الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

«صدى الحرب».. التصعيد العسكري في أوكرانيا وتداعياته خليجياً

«صدى الحرب».. التصعيد العسكري في أوكرانيا وتداعياته خليجياً

يقع الشرق الأوسط في قلب التوازنات العالمية، ما يجعله قريب من دائرة الصراع، حتى وإن ابتعد عنها جغرافياً، لذا فإن تداعيات الأزمة الأوكرانية، تمتد بلا شك إلى الشرق الأوسط عامة، ودول الخليج وإيران خاصة.

ويوضح تقرير صدر عن المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة»، أن التداعيات الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا، لا تتوقف على منطقة شرق أوروبا، بل تمتد لتصل إلى الشرق الأوسط، باعتبار أن أطراف الصراع ترتبط بمصالح حيوية بدول المنطقة، خاصة دول الخليج التي تعد حليفاً هاماً للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، بالإضافة إلى التحالف المهم ما بين إيران من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، لذا فإن احتمالية احتدام الصراع في أوكرانيا يرتد صداه للمنطقة باعتبارها أحد ساحات المنافسة بين القوي الكبرى.

ووفقاً للتقرير تفرض الأزمة الراهنة تحديات أمام نمو الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل جراء تداعيات وباء كورونا، وارتداداته على معدلات التضخم، لذا فإن استمرار الأزمة ينذر بارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن والتأمين، بعد ارتفاع أسعار النفط والغاز بالفعل، خاصة وأن روسيا تعد من أهم الدول المنتجة للغاز، والأسمدة، بالإضافة إلى معادن النيكل، والألمونيوم، والبلاتين، كل تلك المنتجات بالإضافة إلى المنتجات الأوكرانية وخاصة في القطاع الزراعي ستنعكس على الأسعار بصورة كبيرة.

غير أن تداعيات ارتفاع أسعار الغذاء الناتج عن دخول أوكرانيا تلك الأزمة يدخل العالم في مواجهة ارتفاع أسعار السلع الأساسية ( الحبوب- القمح -الذرة- اللحوم - الدواجن) نظراً لما تتمتع به أوكرانيا من مزايا نسبية داخل قطاع الزراعة تحديداً، إذ تعد أوكرانيا شريكاً مهما لعدد من الدول خاصة العربية، ومورداً هاماً للسلع الاستراتيجية وفي مقدمتها القمح، لذا فإن لجوء بعض الدول لتغيير مسار الاستيراد حال استمرار الأزمة لتفادي الأزمات الداخلية يضعها في فك الاستغلال الاقتصادي من دول تحاول تحقيق أقصي ربحية ممكنة من الأزمة والاستيلاء على أسواق كانت بعيدة المنال حتى وقت قريب، في وقت يسعي العالم إلى فرملة الأسعار، وخاصة الغذائية ورفع القدر الشرائية للأفراد لوضع حد للفقر.

إيران.. أضرار ومكاسب

وونوه التقرير إلى سعي إيران خلال الفترة الماضية إلى زراعة مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية لإنتاج القمح والحبوب، لذا فإن استمرار الحرب قد يضر بتلك الاتفاقيات الزراعية، ورغم الخسارة الإيرانية جراء المساحات المزروعة، إلا أن خسارة إيران الاقتصادية الأكبر ستكون مع روسيا، بالنظر إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يقترب من 4 مليار دولار، مقارنة بـ 160 مليون دولار للتبادل التجاري بين إيران وأوكرانيا منذ بداية العام الجاري (ارتفع بنسبة 76% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020).

غير أن الأزمة تنذر بفرص كبيرة لقطاع الطاقة الإيراني، نظراً لما لديها من احتياطات هائلة، بالإضافة إلى أن مسار احتدام الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، يدفع الأولى نحو الإسراع في التوصل إلى اتفاق مع طهران في محاولة لتهدئة الأوضاع في المنطقة، الأمر الذي يوصل إيران إلى اتفاق قد يرفع عنها العقوبات وبالتالي يضمن دخولها سوق الطاقة العالمي الذي طالما حلمت بدخوله.

بالإضافة إلى أن الاحتياطات الهائلة لإيران تضعها في مصاف موردي الطاقة الرئيسين في أوروبا، في وقت يعاني سوق الطاقة الأوروبية، من أزمات محتدمة تتزايد مع فرض العقوبات على روسيا، التي تعد أهم موردي الغاز إلى أوروبا، الأمر الذي قد تستثمره إيران في فرض مزيد من الضغوط على الغرب لتنفيذ أجندتها في إطار المفاوضات الجارية في فيينا، حول العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.

غير أن روسيا لن تقف في دور المتفرج وستسعي لاستغلال ملف مفاوضات فيينا لمصلحتها، وقد تذهب إلى استخدامها ورقة مساومة مع الغرب فيما يخص أوكرانيا، خاصة في ظل علاقاتها الجيدة مع طهران، ما قد يدفع بوتين للضغط على إيران لدفع المفاوضات مقابل تقديم الغرب تنازلات في شرق أوروبا.

روسيا والصدام بدول «الأوبك»

لا شيء يطفو على ذهن الدبلوماسية الدولية الآن سوى الحرب على أوكرانيا، لذا فإن الولايات المتحدة الأمريكية، لن تلتفت خلال الوقت الراهن لمخاطر إيران، الأمر الذي تستفيد منه طهران في تنفيذ خططها الرامية إلى كسب مزيد من التأييد الروسي.

