الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

«إِلْدُورَادُو».. هكذا أحكمت الصين قبضتها على موارد أمريكا اللاتينية

«إِلْدُورَادُو».. هكذا أحكمت الصين قبضتها على موارد أمريكا اللاتينية

بعد ما عُرِف بـ«عقيدة مونرو» للرئيس الأمريكي الأسبق جيمس مونرو، في 2 ديسمبر 1823، ثم عقيدة «العصا الكبيرة» عام 1901 للرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت، التي جعلت من أمريكا اللاتينية «الفناء الخلفي» للولايات المتحدة الأمريكية لمدة قرنين من الزمن، أصبحت تلك المنطقة من العالم، خلال الـ15 عاماً الأخيرة، تحت سيطرة الصين الشعبية، التي ترى في أمريكا اللاتينية «إِلْدُورَادُو» أخرى (مدينة الذهب المفقودة)، ومصدراً للنمو، وفضاء لتأمين الأمن الغذائي للصينيين، ما دفعها إلى ضخ استثمارات ضخمة هناك، أوصلتها إلى السيطرة على الموارد البحرية في المنطقة، والاستفادة من موادها الخام، ومعادنها، في ظل انزعاج الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الوجود الصيني.

«إلدورادو» ومصدر للنمو

بداية سيطرة الصين على أمريكا اللاتينية كانت مع انضمام بكين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. وأوضح الاقتصادي إيمانويل هاش، الذي يدرس الاقتصادات الآسيوية، وفق ما جاء في تحقيق نشره الموقع الإلكتروني الإخباري للمجلة الأسبوعية الإخبارية الفرنسية «لِيكْسْبْرِيسْ»، أنه «بعد 5 إلى 10 سنوات من استعمار الصين لأفريقيا، رأى الصينيون في القارة اللاتينية إلدورادو أخرى، ومصدراً للنمو».

ويعد تكرار رحلات الرئيس الصيني، شي جينبينغ، مؤشراً أكيداً على ذلك، بحسب تحقيق «ليكسبريس»، إذ زار الزعيم الشيوعي، ما بين عامي 2014 و2020، أمريكا الجنوبية والوسطى أكثر من القارة السمراء.

وبين عامي 2015 و2019، وضع الرئيس الصيني أهدافاً طموحة للتبادل مع أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي، تتمثل في 500 مليار دولار في التجارة، و250 مليار دولار في الاستثمار المباشر.

وبحسب موقع «ستاتيستا» الألماني المتخصص في الإحصائيات، وصل حجم استثمارات الصين في أمريكا اللاتينية في عام 2020 إلى أكثر من 629 مليار دولار أمريكي.

استغلال الثروات البحرية

وتحيط نحو 300 سفينة بجزر غالاباغوس الـ19 قبالة سواحل الإكوادور، وتقوم على بعد 20 كيلومتراً من الشاطئ، بحسب «ليكسبريس»، بسحب قاع البحر على مدار الساعة، ما يتسبب في أضرار على مستوى التنوع البيولوجي لا يمكن إصلاحها. وتُجمَّد الأسماك، والحبار، على الفور على ظهر المركب، ثم تتم تعبئتها، للبيع في السوق الصينية، التي تضم 1.4 مليار مستهلك.

وتقبل الإكوادور بهذا الوقع لأن هذا البلد المنتج للنفط، والبالغ عدد سكانه 17.6 مليون نسمة، لم يعد قادراً على سداد القروض المتعاقد عليها مع اتحادات الشركات الصينية، التي بنت العديد من الطرق والسدود، بحسب عضو سابق في الإدارة الأمريكية اشترط عدم ذكر اسمه، وفق ما جاء في تحقيق «ليكسبريس».

الحفاظ على الأمن الغذائي

وتعد أمريكا اللاتينية بالغة الأهمية في ما يخص الأمن الغذائي للصين، الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، والتي لا تمتلك سوى عُشر الأراضي الصالحة للزراعة على الأرض، وتحتاج إلى إطعام واحد من كل 5 من سكان الكوكب (18 %)، بحسب ما قالته سفيرة فرنسا في بكين ما بين عامي 2011 و2014، سيلفي بيرمان، خلال مؤتمر عقد مؤخراً في مؤسسة «فرونس-أميريك» في باريس.

المواد الخام والمعادن

ويوجه الصينيون أنظارهم في أمريكا اللاتينية، وفق تحقيق «ليكسبريس»، إلى المواد الخام التي يفتقرون إليها: المنتجات الزراعية (فول الصويا)، والوقود الأحفوري (البترول)، والخامات (الحديد).

وتطمع بكين بالإضافة إلى الحديد البرازيلي، في ما يسمى بمعادن «انتقال الطاقة»، وهي الليثيوم، والنحاس، من بوليفيا، وتشيلي، والأرجنتين، وهما عنصران أساسيان في ما يتعلق بتصنيع البطاريات.

الاستثمار في البُنى التحتية

ومنذ عام 2005، استثمرت الصين في البنية التحتية لأمريكا اللاتينية من طرق، وموانئ، وطاقة كهرومائية. ونتيجة لذلك، تسيطر الصين، أو تمتلك حصصاً، في 40 ميناء على سواحل كل من المحيطين الأطلسي والهادئ، وعند مدخل قناة بنما. ويعد أحد تلك الموانئ هو جزء من مشروع ضخم في السلفادور، وسيغطي في النهاية عُشر مساحة هذه الدولة الصغيرة.

وتمتلك الصين في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، بنى تحتية أخرى، من بينها 15 منشأة رئيسية لتوليد الطاقة الكهرومائية. وفي شيلي، يسيطرون على 57% من توزيع الكهرباء.

وبعد زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في عام 2019، ينتظر رئيس السلفادور، ناييب بوكيلي، تَحقُّق البنية التحتية الموعودة المعروفة باسم «المنطقة الاقتصادية الخاصة»، بالإضافة إلى منصة لوجستية على ساحل المحيط الهادئ.

وتشمل الاتفاقية بين البلدين بناء منطقة صناعية، وميناء، ومطار، واستاد، ومكتبة، ومصنع لتنقية المياه على بحيرة إيلوبانغو، وكذلك تحسين البنية التحتية السياحية في مدينة السورف/ الركمجة «سيتي سورف».

قلق أمريكي

وقالت صحيفة «لا برينسا» اليومية في هندوراس المجاورة إن الإدارة الأمريكية تبذل قصارى جهدها لكبح المشروع برمته، من خلال زيادة الضغط الدبلوماسي وراء الكواليس.

وفي مارس الماضي، عبر الأدميرال كريج س. فالر، الذي ترك مهامه كرئيس للقيادة الجنوبية، عن قلقه أمام الكونغرس الأمريكي من هذا «التقدم الصيني المرئي في كل مكان، والذي ينذر بالخطر من وجهة نظر استراتيجية».