الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

مواقع التواصل والحرب الأوكرانية..من يتحكم في سلاح الردع الفضائي؟

مواقع التواصل والحرب الأوكرانية..من يتحكم في سلاح الردع الفضائي؟

صورة بثها ناشط في مدينة لفيف لـ 109 عربات أطفال خالية في إحدى الساحات لتمثيل الأطفال الذين قُتلوا في الحرب.

صراعات في الظل بين الحكومات والمؤسسات الخاصة على حق الملكية

تهدد الحياة الحزبية، وبدا ذلك واضحاً خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة

الحزب الشيوعي قرر ردعها بعدما أدرك قدرتها على تشكيل خطر على النظام الصيني

أخذت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا لقب أول حرب على السوشيال ميديا، إذ جاء استخدامها خلال الحرب للمرة الأولي من قبل الممثلين السياسيين الذين يشاركون في تحديث الأخبار عبر منصة تويتر مروراً بالمشاهير والمؤثرين، وحتى الأشخاص على الأرض في أوكرانيا الذين يشاركون تقارير في الوقت الفعلي من الخطوط الأمامية باعتبار أن لديهم مقعداً أمامياً إعلامياً للحرب. وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً رئيسياً للمعلومات للجمهور المتعطش للأخبار في جميع أنحاء العالم الذين يحاولون فهم الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ أصبح من السهل أكثر من أي وقت مضى رؤية كيف تستخدم الدول الاتصال الجماهيري كسلاح، لا سيّما في النزاعات غير المتكافئة - مثلما يحدث في أوكرانيا- إذ باتت حسابات السوشيال ميديا سلاحاً مفيداً ضد خصم يمتلك العديد من الأسلحة والدبابات. قد لا تكون وسائل التواصل الاجتماعي وحدها قادرة على إحداث تغيير واسع النطاق، لكنها بلا شك يمكن أن تلعب دوراً، وبدأت كل من الدولتين في تجييش الرأي العام عبر السوشيال ميديا، الأمر الذي تفوقت خلاله أوكرانيا على روسيا، إذ أثارت لقطات بثها ناشط سلام في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا عن 109 عربات أطفال خالية في إحدى الساحات لتمثيل الأطفال الذين قُتلوا في الحرب مع روسيا، والتي أصبحت بعد ساعات متاحة للملايين على هواتفهم، الأمر ذاته قام به عازف تشيلو بأداء «جناح باخ الكئيب» في أحد شوارع خاركيف، حيث كان الحطام والواجهة الخالية من النوافذ لمبنى متضرر بمثابة الخلفية له.

ذخيرة قوية

باتت تلك اللقطات وغيرها ذخيرة قوية في حرب المعلومات التي تنتشر على السوشيال ميديا بالنسبة للبعض، إذ أصبحت الرسائل ساحة معركة حاسمة تكمل أداء الجيش الأوكراني على الخطوط الأمامية المادية، حيث تنتشر الصور والمعلومات على وسائل التواصل المختلفة، حتى أصبحت حسابات االسوشيال ميديا الخاصة بأحد المستشفيات بمثابة توثيق مستمر لحصيلة المصابين مع المغالاة في تفاصيل الإصابات لتصوير معاناة أولئك الذين علقوا في الحرب. وقال أستاذ الاقتصاد والسياسة الدولية بجامعة السوربون، دكتور كميل الساري، إن بعض الدول الكبري لا تستطيع إيقاف غزو السوشيال ميديا، باستثناء محاولات من جانب الصين بفرض أنظمة إلكترونية خاصة بها، لافتاً إلى أن الحزب الشيوعي الحاكم قرر ردع السوشيال ميديا بعدما أدرك قدرته على تشكيل خطر على النظام الصيني، إذ يري الحزب أن السوشيال ميديا يمكن أن تكون حكماً مضاداً للخط الذي سطره الحزب ما دفعهم للحد من نفوذها، مشدداً على أن السوشيال ميديا تشكل خطراً على بعض الأنظمة، لا سيّما الدكتاتورية، بدليل ما رأيناه خلال الإطاحة بالرئيس الجزائري السابق، عبدالعزيز بوتفليقة، الأمر الذي لم يكن ليحدث في الماضي، لصعوبة تجمع تلك الأعداد عبر الوسائل المتاحة حينها من منشورات وخلافه.

