السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

«أوراق الضغط أم تنامي النفوذ».. من يربح حرب تكسير العظام الأمريكية - الصينية؟

إدموند غريب: دفاع أمريكا عن أوكرانيا يدفع الصين لاستعادة تايوان

عمر مقداد: الولايات المتحدة تزيد الضغط على الصين باتجاه تايوان

عماد الأزرق: التحالفات الدولية تنذر بحرب باردة جديدة

في وقت تتجه أنظار الدوائر السياسية العالمية نحو الأزمة الأوكرانية، ما زال الاهتمام الأمريكي ينصب في الحفاظ على قطبيته الواحدة وإزاحة الصين من دائرة المنافسة، عبر إقامة تحالفات جديدة، وإحياء قضية استقلال تايوان، الأمر الذي تعده الصين «خطاً أحمر»، فيما ينذر ببوادر أزمة عالمية أقوى من الأمة الأوكرانية الحالية.

الصين وتايوان

وأكد خبراء في تصريحات لـ«الرؤية» أن التدخل الأمريكي في حرب مباشرة للدفاع عن أوكرانيا بمساعدة الناتو، يمكن أن يشجع الصين لاستعادة تايوان، وأشاروا إلي أن الإدارة الأمريكية تمتلك العديد من الأوراق لوقف تنامي نفوذ التنين الصيني حال توجهت مع حلفائها نحو تضييق الخناق الاقتصادي عليها.

وقال الأكاديمي والخبير في الشؤون الدولية والأمريكية، إدموند غريب، إن الولايات المتحدة الأمريكية خلال عهد الرئيس، ريتشارد نيكسون، كانت ترى أن الاتحاد السوفييتي يشكل الخطر الأكبر عليها وعلى حلفائها، لذا اعتقد «نيكسون» ووزير خارجيته آنذاك، هنري كيسنجر، أن العلاقات بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين يجب أن تكون أفضل من العلاقات بين روسيا والصين، الأمر الذي لم تتبعه الإدارات الأمريكية التالية، لافتاً إلي أن الأمور تغيرت، إذ اتجهت السياسات الأمريكية للضغط على روسيا عبر توسع حلف الناتو نحو الشرق، بالإضافة إلي التحرك باتجاه إقامة تحالفات « أوكوس - كواد» لمواجهة صعود الصين الذي فيما يبدو لم تتوقعه الولايات المتحدة الأمريكية إلا متأخراً.

تحالف الصين وروسيا

وأكد أن تزامن سياسة الضغط على الصين وروسيا، دفع البلدين إلي التحالف، الأمر الذي ظهر خلال البيان المشترك لرئيسي البلدين في انطلاق الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، الذي تحدث عن رؤية مشتركة للتحديات العالمية وسبل مواجهتها، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دورا في الصعود الاقتصادي للصين؛ نتيجة توجه الشركات الأمريكية للسوق الصيني بسبب رخص العمالة، لافتاً إلي أن ما حققته الصين خلال 30 عاماً، احتاجت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا إلى 100 عام لتحقيقه وربما أكثر، الأمر الذي صعد بها للمركز الثاني على مستوى العالم، مع توقعات بأن تحتل المركز الأول اقتصادياً، لا سيما أنها استطاعت خلال عدة عقود انتشال ما يقرب من 800 مليون مواطن من تحت خط الفقر، في وقت تسعى لتطوير قدراتها العسكرية.

وأشار غريب إلى أنه بينما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بأن تايوان جزء من الصين، عادت وأكدت أن أي وحدة بين البلدين أمر يجب التفاهم حوله، منوهاً بأن الموقف الأمريكي غامض، وما يزيد خطورته احتمالية التدخل المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية والناتو في حرب مع روسيا، حال فشلت التفاهمات الحالية في التوصل إلى حلول، متوقعاً تدخل الصين لاستعادة تايوان في تلك الحالة، لا سيما مع تنامي الخلافات الحدودية بين الصين ودول اليابان، فيتنام، والفلبين، في وقت تدعم فيه الإدارة الأمريكية حلفاءها في جنوب وشرق آسيا.

وأوضح أن الصين استفادت من التقنية الغربية وقد تصبح منافسة لها، لافتاً إلي أن الصين تنتج النسبة الأكبر من المعادن النادرة التي تدخل في كثير من الصناعات الحيوية خلال الوقت الراهن منها السيارات، الأقمار الصناعية، الطائرات العسكرية، القنابل الذكية، وغيرهم، بالإضافة إلى تنقية الغازات الملوثة للبيئة، مشيراً إلى خطورة التحالف الروسي الصيني بالنسبة للولايات المتحدة في الإعلان الأخير، الذي رغم أنه لم يوصف بتحالف، إلا أنه يكاد يصل إلي تحالف.

مواجهة اقتصادية

وبدوره أكد الكاتب الصحفي في مركز دراسات الهجرة الأمريكي، عمر مقداد، أن تطورات الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين تنذر بمواجهة اقتصادية بين الدولتين بالدرجة الأولى، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تملك العديد من الأوراق في هذا الإطار، لا سيما إذا عملت على منع حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط من التوجه نحو الصين، الأمر الذي يعمل على تحجيم دورها الاقتصادي في العالم.

