الخميس - 09 مايو 2024
الخميس - 09 مايو 2024

خطة عسكرية تتجاوز «الخطوط الحمراء» لدعم أوكرانيا

خطة عسكرية تتجاوز «الخطوط الحمراء» لدعم أوكرانيا

دعم الجيش الأوكراني بأسلحة وذخيرة نوعية أمريكية

واشنطن تعيد هيكلة فريق الاستجابة السريع الخاص بطلبيات السلاح

إرسال طائرات مسيرة برأس حربي تستخدم لمرة واحدة وتنفجر في الهدف

توقعات باتساع المواجهات نتيجة للانخراط الأمريكي والغربي المتزايد في الحرب

بعد مرور نحو شهرَين على الحرب الروسية – الأوكرانية، بدأت علامات التحول والتغير في الخطة العسكرية الأمريكية، وخطة حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، في التعامل مع روسيا. فقبل نشوب الحرب، وبعد مرور الأسابيع الأولى منها، كانت واشنطن وحلفاؤها الغربيون يلتزمون الحرص والحذر الشديدَين، في نوعية وكمية الأسلحة التي كانت ترسل إلى أوكرانيا، وتمحورت كل التصريحات والمواقف الأمريكية حول الدفاع عن كل شبر من أراضي «الناتو» وليس الأراضي الأوكرانية.

ولم تكتفِ الولايات المتحدة بالنأي بالنفس عن الأفكار التي دعت لإرسال طائرات عسكرية، أو أنظمة دفاعية لأوكرانيا، بل رفضتها بشكل كامل، كما هو الحال مع المقترح البولندي لإرسال طائرات سوخوي لأوكرانيا، واقتصرت مساعدات الناتو لكييف على صاروخَي ستينغر، وغافلين، لدرجة أن واشنطن أصبحت في ورطة نتيجة لإرسال نحو ثلث هذه الصواريخ إلى أوكرانيا في وقت قصير، دون القدرة على تعويضها، وفق وكالة بلومبيرغ

مسح الخطوط الحمراء

لكن مع صمود الجيش الأوكراني، وعدم سقوط كييف أو نظام الحكم فيها، وقدرة القوات الجوية الأوكرانية على الحفاظ على بقائها في المعركة، وعدم تحقق السيادة الجوية للطيران الروسي، وانسحاب الجيش الروسي من مناطق الوسط والشمال، مثل شيرنهييف ومحيط كييف، وصولاً إلى الحدود الأوكرانية - البيلاروسية، ومع بقاء نحو 45 ألف جندي أوكراني في دونباس حتى الآن، وفق تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كل هذه العوامل دفعت واشنطن وكل حلفائها، خاصة في الجناح الشرقي لحلف الناتو إلى إزالة الخطوط الحمراء التي رسمتها لنفسها منذ بداية الحرب، وأصبحت اليوم تعمل وفق استراتيجية مختلفة وأكثر جرأة، فما هي تفاصيل هذه الاستراتيجية؟ وهل تغيرت الأهداف الأمريكية في الحرب الروسية - الأوكرانية؟، وما هي حسابات الكلفة والخسائر في هذه الاستراتيجية الجديدة؟.

طائرات ودبابات سوفيتية

تقوم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على دعم الجيش الأوكراني بأسلحة وذخيرة نوعية وهجومية ثقيلة، كانت ترفض إرسالها في السابق، حين كانت تخشى من توسع الحرب، إذا استهدفت روسيا الدول التي سوف ترسل منها هذه الأسلحة، مثل بولندا وسلوفاكيا، لكن الولايات المتحدة سمحت لسلوفاكيا وبولندا، وغيرهما من الدول، التي لديها أسلحة سوفيتية، أن ترسلها لأوكرانيا.

فعلى سبيل المثال، سمحت واشنطن لسلوفاكيا بإرسال منظومات دفاعية روسية من طراز (S-300) ومن إنتاج عام 1987، وعوضتها الولايات المتحدة عن هذه المنظومات بمنحها 4 منظومات دفاعية أمريكية من طراز «باترويت»، وفق وزير الدفاع السلوفاكي ياروسلاف ناغي، وهو ما يمثل تطوراً كبيراً وخطيراً، سوف يحد من حرية الطائرات الروسية في قصف الأهداف الأوكرانية.

كما أعادت وزارة الدفاع الأمريكية هيكلة فريق الاستجابة السريع الخاص بطلبيات السلاح، ليقوم بتسريع تسليم أنظمة دفاعية، كانت واشنطن تتردد في إرسالها لأوكرانيا في السابق، وهذه الأنظمة تهدف لإسقاط الطائرات المسيرة الروسية، وفق تقرير لوكالة رويترز، التي قالت إن الإدارة الأمريكية تكثف جهودها لتعطيل أو إسقاط الطائرات الروسية بدون طيار، كما أعلن الرئيس جو بايدن في 14 أبريل الجاري، عن إرسال أسلحة فتاكة ترسل لأول مرة لأوكرانيا، قائلاً «سوف نقدم حزماً جديدة من المساعدات العسكرية تشمل الآليات المدرعة والمدفعية.. ومعدات فعالة جداً، قمنا بتسليمها تتضمن خصوصاً أنظمة مدفعية وآليات نقل مدرعة»، وكلها أسلحة ومعدات ثقيلة كانت تطلبها أوكرانيا منذ بداية الحرب، لكن بايدن كان يرفض في السابق وبشدة.