وأكد أن السوشيال ميديا باتت تهدد الحياة الحزبية، ما بدا واضحاً خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، إذ لم تعد الأحزاب القوية تستطيع وحدها السيطرة على المشهد وحصد الأصوات، بدليل قدرة المرشح «جين لاسال» من حصد 3.1% من الأصوات بمفرده أمام الحزب الاشتراكي العتيق عبر استخدام السوشيال ميديا وبعض البرامج التلفزيونية، عكس ما كان يحدث في السابق عندما كانت الأحزاب من تهيمن على الانتخابات من خلال الدفع بمرشحيها من المناضلين والمنخرطين في الحياة السياسية.

التحريض على الكونغرس

وشدد على أن السوشيال ميديا ليس لها حدود، لافتاً إلى أنها سلاح يستطيع القضاء على الأنظمة، إذ إنها قادرة على تجميع حراك شعبي في بلد ما، لكنها لا تضمن تأثير هذا الحراك، لافتاً إلى عدم قدرة الدول الكبري في السيطرة على تلك الوسائل، بدليل حظرها للرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب بعد هجومه الواضح عليها، بحجة التحريض على الهجوم على الكونغرس، رغم أن القائمين على تلك المواقع ليس لديهم السلطة الكافية والشرعية لحسم تلك القضايا، مشيراً إلى استخدامهم سياسة الكيل بمكيالين، إذ عندما ظهرت أصوات مطالبة بقتل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ظهر تصريح لأحد مالكي تلك المواقع يؤكد خلاله أنه يقف ضد العنف، غير أنه مع التعبير بحرية فيما يخص ما أسماه بالديكتاتور الروسي، متسائلاً “بأي معنى يمكن لمدير إحدى قنوات اتصال السوشيال ميديا حظر شخص وترك شخص آخر؟”.

وأشار إلى وجود عديد من الأصوات تتعالى يومياً تطالب بتفكيك السوشيال ميديا، وألّا تبقى تحت سيطرة الشركات الخاصة، لا سيّما مع نفوذها المتزايد وعدم خضوعها إلى قوانين أو برلمان أو حتى رئيس منتخب، إنما تخضع لبعض المصالح الكبرى فحسب، مؤكداً على خطورة هيمنة تلك الشركات على فكر المستخدم لتحقيق هدف واحد وهو الربحية دون النظر إلى الوسائل لتحقيق هذا الربح.

وأشار إلى أن السوشيال ميديا ليست الوحيدة التي تغطي الحرب الأوكرانية، إذ هناك عديد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية والعربية تقوم بالشيء ذاته، لافتاً إلى أن التلفزيون لعب دوراً، غير أن دور السوشيال ميديا كان الأقوى والأكثر انتشاراً باعتبارها متنقلة مع المستخدم، ولا تحتاج الارتكاز في نقطة محددة، مشيراً إلى صعوبة الجزم بصوابية طرف وعدم صوابية الطرف الآخر، لا سيّما مع استعداد الجميع للتضليل من أجل حصد المكاسب، لافتاً إلى أن الدول الغربية التي تدّعي الديمقراطية انساقت بشكل ما وراء تلك «البروباجندا» لانتقاد روسيا دون النظر إلى الانتهاكات الأوكرانية بحسب «الساري».

