الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

أحداث 6 يناير.. شبح «التمرد العسكري» يهدد أمريكا

أحداث 6 يناير.. شبح «التمرد العسكري» يهدد أمريكا

  • الخلافات الأيديولوجية وانتشار السلاح والمليشيات تعزز الصراع الداخلي
  • 28 % من الأمريكيين أبدوا رغبة لاستخدام القوة دفاعاً عن نتيجة الانتخابات
  • الخوف من الآخر ساهم في زيادة إقبال الأمريكيين على شراء سلاح
  • 100 عسكري شاركوا في أحداث الكونغرس 6 يناير 2021
ظل الكثير من الأمريكيين ينظرون إلى يوم السادس من يناير 2021 باعتباره أسوأ يوم في تاريخ الديمقراطية الأمريكية عندما هاجم بعض أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكونغرس بهدف منع تثبيت نتيجة الانتخابات بفوز الرئيس جو بايدن في انتخابات نوفمبر 2020.

لكن يبدو أن هذا ليس هو «السيناريو الأسوأ» أو «الخطوة الأخيرة» التي يمكن أن يصل إليها الانقسام السياسي الأمريكي، فمع مرور نحو عام على تلك الأحداث تزداد الفجوة السياسية بين الأمريكيين، وتزيد معها فكرة توظيف العنف الداخلي من أجل أهداف حزبية، حيث يرى ثلثا الشعب الأمريكي أن أحداث الكونغرس التي تحل الذكرى الأولى لها اليوم الخميس علامة جديدة على زيادة العنف السياسي وفق استطلاع شبكة «سي بي إس نيوز».

وقال 28 % من الأمريكيين إنه يمكن استخدام القوة للدفاع عن نتيجة الانتخابات، ويعتقد 34% منهم أن العنف ضد السلطة يمكن تبريره أحياناً، وفق استطلاع لصحيفة «واشنطن بوست» وجامعة ماريلاند" جرى نشر نتائجه الأحد.

لأول مرة في التاريخ الأمريكي تعلن وزارة الخارجية الأمريكية أن هدفها ليس فقط مواجهة الإرهاب الخارجي، بل التعامل مع إرهاب التنظيمات العنصرية في الداخل، بعد أن تضمن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب في عام 2020 إصدار أول تصنيف إرهابي لـ«مجموعة متطرفة عنيفة بدوافع عنصرية أو عرقية»، بحسب بيان لوزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، في 16 ديسمبر الماضي، وهي المجموعات التي بات يطلق عليها «الإرهاب الأبيض» نظراً لتعصبهم وعنصريتهم لأصحاب البشرة البيضاء.

هذا ليس كل شيء فقد كتب 3 من كبار قادة القوات المسلحة الأمريكية مقالاً في الواشنطن بوست حذروا فيه من تمرد عسكري في الجيش الأمريكي على الرئيس المنتخب عام 2024 لو استمر هذا الشقاق السياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين، فما هي تفاصيل هذه المخاوف التي تتعلق بوحدة الدولة والجيش والشعب الأمريكي؟ وما هي الشواهد الكثيرة على هذا التشظي الحزبي والمجتمعي؟

من هو الرئيس؟

كانت النخبة والسياسيون الأمريكيون يفتخرون دائماً بأن للولايات المتحدة رئيساً واحداً، وذلك عندما كانت تتضارب أحياناً التصريحات بين الرئيس المنتخب في الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر في العام الانتخابي، مع تصريحات الرئيس المنتهية ولايته، والذي سوف يغادر في 20 يناير من العام الذي يلي الانتخابات، وكان الرئيس المنتخب حديثاً يتجنب في كثير من الأحيان الإدلاء بتصريحات كبيرة لحين دخوله البيت الأبيض، حتى لو كان الرئيس المنتخب والرئيس المنتهية ولايته ينتميان لحزبين مختلفين.

لكن يبدو أن هذا الأمر بات من الماضي في وجه نظر 3 من كبار القادة السابقين للجيش الأمريكي، بعد أن كتب كلٌّ من الجنرال المتقاعد بول دي إيتون، والجنرال أنطونيو إم تاجوبا، الذي خدم 34 عاماً، والعميد ستيفن إم أندرسون، الذي خدم 31 عاماً في الجيش الأمريكي، مقالاً مشتركاً في جريدة واشنطن بوست في 17 ديسمبر الماضي، يحذرون فيه من أن استمرار الحالة السياسية التي عليها الولايات المتحدة يمكن أن تؤدي إلى أن يدعي كلٌّ من مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري أنه هو الرئيس في انتخابات 2024، وأن هذا الأمر قد يدفع الضباط والقادة العسكريين لعدم طاعة الرئيس المنتخب، ووقتها سوف تعيش البلاد حالة من عدم اليقين حول «من هو الرئيس الذي يجب أن يطيع القادة والجنود أوامره؟، وقالوا «إن احتمال حدوث انهيار عسكري يعكس الانهيار الاجتماعي أو السياسي في البلاد، ممكن للغاية».

واستند قادة الجيش الأمريكي السابقون في هذا التصور الى 3 أسباب رئيسية هي، أولاً: أن هناك نحو 100 عسكري أمريكي شاركوا بالفعل في الأحداث التي وقعت في الكونغرس يوم 6 يناير 2021، وأن شخصاً من كل 10 مشاركين في الهجوم على مبنى «الكابيتول هل» كان لديهم سجل خدمة في القوات المسلحة الأمريكية، أي إنهم عسكريون سابقون.

