الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

6 معادلات تقود الحسابات الصينية في الأزمة الأوكرانية

6 معادلات تقود الحسابات الصينية في الأزمة الأوكرانية

إخراج روسيا من المعادلة الدولية المعادلة الدولية سيركزالاستهداف الغربي على بكين

بكين تستعد لاستيراد مزيد من الغاز والنفط الروسي من خلال»قوة سيبيريا 1»

العمل مع الأطراف الغربية لوضع حلا للأزمة باعتبار الأوروبيين الأكثر تضرراً

شكل العرض الصيني للتوسط بين روسيا والغرب، لحل الأزمة الأوكرانية، والذي طرحه رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، في 11 من مارس الجاري، منعطفا كبيرا في الجهود الدبلوماسية لبلورة رؤية للحل تستجيب لمطالب كل الأطراف، وتنزع فتيل صراع يخشى الجميع أن لا يقف عند حدود أوكرانيا. وتعود أهمية العرض الصيني إلى أن بكين البعيدة جغرافيا عن الأراضي الأوكرانية، تخشى أن يتطاير شرر الأزمة السياسي والاقتصادي، حيث ترفع الحرب الروسية- الأوكرانية من فاتورة واردات الطاقة الصينية، التي تستورد 43% من احتياجاتها من الغاز، بواقع 89 مليار متر مكعب من الغاز المسال، و 46 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ضمن 331 مليار متر مكعب من الغاز تستهلكها الصين سنوياً، وفق بيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية.

كما تتخوف الصين من أن ارتفاع التضخم في العالم، الذي وصل في الولايات المتحدة إلي 7.9 % لأول مرة منذ 40 عاماً، قد يقود إلى تباطؤ اقتصادي وتراجع في النمو الاقتصادي والتجاري العالمي، بما يؤثر سلباً على الصادرات الصينية، والتعافي القوي الذي أظهره الاقتصاد الصيني في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، وتزامن كل ذلك مع سعي الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الشركات الصينية التي تتعامل مع روسيا.

لكن القلق الصيني لا يتعلق فقط بالجوانب الاقتصادية، رغم أهميتها، لكن هناك إدراك لخطورة احتمال توسع الحرب في أوروبا، خاصة أن استهداف الصين من جانب الغرب ليس بعيداً في ظل الخلافات الصينية مع الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان وبريطانيا والكثير من الدول الغربية الأخرى.

ورغم الدعم الصيني الواضح لروسيا في الضمانات الأمنية التي طلبتها موسكو، قبل 24 فبراير الماضي (بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا)، ورفض الصين وصف الحرب الروسية الأوكرانية بـ»الغزو الروسي»، إلا أن الصين أظهرت في ذات الوقت من خلال عدم استخدام حق النقض «الفيتو»، والاكتفاء فقط بالامتناع عن التصويت حول القرار الأمريكي في مجلس الأمن، أن الصين تتعامل بحذر شديد في تلك الأزمة.

فما هي الحسابات الصينية في الحرب الأوكرانية الروسية؟ وكيف يمكن للصين أن تكون رأس الحربة في جهد سياسي ينزع فتيل هذه الأزمة التي عجزت الدبلوماسية في منعها أو وقفها حتى الآن؟

الخندق الواحد

رغم التحوط الصيني الروسي في إعلان التحالف السياسي والعسكري أو الاقتصادي خلال السنوات الماضية، إلا أنه بداية من 19 ديسمبر عام 2017، أدركت الصين أنها في ذات الخندق مع روسيا، عندما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، استراتيجية الأمن القومي لبلاده، والتي وضعت الصين وروسيا في مكان واحد، بوصفهما «منافسان استراتيجيان للولايات المتحدة على الساحة الدولية.

وتأكد نفس الأمر عندما كرر الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، نفس التوصيف في 25 مارس 2021، عندما كرس وضعية الصين وروسيا معاً كمنافسين استراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية، على الساحة العالمية، في الدليل المبدئي لإستراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها إدارته بعد أقل من 3 شهور لوصول بايدن للبيت الأبيض.

ولهذا ردت الصين وروسيا على الموقف الأمريكي، بتجديد اتفاقية الصداقة والتعاون بينهما في 16 يوليو الماضي، وهي الاتفاقية التي تم توقيعها في عام 2001، وتشمل أكثر من 300 اتفاق وبروتوكول تعاون، تغطي كل المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهي الاتفاقية التي ساهمت في زيادة التجارة البينية بينهما عام 2019 إلى أكثر من 110 مليارات دولار، ويستهدف البلدان الوصول بالتجارة إلى 200 مليار دولار عام 2025.

ولم تكتف الصين وروسيا بهذا، بل وقع الجانبان على سلسلة من الاتفاقيات الاستراتيجية أثناء مشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين 4 فبراير الماضي، وهي اتفاقيات تمثل رداً روسيا صينياً مشتركاً على تحالف «أوكوس» العسكري المبرم في 15 سبتمبر الماضي ويضم بجانب الولايات المتحدة كلا من أستراليا والمملكة المتحدة، وأيضا تحالف «كواد» الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا وانضمت إليه عملياً اليابان في الاجتماع الرباعي الأخير في 19 فبراير الماضي، وكلا منهما موجه ضد روسيا والصين.