ولم تتوقف دول الناتو عند هذا الحد بل تستعد لتسليم أوكرانيا أسلحة ثقيلة ونوعية، بعد الاتفاق الذي جرى بين وزراء خارجية الحلف في اجتماع 8 أبريل الجاري، وفق ما نقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، وما يضاعف من تلك الخطوات الجريئة من الناتو، أن القرار لا يشمل تسليم أوكرانيا أسلحة سوفيتية فقط، بل أسلحة حديثة موجودة بالفعل لدى دول الناتو، وفق وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، التي قالت بعد اجتماع وزراء خارجية الناتو «اتفقنا على تزويد أوكرانيا بمعدات جديدة وأثقل، كما وافقنا على مساعدة القوات الأوكرانية على الانتقال من معداتها التي تعود إلى الحقبة السوفيتية إلى معدات الناتو الحديثة».

مروحيات و«كاميكازي»

وفي أجرأ خطوة منذ نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية، قررت الولايات المتحدة إرسال طائرات مسيرة برأس حربي، تستخدم لمرة واحدة وتنفجر في الهدف، وهي ما يطلق عليها طائرات انتحارية «كاميكازي» بنوعيها Switchblade 600 وSwitchblade 300، وفق ما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، وهو ما أقرت به بعد ذلك مساعدة وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الأمن الدولي، سيليست والاندر في شهادتها أمام لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي، عندما قالت "إن الولايات المتحدة قامت بإرسال 100 نظام من طائرات Switchblade إلى أوكرانيا"، كما بدأت الولايات المتحدة برنامجاً لتدريب الجيش الأوكراني خارج الأراضي الأوكرانية، على تلك الأسلحة، بعد أن سحبت مستشاريها العسكريين من أوكرانيا، خوفاً من اندلاع حرب مباشرة مع روسيا. كما تعتزم إدارة بايدن، تزويد أوكرانيا بمروحيات هليكوبتر من طراز (MI-17)، وهي مروحيات قتالية قادرة على حمل صواريخ جو – أرض، لتنفيذ عمليات هجومية ضد آليات مدرعة روسية، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

الدبابات لمعركة دونباس

وتتوقع الولايات المتحدة وحلف الناتو، أن تكون المعركة الرئيسية في إقليم دونباس، الذي لم تستطع روسيا حتى الآن فرض السيطرة عليه بشكل كامل، وفي خطوة مدوية أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف ترسل دبابات سوفيتية، كانت لدى جيوش دول في حلف وارسو السابق، والتي انضمت إلى حلف الناتو، إلى الجيش الأوكراني ليستخدمها في معركة دونباس، جنوب شرق أوكرانيا. ورغم أن عدد هذه الدبابات لم يكشف عنه، إلا أن قرار وزراء دفاع حلف الناتو الأخير، بتسليح دول الجناح الشرقي للحلف، بأسلحة غربية حديثة، بدلاً من السلاح السوفيتي القديم، يقول إن غالبية هذه الدبابات السوفيتية لدى حلفاء واشنطن الأوروبيون يمكن أن يتم إرسالها لأوكرانيا.

إقرأ أيضاً..أوقات عصيبة.. مأزق آسيا جراء الصراع في أوكرانيا

المذكرة السرية وسيناريو 1941

ولا يشكك المسئولون الأمريكيون في أن الحرب يمكن أن تتوسع، نتيجة للانخراط الأمريكي والغربي المتزايد في الحرب الروسية – الأوكرانية، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، فالولايات المتحدة منذ عام 1941 ظلت تقدم الدعم العسكري للحلفاء دون الدخول المباشر في الحرب العالمية الثانية، التي لم يكن أمام واشنطن في النهاية إلا خيار الدخول فيها، والخوف من تكرار هذا السيناريو في الحرب الروسية – الأوكرانية، تجلى بوضوح مع إرسال موسكو مذكرة سرية، كشفتها الصحافة الأمريكية، واعترفت بها بعد ذلك موسكو وواشنطن، تحذر فيها روسيا من خطورة تزويد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لأوكرانيا بالأسلحة الجديدة.

المؤكد أن طبيعة ونوعية الأسلحة الجديدة من مروحيات ودفاع جوي وطائرات مسيرة، التي تقدمها واشنطن لأوكرانيا، تكشف عن تحول هائل وجرأة غير مسبوقة، من الانخراط الأمريكي في الحرب الروسية - الأوكرانية، لكن رغم ذلك لا تزال واشنطن تحافظ على بعض المسافات، من خلال معارضتها حتى الآن لمطالب كييف بفرض حظر جوي على الأراضي الأوكرانية، وكل هذا يمثل تأكيداً جديداً على أن الحرب عندما تبدأ لا يستطيع أحد أن يعرف متى أو أين تنتهي.