الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

عسكرة الغاز | هيمنة مضادة لروسيا في السوق الأوروبي ( 3-3)

عسكرة الغاز | هيمنة مضادة لروسيا في السوق الأوروبي  ( 3-3)
التصعيد العسكري الروسي داخل أوكرانيا، أزاح الستار عن وجود سلاح دمار شامل بخلاف الأسلحة النووية. هذا السلاح رغم أنه قد يسبب خسائر تفوق نظيرتها في المواجهات العسكرية، فإنه لا يمكن للدول الاستغناء عنه. هذا السلاح يتمثل في الطاقة، وتحديداً في خطوط أنابيب الغاز التي تعبر الحدود بين الدول. التطورات التي شهدها خط أنابيب نورد ستريم 2، لا تمثل سوى قمة جبل الجليد الغاطس. فإذا كان الجميع يتحدثون عن أن العالم بعد الحرب الأوكرانية سيكون مختلفاً عما قبل الحرب، فإن استراتيجيات الدول في الحصول على الطاقة ستختلف أيضاً بعد هذه الحرب. من يضمن الاستحواذ على هذا السوق، أو السيطرة على خطوطه يضمن له موطئ قدم في أي قرار عالمي، بل وقد يصبح قطباً عالمياً ضمن الأقطاب الجديدة التي تتشكل على الخريطة الجيوسياسية. «الرؤية» تطرق أبواب هذا الملف الشائك على مدى 3 حلقات كاملة، في محاولة لفهم طبيعة هذا الصراع، واستشراف مستقبل «عسكرة الغاز».

قوة سيبيريا

موطئ قدم لروسيا في السوق الصيني

| «سيبريا2» يمتد من داخل أكثر المناطق التي تضم احتياطيات موسكو

| مضيق «ملقا» يشكل نقطة ضعف استراتيجية كبرى لبكين


سعت روسيا إلى تنويع أسواق الغاز، بدلاً من الاعتماد على السوق الأوروبي، وبدأت تتجه شرقاً نحو الصين حليفها في مواجهة الولايات المتحدة، وشيدت خط «قوة سيبريا1» و«قوة سيبريا2»، حيث يأتي السعي الروسي بالتزامن مع زيادة الطلب داخل الصين على الغاز، وحاجتها في دعم التحول نحو الطاقة النظيفة، ورغبتها في تخفيف العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن روسيا. وبجانب حرب الطاقة تسعى الصين للاعتماد على الغاز الطبيعي في إطار مساعي تحقيق خطتها حول الحياد الكربوني 2060، ما يزيد من تلك الفرضية بداية الصين الفعلية في استيراد 43% من احتياجاتها من الغاز.


تأثيرات تحالف الشرق

بدأ المحور الصيني الروسي يعي أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، لذا سعى كل منهما إلى التوجه بقوة نحو تأمين مصادر القوة الاقتصادية، وبدأت تتضح نوايا بوتين الاستراتيجية حول تنويع أسواق الغاز، مع التمدد شرقاً لضمان توسع سياسي واقتصادي، بما يضمن تفادي العقوبات الأمريكية، والسيطرة على السوق الصيني ذي النمو المطرد في استهلاك الغاز. المعادلة الروسية تقابلها أخرى صينية تطمح في تأمين استمرار الازدهار الاقتصادي، الذي لا يمكن أن يستمر دون تأمين خطوط الغاز، ما دفعها لتوقيع صفقة في 2014 مع موسكو بقيمة 400 مليار دولار لتزويدها بالغاز لمدة 30 عاماً، ومن هنا بدأ إنشاء خط «قوة سيبريا» الذي غير خريطة الطاقة الجيوسياسية في المنطقة، لا سيما بعد رفع كمية الطاقة الروسية المتجهة إلى الصين بنحو 25%.



