الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

مستقبل اليورو.. «ارتدادات الحرب» تهدد الاقتصاد الأوروبي

مستقبل اليورو.. «ارتدادات الحرب» تهدد الاقتصاد الأوروبي

الحرب الأوكرانية تنذر بإضعاف العملة الأوربية في مواجهة باقي العملات

زيادة أسعار الوقود تضغط بدورها على اليورو ليسير في اتجاه الهبوط

حقيقة صادمة ..11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي تتعامل بالروبل

فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا عقب إقدامها على عمليتها العسكرية في أوكرانيا، غير أن تلك العقوبات ارتدت بصورة ما على اقتصاد الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ظل فجوة الخلافات بين أعضائه في التعاطي الجيو اقتصادي مع روسيا تحت وطأة الصراع الأوكراني، الأمر الذي ينذر بإمكانية إضعاف عملة الاتحاد المشتركة في مواجهة باقي العملات الدولية، خاصة بعد أن فرضت روسيا على دول منطقة اليورو الدفع بالروبل مقابل الحصول على الغاز.

صدمات تضخمية

وقال رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية بجازان، دكتور عبدالرحمن باعشن، إن التداعيات المترتبة على الصراع الروسي الأوكراني تمتد إلى ساحات كبيرة من أنحاء العالم، وتتسبب بشكل مباشر في تعثر سلاسل الإمداد على اختلاف محتوياتها، غير أن تداعياتها على دول الاتحاد الأوروبي عامة أكثر إيلاماً وتأثيراً، مؤكداً أن اليورو يواصل التراجع مع إذكاء الصراع في أوكرانيا، بما يسبب صدمات تضخمية للاقتصاد الأوروبي، الأمر الذي يخلق حالة من الاضطراب ملموسة ومباشرة تتأرجح معها مستويات التكافؤ بين عملتي اليورو والدولار مع استمرار الصراع، مدللاً على ذلك بانخفاض اليورو بنسبة 4% منذ بداية الحرب. وأشار إلى أن انخفاض اليورو وصل خلال الأيام الماضية إلى أدنى مستوى منذ نحو 22 شهراً مقابل الدولار، بينما قفزت عملات السلع الأساسية إلى ذروتها في عدة أشهر، نتيجة الحرب، الأمر الذي نجم عنه ارتفاع أسعار النفط، الذي ربما يقود إلى صدمة تضخمية تضرب اقتصاد الدول الأوروبية عامة، منوهاً بأنه تلك الإجراءات ساهمت في هبوط اليورو بشكل متأرجح بما يصل إلى 1% في التعاملات الآسيوية (قابل للزيادة والنقصان)، في أدنى مستوى منذ مايو 2020، قبل أن يستقر حول 1.0882 دولار في وقت مبكر من التعاملات الأوروبية. وشدد على أن التوترات الجيوسياسية القائمة ساهمت بالضغط على العملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، لافتاً إلى أنه رغم أن مستويات التكافؤ مع الدولار ما زالت قريبة للغاية، إلا أن اليورو ما زال معرضاً للهبوط دونها طالما استمرت الأزمة الأوكرانية، بما يعرض الاتحاد لتضخم مرتفع وحاد، فضلاً عن زيادة أسعار الوقود التي ستضغط بدورها على اليورو ليسير في اتجاه الهبوط.

تحديات كبيرة

وأكد «باعشن» أن صناع السياسة النقدية في المركزي الأوروبي يحاولون تفادي تشديد السياسة النقدية لتحفيز الاقتصاد الأوروبي، بهدف حفاظ اليورو على مستوى مقارب من الدولار، إلا أن ثمة تحديات تواجه مستوى اليورو، تبرز في الخلافات الواقعة بين دول الاتحاد الأوروبي نتيجة تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، لاسيما بعد الرد الروسي على العقوبات الأوروبية بعقوبات من جهتها تتمثل في قطع إمدادات الغاز والطاقة من بعض دول الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أن هذا الواقع بات يؤثر بشكل مباشر في توحيد الرؤية الأوروبية الشمولية للعملة النقدية الأوروبية (اليورو) لأول مرة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، حيث بدأت بعض دول الاتحاد الأوروبي تتململ من محاولة قطع التعامل مع الغاز والطاقة من روسيا، ومن بين هذه الدول المجر التي أعلنت صراحة أنها لن تقاطع الغاز والطاقة من روسيا، في وقت حاولت فيه دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها تتحدث عن البحث عن البديل للغاز والطاقة من ورسيا، في حين ما زالت تتعامل معه.