سلاح عابر للحدود

في السياق ذاته أكد الخبير في العلاقات الدولية، سامي المرشد، أن تأثير السوشيال ميديا أصبح عابراً للحدود، لافتاً إلى أنها مثل أي وسيلة أخرى يمكن أن تستخدم في نشر الخير أو في نشر الإرهاب والقلاقل وقلب نظم الحكم، غير أن نقطة الضوء تكمن في إتاحتها للجميع، فكما هي متاحة للدول الكبرى متاحة إلى باقي دول العالم، مشيراً إلى أن الأمر هنا يتوقف على قدرة الدول التقنية والبشرية وتطوير أنظمتها للأمن السيبراني، لافتاً إلى وجود وسائل دفاع إلكترونية شأنها شأن السبل الدفاعية الأخرى تتبعها الدول لمنع سوء استخدام تلك الوسائل السريعة والعالمية. وشدد على قوة تأثيرها الدولي، غير أن هذا التأثير على الجميع، إذ كما تستطيع دول استخدامها ضد أخرى، تستطيع الدول الأخرى صد تلك الهجمات أو الرد بهجوم مماثل، لافتاً إلى أنها كما استخدمت خلال الربيع العربي للإطاحة ببعض الأنظمة استخدمت بالمثل للكشف وفضح مخطط هؤلاء المنتفعين من تلك الاضطرابات، وأصبحت وسيلة إيجابية للحفاظ على الأمن والاستقرار. وأكد أن أوكرانيا نجحت بلا شك في استخدام السوشيال ميديا إعلامياً بشكل أكبر من روسيا، خاصة مع وقوف أكبر 30 دولة في العالم في تلك التقنيات إلى جانب أوكرانيا، مشدداً على أن من الطبيعي انتصار أوكرانيا إعلامياً بسبب وقوف الناتو إلى جوارها بكل إمكانية، لافتاً إلى أن الإعلام سلاح الحرب الأول، لافتاً إلى اتباع تلك الدول نفس النهج خلال الحرب الباردة والتي استطاعت خلالها تفكيك الاتحاد السوفيتي دون استخدام طلقة واحدة عبر الإعلام والاقتصاد، مشيراً إلى تشابه النتائج مع اختلاف الوسائل من تقليدية إلى حديثة.

إقرأ أيضاً.. 5 تحديات «لا تقبل التأجيل» أمام ماكرون

الضرب في الظلام

إلى ذلك أشار المحلل السياسي، والمترجم أيضاً لدى الأمم المتحدة، أحمد عبدالمطلب، أن الحكومات في حاجة إلى السوشيال ميديا لترويج أفكارها، بدليل تواجد حسابات شخصية لكافة الرؤساء واهتمامهم بمشاركة متابعيهم بكتابات من أجل توجيه الرأي العام في اتجاه محدد أو كسب تأييد تجاه قضية ما، مشدداً على أن تلك المواقع لديها توازنات وانحيازات، بدليل حظر ترامب الذي لم يكن لأسباب أعلنوها من خلق بيئة آمنة للأعضاء وخلافه، بل الانحيازات لديهم. وأضاف أن السوشيال ميديا أصبحت جزءاً هاماً من حياتنا، إذ أصبح لديها تأثير فعّال لترجيح كفة على حساب الآخرين خلال الحرب الأوكرانية مشيراً إلى أن عدم وجود السوشيال ميديا يمكن أن يؤدي إلى تجهيل بالقضية، ويحقق الفوز لروسيا متابعاً: “الضرب في النور غير الضرب في الظلام”.

وشدد على أن السوشيال ميديا أصبحت سلاحاً في حد ذاتها، ولن تسمح بسيطرة حكومات عليها، لا سيّما أن ذلك يهدد مكاسبهم الاقتصادية والسياسية أيضاً، منوهاً بإمكانية عزوف الأفراد عن الاشتراك فيها إذا ما خضعت لسيطرة الحكومات، مشيراً إلى أن السوشيال ميديا باتت تؤثر في أخطر الأنظمة الاقتصادية العالمية (الدواء - البترول- البورصات) الأمر الذي يزيد من حدة الصراع بين مالكيها والحكومات في سبيل وضع آلية للسيطرة عليها.