اختلاف الرؤى

رغم المصالح المشتركة التي تعول عليها بكين وموسكو، إلا أن طموحات ورؤى كل منهما مختلفة عن الأخرى، لا سيما مع عدم تحقيق تقدم واضح في ما يخص خطوط الغاز، بالإضافة إلى أن كل منهما يسعى لأن يكون القطب الثاني إلى جانب أمريكا، لذا فإن أمر الغاز ما زال محفوفاً بـ«التمني»، خاصة أن الجانب الصيني لا يقبل تنازلات في الأمور الاقتصادية، وهو الجانب الذي تتطلع روسيا إلى تحقيق تقدم خلاله، باعتباره متنفساً للاقتصاد في ظل العقوبات الغربية، غير أن تلك المساهمات الاقتصادية من الجانب الصيني تحولت إلى حصص، الأمر الذي يتجسد في امتلاك بكين 20% من أسهم «يامال» الروسية للنفط، الذي يمتد إلى المناطق ذات الكثافة السكانية الأعلى في الصين. ويبدو أن كل طرف يتعامل مع الآخر وفق شروطه ومصالحه، وحتى اللحظة ما زالت هناك خطوط مشتركة لمصالح الطرفين، خاصة أن تحالف أمريكا مع أستراليا الأخير (أكبر مصدري الغاز في العالم) جعل دفة الغاز تميل لصالح موسكو.

قوة سيبريا 2

سعت موسكو رغم عدم ربحية «قوة سيبريا» إلى مد «قوة سيبريا 2» من داخل أكثر المناطق التي تضم احتياطيات للغاز في روسيا، الذي رغم التوقعات بعدم انتهائه قريباً إلا أنه يمثل الخط الذي تأمله روسيا من البداية ويستطيع تزويد الصين بـ50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وتعول موسكو على تعويض هامش الربح المفقود من الخط الأول عبره، غير أن الجانب الاقتصادي ليس الأوحد للمشروع، لكنه دعم اتفاقاً استراتيجياً طويل المدى مع بكين في مواجهة تحالف «AUKOS» بين الولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا، الذي يشمل اثنين من أكبر مصدري الغاز في العالم.

ربحية روسيا المنخفضة تؤكد قوة الصين الاقتصادية التفاوضية، لا سيما أن الفوائد الاستراتيجية العائدة عليها تتخطى بكثير محاولة روسيا للالتفاف حول العقوبات، بالنظر إلى رغبة الصين في توفير إمدادات لا تمر عبر مضيق «ملقا» الذي يشكل نقطة ضعف استراتيجية كبرى للصين (يمر عبره 80% من واردات النفط الصينية)، لذا فإن احتمال إغلاقه أو فرض حصار بحري عليه يمكن أن يهدد إمدادات بكين، التي ترى في روسيا مصدراً برياً بديلاً، بالإضافة إلى تزويد روسيا الصين بالعديد من الأسلحة الحديثة.

تعويض النقص الأوروبي

وقالت المتخصصة بالشؤون الاقتصادية الألمانية والأوروبية، دكتور نجاة عبدالحق، إن مجموع الغاز الذي يضخ من روسيا إلى أوروبا حالياً يصل إلى 138 مليار م3 سنوياً ، بينها 55 مليار م3 عبر نوردستريم1، و33 مليار م3 عبر خط «يامال/ جامال» الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا، بالإضافة إلى 40 مليار م3 من وترانسغاز عبر أوكرانيا، لافتة إلى أن ألمانيا أوقفت خط نورستريم2 عقب العملية العسكرية لروسيا في أوكرانيا الذي كان تشغيله مقرراً نهاية العام الماضي بقدرة تصل إلى 55 مليار م3 سنوياً.

وأشارت إلى أن الصين تستقبل الغاز الروسي عبر خطين، الأول «قوة سيبريا» الذي يضخ 10 مليارات م3 سنوياً، الذي تم الانتهاء من الشطر الأول منه داخل روسيا بطول 3000 كم، في حين لم ينتهِ الشطر البالغ 5000 كم داخل الصين، منوهة بأن كمية الغاز عبر قوة سيبريا ستبلغ 38 مليار م3 في 2024، وأكدت أن الصين لديها خط آخر مع روسيا «قوة سيبريا2» بطول 2800 كم، من المتوقع أن يبدأ بناؤه العام الجاري، بقدرة ضخ تبلغ 30 مليار م3 من الغاز سنوياً.

وشددت «نجاة» على أن ما يمكن أن يعوض روسيا جزئياً عن الدخل من توريدات الغاز فرق الأسعار نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار الغاز عالمياً، لافتة إلى أن كمية الغاز الروسي بالنسبة للسوق الصيني لا تتعدى 2% من احتياجاته خلال أقصى قدرة ضخ في 2026، مشددة على أنه عملياً يظل اعتماد روسيا على أوروبا أكثر من اعتمادها على الصين حتى بعد 6 سنوات.