وأوضح أن هذا النهج ينذر ببوادر اتخاذ قرارات فردية بعيدة عن الإجماع الأوروبي، الأمر الذي من شأنه أن يعقّد السياسات الأوروبية التحفيزية، وينذر بمزيد من الضغط على اليورو، بما ينعكس سلباً وبشكل قوي ليس على مستوى تكافؤ اليورو مع الدولار فحسب، وإنما يؤثر بشكل غامض على مستقبل العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، في ظل ارتفاع تكاليف الطاقة وتعثر المشاريع بمختلف مجالاتها، مشدداً على أن مستقبل اليورو يظل إحدى مهددات العملة الأوروبية الموحدة ووحدة الدول الأوروبية، مشيراً إلى أن استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية في ظل غياب رؤية سياسية تفاوضية تنهي الصراع بين موسكو وكييف، فضلاً عن الانقسام في الموقف الأوروبي الذي يحاول أن يتماسك مقابل فرض المزيد من العقوبات المتشددة على روسيا، يفرز حالة من تصدع التكتل في ظل غياب خطة أوروبية طويلة الأمد، ما يعني في نهاية المطاف أن الاتحاد الأوروبي يواجه معضلة خطيرة مع مضي أي يوم على الحرب الروسية- الأوكرانية القائمة، متابعاً: «هذا الأمر يجعل مستقبل اليورو على كف عفريت».

إقرأ أيضاً..نووي إيران | البيت الأبيض ينفي «التقييم السري»..والشيوخ يطلق قنبلة صوت

صراع الروبل واليورو

ويرى منسق العلاقات العربية - الأوروبية بالبرلمان الألماني، عبدالمسيح الشامي، أن تأثر اليورو بالصراع الأوكراني أمر حتمي، حتى وإن كان بدرجة أقل من الدولار، لا سيما مع ظهور مستجدات على النظام المالي العالمي تتمثل في صعود الروبل بعد أن نجحت روسيا بشكل أو بآخر في فرضه كعملة عالمية للتعامل التجاري، لافتاً إلى أن هناك ما يقرب من 11 دولة من دول الاتحاد الأوروبي تتعامل بالروبل حالياً رغم عدم إعلان 9 دول من بينهم ذلك الأمر، معتقداً بدخول الروبل ضمن العملات العالمية بشكل فعلي. وأضاف أن فرض الروبل بالقوة على أهم الاقتصادات العالمية -الاتحاد الأوروبي- فضلاً عن إمكانية اتباع دول أخرى ذات النهج فيما يخص فرض عملتها المحلية في التبادل التجاري العالمي بينها الصين والسعودية على سبيل المثال، جعل الروبل في وضع ربما أفضل من الدولار حتى وإن لم تظهر تداعيات فرض الروبل في الوقت الراهن، غير أن في المستقبل القريب سيصبح عملة مهمة للغاية بالنظر لأن الدولار في هبوط والروبل في صعود، الأمر الذي سينعكس بدوره بصورة سلبية على باقي العملات ومن بينها اليورو. وأكد أن وضع العملات تغير عما كان عليه قبل الصراع، إذ لم يعد التبادل الاقتصادي والتجاري بين دول العالم يقتصر على الدولار واليورو، بما يؤكد أن تراجع اليورو أمر حتمي نتيجة المستجدات الدولية، متابعاً أنه «عندما تفرض بعض الدول الأخرى التعامل بعملتها المحلية مع دول أخري فإن ذلك من شأنه أن يشغل مساحة كانت يشغلها الدولار واليورو في السابق، لذا فإن دخول عملات جديدة على السوق العالمية تسحب البساط من تحت قدم العملات التقليدية وبالتالي تضعف من قوتهم السابقة».

أزمات عدة

بدوره، أشار الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي، الدكتور كريم العمدة، إلى أن الاتحاد الأوروبي ليس في أحسن أحواله، لافتاً إلى أن عملة الاتحاد الأوروبي الموحدة نتيجة الاتحاد النقدي بين دول الاتحاد تواجه أزمات لا يمكن حصرها في الأزمة الأوكرانية الراهنة، إذ ساهمت عوامل عدة في إضعاف اليورو بداية من الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في سبتمبر 2008، مروراً بأزمة الديون الأوروبية التي كانت بطلتها اليونان ومن ثم بدأت تتبع دول أوروبية أخرى نهج الإسراف في الديون بينها إسبانيا، البرتغال، وإيطاليا، ما زاد من ديون الاتحاد، وصولاً إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بشكل قاسِ، والذي أثر بشكل كبير على اليورو بمجرد ظهور نتائج الاستفتاء بالموافقة على خروج بريطانيا. وأضاف أن تلك المواقف والاتجاهات لدول الاتحاد ساهمت في إضعاف اليورو بشكل كبير، خاصة مع استمرار أزمة كوفيد-19 وتداعياتها الاقتصادية حتى الوقت الراهن، مشيراً إلى أن انعكاسات الأزمة الأوكرانية على اقتصاد منطقة اليورو بدأت منذ 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، واستمر حتى بداية العملية العسكرية الأخيرة في أوكرانيا، ما أثر على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي داخل دول الاتحاد، وتركه غير قادر بشكل كافٍ على مواجهة التحديات العالمية، مضيفاً أن رفع سعر الفائدة الأمريكية سيكون أيضاً له انعكاسات أيضاً على عملة الاتحاد الأوروبي.