ثانياً.. إن طبقات واسعة من المحاربين القدامى، خاصة الذين ينتمون لجماعة «فلاج أفيسرز فور أمريكا» دعموا بأشكال مختلفة الهجوم على الكونغرس، وقالوا إنهم لا يعترفون بشرعية الرئيس بايدن.

ثالثاً، وهو الأخطر، ما كشفه القادة الثلاثة في مقالهم عن رفض الجنرال توماس مانشينو، القائد العام للحرس الوطني في ولاية أوكلاهوما، تنفيذ أوامر الرئيس بايدن الخاصة بضرورة تلقي أفراد الحرس الوطني لقاح كورونا، وكان سبب الرفض من وجهة نظر الجنرال مانشينو أن قائده العام ليس هو الرئيس بايدن، القائد الأعلى للجيش الأمريكي وفق الدستور، لكن الجنرال مانشينو قال إنه سوف يطيع فقط أوامر الحاكم الجمهوري للولاية، الأمر الذي يدفع إلى احتمال حدوث «تمرد» واسع.

وكان لافتاً أن القادة الثلاثة رسموا سيناريو مخيفاً لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قالوا «لنتخيل معاً وقوع تنافس أو خلاف بين القادة العسكريين عندما يعطي بايدن في حال إعادة انتخابه الأوامر، وفي الوقت ذاته، وكنتيجة لعدم الاعتراف بالنتيجة كما حدث في انتخابات 2020، قد يصدر دونالد ترامب إذا ترشح للانتخابات الرئاسية القادمة أو أي شخصية جمهورية أخرى الأوامر وربطوا ذلك باحتمالية حدوث ذلك عندما تدعم ولايات جمهورية مرشحاً جمهورياً، بينما تدعم ولايات ديمقراطية مرشحاً آخر ديمقراطياً، وأن هذا الأمر بالفعل قد يقود إلى حرب أهلية، بحسب مقال القادة الثلاثة في الواشنطن بوست.

الخوف من الآخر

ساهم الخوف من الآخر في زيادة إقبال أمريكيين لم يكن لديهم سلاح من قبل على شراء السلاح، خاصة من جانب النساء والسود، ووفق دراسة حديثة نشرها مركز مسح الأسلحة الصغيرة في سويسرا، فإن هناك 120 سلاحاً لكل 100 أمريكي، وأن 5 ملايين شاب أمريكي جديد قاموا بشراء أسلحة في الفترة من يناير 2020 حتى أبريل 2021، وأنه في الفترة من يناير 2019 حتى أبريل 2021 قام 7.5 مليون أمريكي بشراء السلاح، وهؤلاء لم تكن لديهم أي رغبة لحمل السلاح في الماضي، وجاءت الزيادة في شراء الأسلحة بنسبة 55% للمواطنين البيض، و20.9% للسود و20% من الأصول اللاتينية والآسيوية، وفق دراسة مات ميلر من جامعة نورث ايسترن.

وزاد انتشار السلاح والخلافات المجتمعية من وقوع أعمال العنف في الولايات المتحدة بشكل مروع وغير مسبوق، بعد أن قال إحصاء لمكتب التحقيقات الفيدرالي إن جرائم القتل ارتفعت في عام 2020 بنسبة 30 %، وهي أكبر زيادة في آخر 60 عاماً، أما في الفترة من يناير 2021 وحتى 19 سبتمبر من العام ذاته فقد سجلت الولايات المتحدة 14723 جريمة قتل وإطلاق نار، بحسب البيانات التي جمعها أرشيف الأسلحة الوطنية الأمريكية GVA.

المليشيات الأمريكية

يتزامن كل ذلك مع انتشار الجماعات والتنظيمات والمليشيات الأمريكية التي تحمل السلاح والتي تنتمي لجميع التيارات السياسية من البيض والسود واليمين و اليسار، والتي تعمل بعيداً عن الأجهزة الرسمية وفق معتقداتها وأيديولوجيتها الخاصة. وفق ما نقلت شبكة يورو نيوز، التي كشفت عن مجموعة من التنظيمات الأمريكية المتطرفة ومنها حركة بوجالو التي تأسست عام 2012، ويسعى البعض من أعضائها لإشعال حرب أهلية مع السود، وحركة «حفظة القسم» التي تضم نحو 35 ألف عنصر، وتقول إن هدفها هو حماية الدستور الأمريكي بكل السبل السلمية والمسلحة، وتؤمن بتفوق العرق الأبيض، وتنظيم «ثلاثة في المئة» وهي حركة شبه عسكرية، تدافع عن ملكية السلاح ومقاومة تدخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية في الشؤون المحلية للولايات، والمليشيات السوداء «NFAC، وهي تتبنى قضايا السود مثل حركة «محاربو الحرية» التي تشكلت بعد مقتل جورج فلويد.

الواضح من كل ذلك أن ثلاثية الانقسام السياسي والاختلاف الأيديولوجية وانتشار السلاح والمليشيات المسلحة، تهدد مستقبل الولايات المتحدة، وهو ما يحتاج إلى توافق بين العقلاء من الجمهوريين والديمقراطيين لدرء الأخطار عن البلاد التي تواجه تحديات خارجية لا تقل عن المشاكل الداخلية.