«تركيا - قطر»

صراع بين الحلفاء والطامحون الجدد على منطقة اليورو

| الغاز القطري أقل 3 مرات في السعر من نظيره الروسي

| سر طلب تركيا إقامة منطقة عازلة للعمليات داخل سوريا


ظل خط الغاز بين تركيا وقطر منذ مقترح إنشائه في 2009 في مهب الريح، خاصة أن محاولات إقامته قبل 2011 واجهت معارضة من نظام بشار الأسد، لذا ظلت قطر بالتعاون مع تركيا تقاوم النظام السوري، وتسعى إلى إيجاد نظام بديل موالٍ يمكن أن يصل بالخط إلى بر الأمان.

حافظَ بشار الأسد، رئيس الجمهورية السورية على مصالح حليفته روسيا عبر رفض مد خط الغاز بين تركيا وقطر، وظل متمسكاً بموقف حازم عرقل إنشاء الخط، إذ ترفض روسيا الذي يمثل بيع النفط والغاز لديها ثلثي الناتج المحلي، إقامة خطوط من شأنها الوصول إلى أوروبا وتعريض هيمنتها على سوق الطاقة داخل منطقة اليورو، الذي يعد أهم وأكبر الأسواق لديها.

وبمقارنة الأسعار بين الغاز الروسي والقطري، تتعاظم المخاوف الروسية، لا سيما أن الغاز القطري سعره أقل 3 مرات من الغاز الروسي، الأمر الذي تراه أوروبا يصب في صالحها اقتصادياً نظراً لتفوق سعر الغاز القطري، وسياسياً إذ يضمن تحررها من الاعتماد على الغاز الروسي واستخدامه ورقة ضغط سياسي في بعض الأحيان.

ولعل هذا الخط يفسر مطالبة تركيا بإقامة منطقة عازلة للعمليات داخل سوريا (ما بين الولايات المتحدة وتركيا) خاصة أن منطقة العزل تتوافق مع خط سير أنبوب الغاز، وقاومت تركيا إقامة أي كيان كردي مستقل يعرقل خطتها مع قطر في مد الخط، الذي قد يتعرض لـ«التبخير» حال نجاح الأكراد في إقامة دولتهم، ما يبرهن أن الهدف الحقيقي لتركيا في التدخل في الشأن السوري لم يكن لمحاربة داعش، وخاصة أنها لعبت دور المتفرج أثناء الحروب الدائرة ما بين القوات الكردية والداعشية، وإنما تستهدف تعزيز اقتصادها والتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

الصمت الأمريكي حيال التحركات التركية أسهم في تآكل الشرعية الأخلاقية للولايات المتحدة والناتو، لا سيما أنه يجعلهم متواطئين مع اضطهاد الأقلية العرقية، ويعزز من عدم الثقة في الولايات المتحدة كحليف، الأمر الذي يفسر لجوء بعض حلفائها إلى التحوط وصنع قنبلة نووية مثل اليابان وكوريا الجنوبية.

في الوقت الذي تحاول روسيا الحفاظ على حليفها في سوريا ترى في خط الغاز القطري- التركي هيمنة مضادة على سوق الغاز الأوروبي، الأمر الذي يفسر التدخل العسكري الروسي في سوريا أعقاب الثورة السورية وتصميمها في مساندة بشار، ما ساهم في صموده رغم سقوط رؤوس باقي الأنظمة العربية خلال ما يعرف بثورات الربيع العربي.

ماذا عن قطر؟

تستميت قطر في إقامة خط الغاز واستغلال الاحتياطي الضخم لديها الذي يقدر بحوالي 900 تريليون قدم مكعبة، لا سيما أن كلفة نقل الغاز عبر الأنابيب أقل وأكثر استقراراً من نقل الغاز المسال بعد تجميده وشحنه في ناقلات مخصصة، وتسعى جاهدة إلى مضاعفة طاقتها لإنتاج الغاز الطبيعي، لا سيما أنها تمتلك أكبر حقل غاز في العالم، وبالنظر إلى الجغرافيا القطرية، نجد أنها دولة سجينة في جيب صغير على ساحل الخليج العربي، ما يفسر تلاقي سياستها مع تركيا في الإطاحة بالنظام السوري، والتعويض عنه بنظام حليف يحقق أملها في إقامة الخط.

