الرئيس بوتن.

تعلم الدروس

المعروف أن الولايات المتحدة والقوى العظمى تتعلم من أخطائها، وعندما كان الرئيس بايدن نائباً للرئيس أوباما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم دون أي تحرك من الولايات المتحدة والناتو باستثناء فرض العقوبات على روسيا، ولهذا لا يتحمل الرئيس بايدن أي نكسة سياسية جديدة في أوكرانيا على غرار ما حدث في 2014 أو الانسحاب من أفغانستان، وربما هذا يفسر حرص الولايات المتحدة الأمريكية والناتو على إظهار كل أنواع الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا خاصة ما جاء في «البوصلة الاستراتيجية» التي أعلنها مسؤول السياسة الخارجية والشؤون الأمنية والدفاعية في الاتحاد الأوروبي، الإسباني جوزيب بوريل، وناقشها وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم في 10 نوفمبر الجاري في بروكسل، والتي ترسم رؤية واضحة للتعامل مع مثل هذه التحديات خلال السنوات الخمس المقبلة.

القمح والكافيار

الحديث المتزايد عن التضخم والمشاكل في سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الغذاء عالمياً يجعل العمل على السلام والاستقرار في البحر الأسود وبين روسيا وجيرانها خاصة أوكرانيا في غاية الأهمية، ليس فقط من أجل دول البحر الأسود، بل للعالم أجمع الذي يحتاج إلى الإمدادات القياسية وذات الأسعار التنافسية للقمح والحبوب التي تنتجها دول البحر الأسود، خاصة روسيا التي تصدر للخارج نحو 25 مليون طن، وأوكرانيا التي صدرت عام 2013 نحو 65 مليون طن قمح، بحسب رويترز، كما تملك الولايات المتحدة ودول المنطقة تاريخاً من التعاون عندما أوقفت واشنطن والدول الغربية شراء «كافيار بيلوجا الفاخر» عام 2005 حتى تحافظ عليه من الانقراض.