الانفراد بالصين

تقول الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، أن الرد على دخول روسيا لأوكرانيا، يجب أن يكون قوياً وكاسحاً، بحيث يشكل رسالة للصين حول تايوان، وفق ما قالته نائبة وزير الخارجية الأمريكية، وندي شيرمان، مضيفة أكثر من مرة، أن إفشال الأهداف الروسية في أوكرانيا سوف يكون رسالة قوية للصين، لعدم تكرار هذا السيناريو، ومحاولة ضم الصين لتايوان بالقوة.

لكن الأخطر بالنسبة للتنين الصيني، هو أن فشل روسيا في أوكرانيا، ومحاصرتها سياسياً واقتصاديا، وإخراجها من المعادلة الدولية، لن يكون في صالح الصين، لأنه في تلك الحالة، سوف يتركز الاستهداف الغربي على بكين، وفق الحسابات الصينية، التي تحدثت عنها صحيفة «ساوث شاينا موريننج بوست»، ولهذا سوف يظل الدعم الصيني لروسيا دون استفزاز الغرب، بحسب الصحيفة.

المعادلة الصينية

وتقوم المعادلة الصينية للتعامل مع الأزمة الأوكرانية، على 6 مسارات، الهدف منها عدم تحقيق انتصار استراتيجي غربي في الأزمة الأوكرانية، مع تقليل الخسائر والفواتير السياسية والاقتصادية والأمنية على الصين، والمسارات الستة هي:-

أولاً: الدعوة للحل السياسي والدبلوماسي للأزمة، ولهذا جوهر الخطاب الصيني سواء في مجلس الأمن، أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان الدعوة للحلول المقبولة من الطرفين، وعدم التصعيد وعدم تمدد الحرب إلى دول جوار أوكرانيا.

ثانياً: العمل مع الأطراف الأوروبية لوضع حل للازمة، فالصين ترى أن الأوروبيين أكثر تضرراً من الحرب الأوكرانية- الروسية، ولهذا هم الأكثر سعياً لحل الأزمة بسرعة، حتى لا تتفاقم النتائج، ولذلك عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ، قمة ثلاثية عبر الاتصال المرئي، مع المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان عنوانها العمل معاً من أجل الإسراع بالحل السياسي للأزمة.

ثالثاً: إرسال المساعدات الإنسانية البسيطة للمتضررين من الشعب الأوكراني، والنازحين على الحدود الأوكرانية مع بولندا، وتقول الصين من خلال هذه الخطوة، أنها تتعاطف مع المأساة الإنسانية للأوكرانيين، رغم عدم توصيفها للحرب بأنها غزو روسي لأوكرانيا.

رابعاً: ترفض الصين جميع أنواع العقوبات الغربية على روسيا، وتعتبرها عقوبات أحادية وغير قانونية، وفق تصريحات وزير الخارجية الصيني، وانج يي، كما أن الصين هددت برد قاس لو قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، بفرض أي عقوبات على الشركات الصينية العملاقة التي تتعاون مع روسيا.

خامساً: تشكل الصين الحل المثالي لاختراق جدار العزلة السياسية التي تحاول الدول الغربية فرضه على روسيا، لأن اتفاقيات الشراكة الاستراتيحية الكاملة التي تم توقيعها بين موسكو وبكين، في فبراير الماضي، هي ترجمة عملية على أن روسيا غير معزولة في الساحة السياسية الدولية.

سادساً: تشكل الصين الرئة الاقتصادية التي سوف تتنفس منها روسيا من خلال تعميق التعاون الاقتصادي، وتنفيذ كل الاتفاقيات وبرتوكولات التعاون بين البلدين، التي جرى التوقيع عليها العام الماضي، وفي فبراير هذا العام، وهو ما يساهم في قدرة روسيا على إدارة الصراع لوقت أطول.

فعلى سبيل المثال تستعد الصين لاستيراد مزيد من الغاز والنفط الروسي من خلال استكمال خطي نقل الغاز الروسي إلى الصين (قوة سيبيريا 1)، و(قوة سيبيريا 2)، ليكونا بديلا عن توقف خط (نورد ستريم 2) إلى ألمانيا، وأي محاولة أمريكية وأوروبية لتوقيف خطوط «يامال» و (نورد ستريم 1) اللذان ينقلان حالياً الغاز إلى أوروبا، والمعروف أن خط (قوة سيبيريا 1) الذي ينقل 10 مليار متر مكعب من الغاز، سوف تزيد سعته لينقل مباشرة ودون المرور في دولة ثالثة، عام 2025، نحو 38 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً للصين، وفق مؤسسة البترول الوطنية الصينية، التي كشفت أن هناك خط جديد هو (قوة سيبيريا 2) الذي سوف يستكمل عام 2030، وينقل نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي مباشرة إلى المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في شمال شرق الصين، وهو ما يمثل بديلا على المدى البعيد للأسواق الأوروبية.