الحقيقة الواضحة أن المشروع لم يأخذ خطوة واحدة على الأرض، لذا فإن فكرة استغلال طرح المشروع للحصول على مكتسبات في حد ذاته أمر وارد، في وقت تسعى تركيا إلى المساومة على أسعار الغاز مع شركة «جازبروم» الروسية، وتتحين قطر الفرصة لإيجاد نفسها على الساحة الدولية، خاصة أن لديها بالفعل حصة في السوق الأوروبي من مبيعات الغاز المسال.

كل ما سبق لا يغير حقيقة أن روسيا لاعب رئيسي في سوريا وقد ترتقي إلى كونها اللاعب الأول، لذا فإن أي تحرك من شأنه تهديد تسيدها لسوق الطاقة في أوروبا يمكنها عرقلته، وخاصة أن النظام الذي لم تستطع الولايات المتحدة تغييره، والذي رفض إمداد المشروع قبل عقد من الزمان، ما زال قائماً بفضل موسكو.

وقال مدير مركز الحوار الروسي- العربي في سانت بطرسبرغ، دكتور مسلم شعيتو، إن خط الغاز بين تركيا وقطر يعد أساس الأزمة السورية أو ما يسمى بـ«معركة الأنابيب»، مؤكداً أن كافة الحروب التي دارت في الشرق الأوسط قامت لقطع الطريق أمام وصول أي خطوط عبر تركيا إلى أوروبا، متسائلاً كيف لتلك الخطوط أن تنجح بالعبور الآن بعد انتصار روسيا في سوريا، لافتاً إلى أن روسيا لن تسمح بمرور أي خطوط غاز في منطقة البحر المتوسط وسوريا، الأمر الذي ينطبق على المساعي نحو مد خط غاز من إسرائيل عبر تركيا ليصل إلى أوروبا، لافتاً إلى أن روسيا على استعداد لأن تخوض معارك إذا استدعى الأمر، للحيلولة دون وصول غاز إلى أوروبا سوى الغاز الروسي «عصب الطاقة في أوروبا».

خط الغاز العربي

مكاسب استراتيجية تتفوق على الاقتصادية

أعادت أزمة الطاقة اللبنانية فكرة إحياء خط الغاز العربي، الذي يمتد من مدينة العريش المصرية بطول 1200 كم ويمر عبر الأردن وسوريا وإسرائيل ولبنان. وعلى الرغم من توقعات وزير البترول المصري، طارق الملا ببدء تصدير 650 مليون متر مكعب من الغاز المصري إلى لبنان خلال الأسابيع القليلة المقبلة، إلا أن المشروع لم يشهد تقدماً بخطوات ظاهرة على الأقل.

خط الغاز العربي ما زال في حاجة للإصلاح في ظل الظروف الاقتصادية المعلومة لدول الخط، غير أنه يعد فرصة لدعم مصر في أن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة، لا سيما بعد اكتشاف حقل «ظهر» الذي اشعل الصراع على الغاز داخل شرق المتوسط. ويقع الجانب الأكثر ظلاماً للخط داخل سوريا ولبنان، نظراً لما مر على تلك الدول من صراعات طويلة امتدت تأثيراتها للبنية التحتية، غير أن الجانب السوري أكد في تصريحات على لسان وزير النفط على جاهزية الخط على طول سوريا، موضحاً أن الجزء الممتد داخل الأراضي اللبنانية لم يتم التحقق من قدراته خلال العقد الماضي، نظراً لافتقار الجانب اللبناني إلى الإمكانات المطلوبة لتدارك الأمر.

سوريا العقبة الكبرى

تفُوق الأبعاد الاستراتيجية للخط نظيرتها الاقتصادية، خاصة بالنسبة للنظام السوري الذي يبحث عن إثبات شرعيته على الساحة الإقليمية والدولية، الأمر الذي بات قاب قوسين أو أدنى بعد التحركات الإقليمية الأخيرة، ورغم العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام السوري إلا أنها أعطت الضوء الأخضر لإكمال المشروع، باعتباره يعرقل تمدد السياسات الخارجية الإيرانية في المنطقة، ويقطع الطريق أمام ذراعها في لبنان (حزب الله) من كسب أرض سياسية داخلية أو خارجية، في ظل الوضع الراهن، غير أن تمويل خط لم يخضع للصيانة من قبل الاقتصاد السوري يثير تساؤلات عدة؛ بينها إمكانية تخصيص جزء من تمويل المشروع القادم من خلال البنك الدولي للجانب السوري والالتفاف حول العقوبات، ولعل تصريحات وزير النفط حول جاهزية الداخل السوري في وقت يتشكك من جاهزية الداخل اللبناني ترمي إلى الحيلولة دون تخصيص مباشر للأموال تجاه سوريا، لا سيما أن القدرة الاقتصادية للجانب اللبناني معلومة للقاصي والداني.