غير أن غموض التحركات الدولية وإمكانية تحرك الولايات المتحدة الأمريكية عكس التوقعات إذا ما عمدت إلى فرض مزيد من العقوبات علي إيران، يدفع الأخيرة نحو مزيد العلاقات الاستراتيجية مع روسيا، الأمر الذي ستدعمه الصين بالطبع، لذا قد نرى محورا كان قد تشكل في الماضي، ينجذب ويتمسك بقوة بتحالفه في سبيل تحقيق التعددية القطبية، الأمر الذي يصب في مصلحة إيران عبر تعزيز نفوذها ومحاولة تحقيق مكتسبات تصل بالاتفاق النووي إلى إطار أفضل يحقق طموحاتها، خاصة وأن روسيا تعمد إلى ضمان علاقات مضطربة بين إيران والغرب، في سبيل وضع موطئ قدم في الشرق الأوسط الذي يمثل أحد سمات إحياء الطموحات الروسية على الساحة الدولية، ولن تجد حليف أفضل من طهران، خاصة وأن التحالف بينهم قائم بالفعل على معاداة الغرب، غير أن هذا التحالف محفوف بالمخاطر فيما يخص المصالح الروسية داخل الأوبك، ما قد يدفعها نحو سياسات أكثر موازنة لضمان استقرار التحالف.

بالإضافة إلى سعي روسيا نحو الاستيلاء على قطعة من «تورتة» سوق الأسلحة في الشرق الأوسط، خاصة مع الدول الغنية لتعزيز أوضاعها الاقتصادية، وخلق بيئة إقليمية أكثر تعقيداً للولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي تدعمه الصين كونه يعمل على تعميق التنافس في الشرق الأوسط.

فرص دول الخليج

مع دق طبول الحرب في أوكرانيا بدأت أنظار العالم والغرب تحديداً، تتوجه صوب الشرق لتأمين مصادر الطاقة، ما ينذر بفرص اقتصادية خاصة للدول المنتجة للنفط والغاز، وفي مقدمتها الدول الخليجية.

فقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل، إجراء سلسلة اتصالات بدول المنطقة لتأمين إمدادات الطاقة إلى أوروبا، بديلاً عن الغاز الروسي، في وقت يزداد التعويل على الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، لتخفيف الضغط على أسعار الطاقة، بالإضافة إلى فتح الأسواق الأوروبية أمام دول المنطقة.

المزايا الاقتصادية ليس الأبرز للدول الخليجية، إذ تمنح تلك الدول مكانة سياسية في الترتيبات الراهنة على الساحة الدولية، في ظل إعادة رسم خريطة الجغرافيا السياسية الدولية من مدخل الطاقة، ما يعطي دول الخليج فرصة أكبر للمناورة، الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية نحو تعديل سلوكها نحو مزيد من الواقعية تجاه التعامل مع بعض الحكومات، بغض النظر عن الخلافات حول قضايا سياسية محددة.

والدليل على ذلك المكالمة الهاتفية التي أجراها بايدن مع خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، إيماناً منه بأهمية المملكة في استقرار سوق الطاقة، خاصة في ظل الأزمات، ولا يمكن تجاهل أن تدفع التطورات الراهنة إدارة بايدن إلى رفع قيود توريد السلاح لحاجته إلى الطاقة الخليجية من جهة، وحتى لا تكون السوق الخليجية ساحة للأسلحة الروسية، بما يغني دول المنطقة عن التقارب مع روسيا، وضرب محاولات الأخيرة وضع موطئ قدم داخل الشرق الأوسط.

سوريا بؤرة توتر قديمة

على صعيد آخر، فإن استمرار حالة التوتر الناتجة عن الأزمة الأوكرانية، تنذر باحتمالية دخول المنطقة في اصطفافات دولية وحرب باردة جديدة، وبخاصة سوريا التي تعد بؤرة توتر قديمة نسبياً بين الولايات المتحدة وروسيا.

وظهر التصعيد خلال المرحلة الماضية في سوريا، بعدما أعلنت روسيا عن إجراء تدريبات بحرية في البحر المتوسط، بعد أن قامت بنقل قاذفات وطائرات مجهزة بصواريخ أسرع من الصوت إلى قواعدها في سوريا، ما ينذر بتأزم الوضع داخل سوريا أكثر من غيرها، بالإضافة إلى احتمالية أن تدخل في مقايضة ما بين الغرب وروسيا عند الوصول إلى تسوية بشأن القضية الأوكرانية، ما يزيد من حالة التوتر في المنطقة التي تتقاطع مصالح كل دولة منها بصورة واضحة مع الآخرين في سوريا.

اختيار روسيا للتدخل في سوريا منذ 2015 لم يكن قبيل الصدفة، بل هو خيار استراتيجي، خاصة وأنه جاء بعد عام واحد من ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، إذ سعت روسيا إلى خلق توازن وبؤرة صراع بعيدة عن فضائها الجيوسياسي، والتحكم في مشاريع الطاقة المنافسة، ومحاصرة حلف شمال الأطلنطي «الناتو» جنوبا في البحر المتوسط، إضافة إلى محاصرته في البحر الأسود، بالإضافة إلى إيجاد نقط تموضع استراتيجي تربط مناطق النفوذ الروسي.