الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

«أسير الماضي».. مؤرخ بريطاني يقرأ ما يدور في عقل بوتين

«أسير الماضي».. مؤرخ بريطاني يقرأ ما يدور في عقل بوتين

أنطوني بيفور واحد من أكبر المؤرخين العسكريين حيث خدم كضابط في الجيش البريطاني لفترة وتمركز في ألمانيا.

يرى المؤرخ البريطاني الشهير، أنطوني بيفور، أن روسيا هي «أسيرة ماضيها»، وأن التصعيد العسكري الروسي في أوكرانيا يذكره بالهجمات العسكرية السوفيتية. ويعد أنطوني بيفور، من مواليد 1946، من أكبر المؤرخين العسكريين، حيث خدم كضابط في الجيش البريطاني لفترة وتمركز في ألمانيا. وألف 12 كتاباً في التاريخ، و4 روايات منذ عام 1975. وركز في عدد من كتبه على التاريخ العسكري الروسي والسوفيتي. ويستعد لنشر كتابه الجديد «روسيا: الثورة والحرب الأهلية 1917-1921» في سبتمبر المقبل.

وقال بيفور في حوار مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية أنه لا توجد دولة أسيرة لماضيها مثل روسيا، وإن الرئيس الروسي بوتين لديه رؤية مشوهة للتاريخ. فقد ساهم هوسه بـ«الحرب الوطنية العظمى» في تكرار غريب لأخطاء الماضي، وأن روسيا بوتين اليوم ليست امتداداً للاتحاد السوفيتي، كما أن الجيش الروسي اليوم لم يعد الجيش الأحمر، ما يجعل المقارنة أكثر إثارة للاهتمام. لأن كليهما متأثر بشدة بالماضي. وأشار إلى أنه لم يؤدِّ هوس بوتين إلى تحريف خطابه السياسي بتناقضات ذاتية غريبة فحسب، بل أثر أيضاً على نهجه العسكري. ومن الواضح أنه لا يزال يرى الدبابة كرمز وسلاح عظيمين للقوة منذ أيام الانتصار السوفيتي، على الرغم من أنها أثبتت بالفعل ضعفها بشدة أمام الطائرات بدون طيار والأسلحة المضادة للدبابات اليوم في ليبيا وحتى في ناغورني كاراباخ. وأضاف: «لقد نسى بوتين، بشكل مثير للدهشة، الدروس الرئيسية من معركتَي ستالينجراد وبرلين، في أبريل 1945، أرسل المارشال جورجي جوكوف، تحت ضغط شديد من ستالين، جيوش دباباته إلى برلين دون دعم من المشاة. ولم ترتكب قوات بوتين الخطأ نفسه فحسب، بل إنها نسخت الطريقة التي ربطت بها جيوش دبابات الحرس أجزاءً غريبة من الحديد، على أبراجها على أمل أن يؤدي ذلك إلى تفجير الأسلحة المضادة للدبابات».

إخفاء الحقيقة

وقال إن الأخطاء الفادحة التي ارتكبت في الحرب الأوكرانية ليست مجرد تكرارات من الحرب العالمية الثانية. وإن الطريقة التي قيل بها لقوات بوتين إنه سيتم الترحيب بهم كمحررين في أوكرانيا تذكرنا بغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968، عندما اكتشفت قوات حلف وارسو أنهم قد كذبوا عليهم. ثم نفد الطعام والوقود وانهارت الروح المعنوية. وأكد أنه يمكن لسيطرة بوتين على وسائل الإعلام المحلية أن تخفي الحقيقة عن ما يقرب من 80% من السكان الروس، لكن مجنديه الذين أُجبروا الآن على توقيع عقود جديدة لتحويلهم إلى متطوعين، يدركون تماماً الواقع.

