السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

تحليل | أوكرانيا تستنزف ترسانة الديمقراطية الأمريكية

تحليل | أوكرانيا تستنزف ترسانة الديمقراطية الأمريكية

أحد المباني المدمرة في ماريوبول. (رويترز)

يرى المحلل الاستراتيجي الأمريكي هال براندز أن الولايات المتحدة تتبع استراتيجية «ترسانة من الديمقراطية» في أوكرانيا، فقد تجنبت التدخل المباشر ضد الروس، بينما تتعاون مع الشركاء والحلفاء في تزويد حكومة كييف بالمال والسلاح. تلك الاستراتيجية التي تُذكر بدعم الولايات المتحدة لبريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية حققت نجاحاً كبيراً.

ويضيف براندز في مقال رأي نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء أنه رغم ذلك فإنه مع بلوغ الصراع الروسي مرحلة حرجة، حيث يستعد الروس لتعزيز قبضتهم على شرق أوكرانيا، تشهد ترسانة الديمقراطية استنفاداً من شأنه أن يسفر عن عجز شديد بالنسبة للقوات الأوكرانية في هذه الحرب، ويكشف عن الضعف الأمريكي الذي يمكن أن يُفضح تماماً في أي مواجهة مقبلة بين الدول العظمى.

ومن بين كل ما قدمته الولايات المتحدة وأصدقاؤها لأوكرانيا، كانت الأسلحة هي الأهم. فما تم إرساله من طائرات بدون طيار، وأسلحة مضادة للدبابات والطائرات، والذخيرة وغيرها من الإمكانات ساعد أوكرانيا في إلحاق أضرار بالقوات الروسية حتى مع قيام موسكو بضرب القاعدة الصناعية الأوكرانية.

وأبلغ الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الكونغرس، بأن الغرب أرسل إلى كييف 60 ألفاً من الأسلحة المضادة للدبابات و25 ألفاً من الأسلحة المضادة للطائرات. ويضع البنتاغون الآن خططاً لإرسال المزيد من المدفعية، والطائرات المسيرة الدفاعية الساحلية وغيرها من العتاد لأوكرانيا. وأعلن البيت الأبيض مؤخراً عن حزمة جديدة تبلغ قيمتها 800 مليون دولار تشمل مروحيات وحاملات جنود مدرعة. لكن الرئيس جو بايدن لم يخطط مطلقاً لحرب بهذه الشكل.

ويقول براندز، أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العامة في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكنز الأمريكية، إن ما كان مفترضاً هو أن روسيا ستقوم بعمليتها العسكرية بسرعة، لذلك ستدعم الولايات المتحدة تمرداً أوكرانيا متأججاً ومنخفض الكثافة. لكن ما حدث هو أن مقاومة أوكرانيا الناجحة أدت إلى معركة تقليدية عالية الكثافة، تشهد استهلاكاً هائلاً للذخيرة واستنزافاً مركزاً للأصول العسكرية الرئيسية.

اقرأ أيضاً.. روسيا تهدد بـ«نشر أسلحة نووية» قرب فنلندا والسويد

ويقول مسؤولو البنتاغون إن كييف تستهلك كل يوم ما يصلها خلال أسبوع من إمدادات الذخيرة المضادة للدبابات. كما أنها تواجه عجزاً في الطائرات الصالحة للعمل في ظل ما تواجهه من هجمات جوية روسية وخسائر في القتال. فقد أصبحت الذخيرة نادرة في ماريوبول وغيرها من المناطق. ويؤدي هذا إلى أن تواجه الدول الغربية خياراً واضحاً ما بين إرسال المزيد من الإمدادات إلى أوكرانيا أو الاحتفاظ بالإمكانات المحدودة التي قد تحتاج إليها للدفاع عن نفسها.

ورفضت ألمانيا إرسال دبابات إلى أوكرانيا على أساس أنها ببساطة لا تستطيع تعويضها. وسرعان ما عانت كندا عجزاً في منصات الإطلاق وغيرها من المعدات التي يحتاج إليها الأوكرانيون بصورة ملحة. وقدمت الولايات المتحدة ثلث المخزون لديها من صواريخ جافلين المضادة للدبابات. ولا تستطيع بسهولة تقديم المزيد دون أن تكون النتيجة تعرض مستودعاتها لعجز شديد- وقد يحتاج الأمر إلى شهور لزيادة الإنتاج بدرجة كبيرة.