تعتبر سوريا المشروع فرصة كبيرة لا تتوقف عند حد شرعية النظام، بل تمتد لتشمل العوائد الاقتصادية، إلا أنه رغم تلك المزايا النسبية لا يمكن التغافل عن تضارب المصالح مع حليف النظام السوري الأول إيران، إذ إن الخط العربي يقطع الطريق أمام إمدادات إيران للبنان عبر الشواطئ السورية، غير أن سوريا تعتبر هذا التحدي أقل مقارنة بشرعية النظام التي افتقدها خلال العقد الماضي، ويمكن تجاوزه عبر قنوات أخرى.

يعود الخط العربي على لبنان بمكاسب لا تقل عن مكاسب سوريا، على مستويين، أولهما سياسي ويتمثل في كسب تأييد داخلي وخارجي من قبل المتنافسين على الانتخابات النيابية بما يدعم أرضية كل منهم أمام منافسيه، والثاني اقتصادي إذ يعد إعادة إحياء الخط بمثابة «رئة» للاقتصاد اللبناني، إذ إن الخط لا يزود لبنان بالكهرباء فحسب، بل يعد «شيك» مقبول الدفع لبدء ضخ المساعدات الخارجية من صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات المانحة للعبور بالبلد من الأزمة الاقتصادية التي طالته عقب حادث انفجار مرفأ بيروت.

كل تلك التحديات لا تمنع مكاسب دول الخط حال إعادة تشغيله، لكن مصالح الدول الخارجة عن الخط قد تكون أعظم، وتحديداً الولايات المتحدة التي عمدت إلى «غض البصر» عن العقوبات الاقتصادية على نظام الأسد في سبيل قطع الطريق على إيران من دعم سياساتها المسيطرة على بعض دول الإقليم، على رأسها لبنان عبر وكيلها (حزب الله) وإضافة إنجازات تمكن الحزب من بناء أرضية قبيل الانتخابات الداخلية، لذا رأت أن التحرك العربي قد يكون المسار الأفضل نحو إحكام التداعيات السياسية على طول المسار للمرحلة المقبلة.

حرب تكسير عظام

وقال أستاذ وخبير البترول الدولي، نائب رئيس جامعة فاروس بالإسكندرية، دكتور رمضان أبوالعلا، إن الاحتقان في سوريا يحول دون ضخ استثمارات جديدة غير مضمون عوائدها، مؤكداً أنه لا يوجد دولة في العالم تراهن على استقرار الأوضاع السياسية في سوريا، متوقعاً عدم استكمال نقل الغاز في الجزء الخاص بسوريا، عكس لبنان الذي تجري عملية توصيل الغاز إليه على قدم وساق.

وأشار إلى أن الغاز يستخدم سياسياً بامتياز، خاصة من جانب روسيا التي تسعى إلى تحقيق مكاسب اقتصادية يعززها الارتفاع الجنوني في أسعار الغاز بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، مؤكداً أن سعر 1000 كم2 من الغاز وصل خلال 3 شهور إلى 2000 دولار بعد أن كان يبلغ 200 دولار، لافتاً إلى تضاعف سعره خلال العملية الأخيرة ليصل إلى 4000 دولار لكل 1000 كم2.

وأوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يشعران بالخطر من المكاسب الاقتصادية الروسية جراء بيع الغاز، ما أشعل حرب تكسير عظام بين الطرفين، يريد الغرب من خلالها ضمان عدم تحول التفوق الروسي الاقتصادي إلى تفوق عسكري وبالتبعية تفوق سياسي. وشدد على أن سوريا معبر استراتيجي على البحر المتوسط، غير أن روسيا تهيمن عليها بشكل كامل، وأن هناك عدة حقول مكتشفة لم يعلن عنها في سوريا، أو تطرح للتنقيب، لافتاً إلى أن القرار ليس بيد سوريا، منوهاً بأن خروج سوريا من كبوتها يمكن أن يضمن منفذاً للعراق أيضاً الغني بالغاز والبترول لنقله عبر البحر المتوسط بما يقلل من الكلفة ويرفع العائد.