وعلى المستوى العسكري أشار المقداد إلى أن تزويد أستراليا بغواصات نووية من قبل الولايات المتحدة له بُعد استراتيجي، يعمد إلى تقوية الدول الناطقة باللغة الإنجليزية خاصة المملكة المتحدة، وأستراليا لمواجهة الخطر الصيني، بالإضافة إلي زيادة الضغط على الصين باتجاه تايوان، ومنعها من اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تذهب نحو زيادة دعم حلف الناتو، مدللاً على ذلك بوضع حاملة طائرات أمريكية أرسلتها الولايات المتحدة مؤخراً إلى أوروبا تحت تصرف الحلف، منوهاً بأن دعم حلف الناتو ليس موجها نحو روسيا فحسب كما يتخيل البعض، وإنما إلى الصين أيضاً.

ضغوط عسكرية

وأشار المقداد إلى أن كل التحركات العسكرية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتحالفات الإقليمية، لا تدل على مواجهة عسكرية، إنما تسعى إلى ممارسة ضغوط عسكرية على الصين، وزيادة دعم حلفاء الولايات المتحدة داخل المناطق القريبة من الصين، أو التي تتشارك معها في حدود بحرية، معتقداً فرض مزيد من التطورات على الصراع الصيني- الأمريكي، عقب انتهاء الأزمة الأوكرانية، كونها تسيطر على المشهد خلال الوقت الراهن، مؤكداً أن التصعيد قد يكون أسرع، حال اتخذت الصين أي خطوات عسكرية أو اقتصادية توحي بمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

عرقلة النفوذ الصيني

ويرى رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، والمتخصص أيضاً في الشأن الصيني، عماد الأزرق، أن الولايات المتحدة الأمريكية أدركت خطورة الصين عقب إطلاقها مبادرة الحزام والطريق في 2013، وما شهدته من مشاركة واسعة لما يقرب من 170 دولة ومنظمة عالمية، لافتاً إلى أن الصين بصدد تغيير النظام الاقتصادي العالمي الذي يرتكز على صندوق النقد والبنك الدوليين، إلى نظام اقتصادي جديد يتمحور حول مبادرة الحزام والطريق، في خطوة أولى لإزاحة الولايات المتحدة من الصدارة العالمية اقتصادياً وسياسياً.

وأكد أن الولايات المتحدة الأمريكية سعت إلي عرقلة النفوذ الصيني المتنامي عبر إثارة المشاكل، خاصة في آسيا والمحيط الهادي والقارة الأفريقية؛ لإضعاف قوتها وابتزازها اقتصادياً تارة، وعسكرياً تارة أخرى، الأمر الذي ظهر بوضوح في تأجيج الأوضاع في هونغ كونغ، وتايوان، وإقليم شينجيانج ذي الأغلبية المسلمة، بالإضافة إلى تحريض الفلبين على إثارة حقوقها في بحر الصين الجنوبي، منوهاً بأن على المستوى الاقتصادي اتخذت الإدارة الأمريكية عدداً من الإجراءات الحمائية وفرض رسوم جمركية تجاوزت 200 مليار دولار على سلع صينية بشكل يتعارض مع قيم حرية التجارة والسوق الحر.

واعتبر الأزرق أن تحالف «كواد» بين دول الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، الهند، واليابان، وتحالف «أوكوس» الذي يضم الولايات المتحدة، بريطانيا، وأستراليا، محاولة من واشنطن لاستغلال المخاوف لدى الهند واليابان وأستراليا من تمدد النفوذ الصيني وتأثيره السلبي على تشكيل تحالفات ضدها، لافتاً إلى أنها تضمن من خلال تلك التحالفات تعزيز التعاون العسكري والدفاعي في المحيطين الهندي والهادئ، مؤكداً أن الأمر لا يقتصر على الدول السابقة فحسب، بدليل تشكيل تحالف «كواد بلس» الذي يضيف دول كوريا الجنوبية، نيوزيلندا، وفيتنام، إلى دول تحالف «كواد»، ما يعني إمكانية توسيع هذا التحالف ليضم دولاً أخرى سواء من آسيا أو من خارجها.

حافة الهاوية

وأوضح أن التحالفات الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية وما يقابلها من تحالف استراتيجي بين الصين وروسيا، ينذر بحرب باردة جديدة، مشيراً إلى أن كل من الجانبين ينتهج السياسة ذاتها «حافة الهاوية»، والتي تعمد على التصعيد المستمر للوصول إلى أكبر مكاسب ممكنة، وصولاً إلى نقطة يبدأ الطرفان خلالها التراجع، مستبعداً اندلاع حرب كبيرة بين الجانبين، خاصة أن الحرب تعني أن تبدأ دول آسيا مجدداً من الصفر، الأمر الذي لا يقبله أي طرف.