وفي سؤال حول وحشية بوتين وهل تعد مماثلة لوحشية ستالين؟ نوه بيفور إلى أن معاملة بوتين لشعبه قاسية مثل معاملة أعدائه، وهو تذكير مخيف بستالين، حتى إن الجيش أحضر محرقة جثث متنقلة للتخلص من الجرحى لتقليل عدد أكياس الجثث عند العودة إلى الوطن. وتطرق إلى أن عقلية بوتين «المشوهة والمهووسة بالحرب المنتصرة»، قلبت كل شىء رأساً على عقب، حيث إنه يصور الأوكرانيين بشكل غريب على أنهم نازيون ولدوا من جديد ويحتاجون إلى القضاء عليهم وإعادة تعليمهم. وحول سؤال للمجلة عن هل ربما استنتج بوتين من تاريخ الجيش الأحمر أن الجيش غير الإنساني هو قوة قتالية أفضل؟ وأن هناك الكثير مما يوحي بأن الفظائع في مدينة بوتشا وأماكن أخرى هي جزء من الخطة. أكد بيفور أن بوتين يريد أن يخاف منه الآخرون مثل ستالين وهتلر. وقال: «بوتين مصمم على أن إرثه يجب أن يكون إعادة بناء الإمبراطورية الروسية كما كانت خلال الحقبة السوفيتية. واقتناعاً منه بأن الغرب الليبرالي منحط وضعيف، كان يعتقد أن الصدمة والرعب سيحققان غاياته. وكان هذا بالضبط ما اعتقده هتلر عام 1941 قبل غزو الاتحاد السوفيتي، عندما قال: "اركل الباب وسينهار الهيكل الفاسد بأكمله". وأكد بيفور أن هذه هي العقلية الخاطئة للديكتاتور أكثر من تلك الخاصة بالجنرال المحترف، وفي كلتا الحالتَين، أثارت الفظائع مقاومة أكثر شراسة، وليس الاستسلام.

إقرأ أيضاً..الهند وباكستان.. أين موقعهما في صراع المعسكرين الشرقي والغربي ؟

نقاط ضعف

وعن وصفه في كتبه العديد من المفاهيم التاريخية الخاطئة حول نقاط ضعف الروس، وهل يمكن أن يقع العالم في فخ مشابه في نزاع أوكرانيا؟ أكد بيفور أنه لن يحدث ذلك؛ لأن هناك اليوم صورة أوضح بكثير لجيش بوتين مما كانت عليه المخابرات الألمانية عن الجيش الأحمر في يناير 1945. وقال إن الجيش الروسي الحالي ليس محترفاً باستثناء بعض التشكيلات بداخله، لأنه يعتمد إلى حد كبير على عدد كبير من المجندين الضعفاء نفسياً، وهناك آلاف من حالات الانتحار السابقة للجنود الروس، على الرغم من أن بوتين أنفق الأموال على القوات المسلحة لتحسينها منذ الغزو الفوضوي لجورجيا عام 2008، إلا أن النتيجة لم تكن مثيرة للإعجاب. وأكد أنه على سبيل المثال، ثبت أن نظام الاتصالات الجديد في ساحة المعركة يمثل كارثة. وقد أجبر هذا الضباط الروس على التواصل عبر الهاتف الخلوي بدلاً من ذلك، واستفادت القوات الأوكرانية كثيراً نتيجة لذلك. وأثبتت العديد من الأنظمة الأخرى أيضاً عدم فعاليتها، وفي كثير من الحالات؛ وذلك بسبب الفساد المستشري في نظام شراء الأسلحة بأكمله. وقد تم تجاهل الإمدادات والخدمات اللوجستية كأولوية بينما تم تحويل الأموال إلى مشاريع مرموقة مثل دبابات ذات التقنية العالية، والتي لا يمكن أن تفعل الكثير سوى التباهي بها أمام العالم. وفيما يتعلق بوجود أي محاسبة على أخطاء ومظالم الجيش السوفيتي، قال بيفور «لم يكن هناك حساب: لا إعادة تقييم، ولا محاكم للفظائع المرتكبة ضد المدنيين أو السجناء. كانت الشرطة السرية السوفيتية تعمل بدوام كامل في التعامل مع من يسمون بـ"الخونة" الذين استسلموا للألمان، بينما كانت وكالة الاستخبارات السوفيتية تعتقل الضباط والجنود الذين انتقدوا القيادة السوفيتية، والآن يعلم بوتين جيداً أن أوكرانيا الناجحة والحرة تشكل تهديداً لنظامه أيضاً.

عنف الأنظمة

وحول ما ذكره الكاتب الروسي الشهير، فاسيلي غروسمان، الذي كتب عنه مرة بأنه «لقد أثبت العنف الشديد للأنظمة الشمولية أنه قادر على شل الروح البشرية في جميع أنحاء القارات». وهل يرى تهديداً مشابهاً اليوم، قال بيفور، إن الغرب الليبرالي يواجه الآن تراجعاً، وربما انهياراً، وأنه احتمال أن تكون المقاومة البطولية لأوكرانيا هي الأمل الوحيد في أننا سوف ندرك في الوقت المناسب مخاطر الانزلاق العام نحو الاستبداد في عالم ذو ثنائية جديدة بين كتلتَين قويتَين تواجهان بعضهما البعض: واحدة مع الحرية والليبرالية وأخرى بدونه.