الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

بعد اندلاع الحرب.. توقعات الساعات القادمة: روسيا تخطط لفضائها السوفييتي .. وأوكرانيا متروكة لقدرها

اندلعت الحرب الروسية- الأوكرانية، بعد أسابيع من توجسِ تلك اللحظة الحالكة، التي ستتجاوز تداعياتها القارة العجوز، لتلقي بظلالها القاتمة على جميع أنحاء العالم، لا سيما أن الجيش الأوكراني، الذي لم تنضم بلاده رسمياً بعد، لا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا مع الاتحاد الأوروبي، سيتعين عليه في الغالب أن «يُترك لقدره» وحيداً دون مساندة عسكرية فعلية من الغرب الذي «تخلى بالفعل عن أوكرانيا»، بحسب مراقبين تحدثت معهم «الرؤية» لاستشراف الساعات القادمة.

فيما كانت القوات الأوكرانية تواجه الدبابات الروسية منفردة وهي تعبر الحدود، تحت قصف صاروخي ومدفعي، لم يخرج عن الغرب حتى الآن سوى تهديد ووعيد واجتماعات طارئة وتحضير لأقوى حزمة عقوبات «ستمنع وصول البنوك الروسية لأسواق المال الأوروبية».

الفضاء السوفييتي

قال دكتور طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية إنه «لم تتخذ حتى الآن إجراءات فعلية مصرفية. الأمر يستغرق وقتاً. الغرب وأمريكا سيتضرران بدورهما، لأن الشركات تتعامل برؤوس أموال متعددة في عواصم عدة. لذا ستبقى أي إجراءات مرهونة بآليات تنفيذ. الأمر لا يجري بين يوم وليلة.. بالتالي روسيا ستستثمر الوقت». وأضاف: «المسألة لا تتعلق فقط بوقف خط غاز نوردستريم 2 الذي هو إجراء شكلي لأنه لم يتم تشغيله بعد، إنما بمصالح اقتصادية متكاملة، قد تضر بالمؤسسات الفرنسية والألمانية».

وأعرب فهمي عن اعتقاده بأن «روسيا وضعت خطة متكاملة، وليس مجرد إجراء أو عمل عسكري.. هذا واضح من تحليل الموقف.. علينا أن ننظر إلى مجلس الأمن القومي الروسي ذي النزعة العسكرية والذي يضغط باتجاه عودة أوكرانيا إلى فضائها السوفييتي».

ترمومتر الاستقرار

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن أوكرانيا هي ترمومتر الاستقرار في المنطقة.. وروسيا لن تقبل بأشباه حلول. روسيا تضع الخيار العسكري في:

القوقاز أولاً

جمهوريات البلطيق ثانياً

الفضاء السوفيتي السابق ثالثاً

«هذه 3 مستويات لن تقبل موسكو بأي تنازلات بشأنها».



وأضاف فهمي: «الآن بعد تحرك الآلة العسكرية على الأرض، تجاوز الوضع مسألة الضمانات التي كانت تطالب بها روسيا.. أتوقع أن تتحرك موسكو الآن نحو تطويق كامل الحدود الروسية. بوتين يتعرض لضغوط هائلة من مراكز النفوذ والتأثير في الجيش الروسي لاستمرار العمليات وللقيام بعملية شاملة».

وأردف: «الأخطر أن تتسع العمليات لما يحقق الحد الأدنى من المتطلبات العسكرية لروسيا في أوكرانيا، ومناطق التماس المجاورة لها.. بوتين لديه طموح فعلي لعودة الاتحاد السوفيتي».

ورأى فهمي أن الغرب «تخلى بالفعل عن أوكرانيا»، كان من الممكن إدخال جورجيا وأوكرانيا لحلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وهو ما لم يحدث. وأضاف: "فرنسا وألمانيا، اللتان تمثلان طليعة الاتحاد الأوروبي، مواقفهما ضعيفة، أما بالنسبة للرئيس الأمريكي جو بايدن، فقد راهن بوتين على ضعفه، لا سيما أنه لن يقدم على أي مغامرات عسكرية بينما تستعد الولايات المتحدة لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس".

إيكال الانفصاليين

من جانبه، قال دكتور خطار أبودياب أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس: «لا أتوقع بقاء القوات الروسية كثيراً داخل أوكرانيا، بل سيتم إيكال الأمور إلى الانفصاليين الموالين لموسكو». وأوضح: «هذا الهجوم الذي بدأته روسيا على أوكرانيا هو تتمة لأحداث ديسمبر الماضي. (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سعى لذلك عبر تحشيد القوات، ثم قام الآن بالتحرك، بعد الاعتراف بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك، من أجل ضمهما، إذ لا تقع كل أراضي هاتين الجمهوريتين تحت سيطرة الانفصاليين، بل إن بعضها لا يزال بيد سلطة كييف».

وأضاف أبودياب: «هدف بوتين إذاً هو السيطرة على شرق أوكرانيا كاملاً، وهو الإقليم الذي ينتمي غالبية سكانه الناطقين بالروسية للديانة الأرثودوكسية».. وأشار إلى أن بوتين لن يتمكن من ثني حكومة أوكرانيا عن الاستمرار في تحالفها مع الغرب، «لذا فمن وجهة نظره، فإن هذه التجزئة للأراضي الأوكرانية تعد بمثابة أمر دفاعي».

لمن الشرعية؟

ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن يصل طموح بوتين إلى «الانقلاب على حكومة كييف برمتها».. لكنه لفت إلى أن عملية نقل السفارة الأمريكية قبل أيام إلى مدينة لفيف (غرب أوكرانيا على بعد حوالي 70 كيلومتراً من الحدود مع بولندا)، قد يسفر عن أزمة حتى لو قام بوتين بالإطاحة بالحكومة، إذ ستبقى مشكلة «لمن هي الشرعية؟».. فربما تطالب لفيف بذلك.

جودو وشطرنج

وحول ما إذا العقوبات الغربية ستكفي لردع موسكو، قال: «العقوبات وحدها لن تعدل ميزان القوى.. بوتين يمارس لعبة الجودو، ويجيد تحريك قطع الشطرنج، عقليته استراتيجية، ولا يتقن سوى لعبة ميزان القوى.. تمكن منذ عام 2014 إلى اليوم من تجميع أكثر من 600 مليون دولار، لوضعها في فائض الميزانية الروسية، تحسباً لظروف كهذه».

وأضاف: «لذا فإن العقوبات بحد ذاتها لن تكون مجدية، خاصة أن بوتين بنى علاقات قوية مع الصين، وسيرسل إليها الغاز.. نحن في مرحلة لغة القوة وحدها لن تنفع، ما لم يعد الحوار بين الأقطاب الكبار سنكون في مأزق».

متروكة لقدرها

ورداً على سؤال حول ما إذا كانت العملية ستسمر دون انخراط عسكري من قبل القوى العالمية، قال أبودياب: «حتى اللحظة أوكرانيا ليست عضواً في حلف الناتو، ولا في الاتحاد الأوروبي، فهي متروكة لقدرها».

وأشار المحلل السياسي في هذا السياق إلى أنه منذ القِدم «هناك لعبة تبادل أدوار بين روسيا والغرب، مرة أنا ومرة أنت. أوكرانيا طوال الفترة الماضية كانت في حمى قوى الغرب، الآن يمكن أن يحدث العكس».

وختم: «نحن أمام منعطف جديد. ستبقى بؤرة أوكرانيا اختباراً للأمن الأوروبي، وأيضاً سترسم معادلة دولية جديدة».