ويقول براندز إنه قبل دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، شارك الرئيس فرانكلين روزفلت ومستشاروه العسكريون في مناقشات مكثفة حول ما إذا كان يتعين على واشنطن إرسال أسلحة إلى بريطانيا المحاصرة أم الاحتفاظ بها في حالة اضطرت أمريكا للدفاع عن نفسها. والآن تصل استراتيجية ترسانة الديمقراطية التي يتبعها بايدن إلى نقطة انعطاف مماثلة في أوكرانيا.

وستحتاج كييف إلى المزيد من الدعم الغربي لصد القوات الروسية التي تتجمع في الشرق، حيث تعتبر الأراضي المكشوفة نسبياً أقل ملاءمة للدفاع. كما ستحتاج أيضاً إلى المزيد من الأسلحة المتطورة مثل الدبابات والطائرات، لحرمان الروس من تحقيق ميزة حاسمة- وربما تبدأ بالهجوم إذا ما فشل هجوم موسكو في الشرق. لقد هيأت المقاومة الأوكرانية لكييف فرصة جيدة لكسب هذه الحرب، ولكن ثمن أي انتصار سيكون مذهلاً سواء بالنسبة للأرواح أو للعتاد. لذلك فإن الحرب في أوكرانيا تعتبر نظرة مسبقة واقعية للمشكلات التي سوف تواجهها الولايات المتحدة في أي حرب مع روسيا أو الصين.

اقرأ أيضاً.. الأمم المتحدة تفرج عن 100 مليون دولار لـ7 دول متضررة من «حرب أوكرانيا»

فإذا ما اضطرت واشنطن للدخول في حرب في شرق أوروبا أو غرب الباسفيكي، فإنها ستستنفد مخزوناتها من الصواريخ، والذخيرة عالية الدقة وغيرها من الإمكانات المهمة خلال أيام أو أسابيع. وربما ستعاني خسائر في الدبابات، والطائرات، والسفن وغيرها من الأصول المتطورة، وباهظة الثمن والتي يصعب تعويضها.

ويقول براندز إن التعويض ربما تحقق للولايات المتحدة في زمن سابق، لكن ربما لم يعد الأمر الآن بهذه السهولة. فالقيادة الاقتصادية الأمريكية لم تعد تعتمد أساساً على التصنيع. فالعجز في معدات صنع الآلات، والعمالة الماهرة والطاقة الإنتاجية الإضافية يمكن أن يؤدي لإبطاء عملية إعادة التسليح وقت الحرب. فليس بوسع الولايات المتحدة الإسراع في زيادة إنتاج صواريخ ستينجر لصالح أوكرانيا، على سبيل المثال، لأنه لم تعد هناك القوة العاملة المطلوبة لتحقيق ذلك.

ويشير براندز إلى أن المخزونات الأمريكية من الأسلحة الرئيسية أقل مما يتخيله المرء، ويرجع ذلك من ناحية إلى القيود على الإنتاج، ومن ناحية أخرى لأن معظم ميزانية البنتاغون التي تبلغ نحو 750 مليار دولار يتم توجيهها للقوة العاملة والرعاية الصحية وأمور أخرى غير الرصاص والقنابل. ويجب عدم الاعتقاد بأن بوسع أمريكا في أي حرب طويلة أن تنتج بلا عناء ما تحتاج إليه للانتصار.

ويضيف أنه مع ذلك لا يمكن القول إنه ليس هناك حل للمشكلة. فمن الممكن أن تساعد في حلها الاستثمارات الكبيرة في القاعدة الصناعية العسكرية والمزيد من شراء وتخزين الذخائر الرئيسية. ويمكن أن تكون لدى الحلفاء الرئيسيين، مثل اليابان، القدرة على مساعدة الولايات المتحدة على زيادة الإنتاج في مجال بناء السفن وغيره من المجالات. وعموماً، فإن الحروب الصغيرة تعطي صورة لما سيحدث في الحروب الأكبر. ومن ثم فإن حرب أوكرانيا تكشف ما سيحتاج إليه الأمر لكي تظل ترسانة الديمقراطية على مستوى المهمة.