السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

«دافوس» بعد التأجيل الثاني.. العالم يحتاج إلى بديل لـ«منتدى شواب»

«دافوس» بعد التأجيل الثاني.. العالم يحتاج إلى بديل لـ«منتدى شواب»

(رويترز)

سؤالٌ مهمٌ طرح نفسه ما أن أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي تأجيل مؤتمره، من الشهر المقبل إلى منتصف 2022، بسبب المتحور «أوميكرون»: هل فقد العالم الشيء الكثير جراء التأجيل؟ أليس من الوارد أن نعتاد غيابه؟

التأجيل هو «الثاني» على التوالي، للقاءات السنوية، التي تضم عادة ممثلي كبريات الشركات العالمية وساسة ومفكرين وممثلين للمجتمع المدني، في المنتدى الأشهر الذي أسسه البروفيسور كلاوس شواب.

اتفق أهل اليسار على أن «منتدى دافوس» هو المنصة الأهم للترويج للعولمة.. واتفق أهل اليمين على أنه محفل يناقش القضايا العالمية الملحة ويطرح حلولاً بروح مؤسسه شواب، وهي تحقيق المنفعة لكل الأطراف، والدفع باتجاه رأسمالية أصحاب المصلحة.

فإذا كان صحيحاً أن المنتدى محلُ جدل طوال عمره، فمتى يمكن أن يتأجل مثلاً لـ«عدم اكتمال النصاب»؟ بمعنى آخر متى تُطوى صفحته أو يحل محله تشكيل مؤسسي «لا ربحي»؟

درس شواب الاقتصاد والهندسة والإدارة وتفوق فيها، لكنه للأسف لم يدرس علم الاجتماع، الذي يقرب صاحبه عادة من الناس، قبل أن يقربه من مجتمع المال والمصالح.

قاعدة الذهب

كما هو معلوم، أسس شواب المنتدى عام 1971، لبحث توفير إطار فعال للشركات والمؤسسات الأوربية لتواجه التحديات المستقبلية. تم التأسيس بالتوازي مع إلغاء «قاعدة الذهب»، وإطلاق العنان للدولار الورقي على يدى الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون.

كانت تلك هي البداية الحقيقية لانطلاق العولمة، بالمعنى الحديث، مرفرفة تحت أعلام الدولار، ومتعيشة على قوة الاقتصاد الأمريكي. وكان يلزم فقط في ما يبدو ظهير تنظيري وترويجي ثقيل العيار.. فهل دخول دافوس لشغل تلك المساحة كان صدفة أيضاً؟

الأربعاء الأسود

غير المنتدى اسمه من "منتدى الإدارة الأوروبى" في 1987، ليكون على ما هو عليه الآن، وهو العام الذي اندلع فيه ما يعرف بـ«الأربعاء الأسود» في «وول ستريت».. كان السبب وقتها حمى المضاربات التي اندفعت عقب حدوث خطأ تكنولوجي كما أننا كنا على مرمى حجر من سقوط المعسكر الاشتراكي في 1990. ربما لم تكن صدفة أن يتغير اسم المنتدى في ذات العام، فقد كانت العولمة بصدد الدخول في طور جديد من الهيمنة المخيفة لكل «وول ستريت» وأطرافها.

مؤامرة؟

لم يقل أحد إن انطلاق منتدى دافوس كان مؤامرة. لكن رأى كثيرون أنه انطلق بوجهين؛ أحدهما علني متمثل في المؤتمرات، والآخر خفي يتم فيه التخطيط لتبادل المنافع الاقتصادية بين القوى الرأسمالية الكبرى.

لا يزال هذا الاعتقاد سائداً، بل إن سوء الظن يمتد أحياناً ليشمل ما يسميه البعض «مصانع انتقاء وفرز وتجهيز القادة المقبلين للدول».. لكن لا أدلة قاطعة على تلك المعتقدات.

لم يخسر العالم الكثير بتأجيل دافوس أول مرة. وتشمل الانتقادات الموجهة له أن أجندته منتقاة ونزلاءه كذلك. كما أنه لا يناقش قضايا عدم التكافؤ في النظام الدولي، أو هيمنة الدولار، أو قنبلة الديون، أو تجارة السلاح، أو المضاربات المميتة في الأسواق.

وعندما لاح أن العالم يتغير بشدة تحت وطأة التكنولوجيا، وبروز شكل جديد للعولمة، هنا حور دافوس نفسه، وعمل على استقطاب الشباب، والقادة المحتملين من الناشئة، ليحشد في خطابه كل ما يمكن قوله عن الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.

فهل سينجح المنتدى في أن يتكيف مع العالم اليوم، كما نجح في التعايش من قبل مع التحولات العالمية العاصفة؟ فالملاحظ بقوة أن قادة شركات التكنولوجيا الكبرى لا يعنون بشأنه كثيراً الآن.

النظام الرأسمالي الراهن يحتاج إلى بديل لمنتدى البروفيسور شواب. قد يكون المؤسس الجديد من أهل التكنولوجيا الكبار (بيل جيتس مثلاً).

وعليه، فاللحظة التي يؤجل فيها دافوس اجتماعاته، لقلة المشاركين، ستثبت أن التكنولوجيا هي مستقبل المنافسة الاقتصادية والسياسية.. أما دافوس في النهاية فسيصبح «ابن اللغة القديمة».