السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

البحر الأسود.. ثروات اقتصادية هائلة وصراعات مستمرة

البحر الأسود.. ثروات اقتصادية هائلة وصراعات مستمرة

هل يمكن أن يغير الصراع الحالي المعادلات الاقتصادية في البحر الأسود؟

في مرحلة القطب الواحد، كان البحر الأسود يخضع بصورة شبه كاملة للتحركات الروسية من خلال سيطرة أسطول البحر الأسود الروسي على غالبية مياهه حتى عام 2004، عندما انضمت بلغاريا ورومانيا لحلف الناتو، والذي فاز بمساحات في 3 دول تطل على البحر الأسود، حيث سبق لتركيا أن انضمت للحلف عام 1952، وهنا بدأ ميزان القوة يذهب نحو الغرب، الذي حاول ضم أوكرانيا وجورجيا إليه عام 2008، الأمر الذي فجر الحرب الجورجية - الروسية، وخسارة جورجيا لجمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا.

فما الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية للبحر الأسود، الذي يرتبط بالبحر المتوسط عبر مضيقي الدردنيل والبسفور؟ وهل يمكن أن تغير الحرب الروسية - الأوكرانية المعادلات الاقتصادية في البحر الأسود؟

ثروات واعدة

أوضح دليل على الأهمية الاقتصادية للبحر الأسود، ما يعانيه العالم من تضخم ومشاكل في سلاسل الإمداد، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، التي تدور رحاها في محيط وحوض البحر الأسود. وبعد اكتشاف تركيا الغاز في البحر الأسود عام 2020، تأكدت الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، خاصة قرب الساحل الأوكراني، في الجزء الجنوبي الغربي ناحية مدينة أوديسا، وفي الجرف القاري لكل من رومانيا وبلغاريا.

ووفق مجلة فوربس الأمريكية، فإن الاحتياطات المؤكدة للغاز في البحر الأسود تصل إلى نحو 1.5 تريليون قدم مكعبة، بالإضافة إلى نحو 409 ملايين طن من النفط والمكثفات، خاصة في المناطق القريبة من شبه جزيرة القرم، وبحر أزوف.


ولا تقتصر الثروات على الطاقة، بل يضم البحر الأسود نحو 180 نوعاً من الأسماك، منها أسماك المكريل الشهيرة، التي تستوردها كثير من الدول العربية، كما يعد البحر الأسود هو الموطن الرئيسي لـ«كفيار بيلوجا»، وهو الأفخم في العالم، وقد وافقت الدول الغربية والولايات المتحدة في 2 نوفمبر عام 2005 على وقف استيراد كافيار بيلوجا الفاخر حفاظاً على سمكته من الانقراض في البحر الأسود.


وتنظر الدول ذات السواحل على البحر الأسود، إلى قاعه باعتباره زاخراً بالمعادن الثمينة، وفق دراسة أعدتها عام 2010 الجامعة المفتوحة الأوكرانية، والتي قالت إن البحر الأسود يضم كميات هائلة من المعادن النادرة، في مقدمتها المنغنيز والبلاتين والماس والقصدير والتيتانيوم. ووفق لتلك الدراسة، فإن المناطق القريبة من مصب نهر الدانوب وخليج بيرغاس وفارنا، غنية للغاية بالمعادن النادرة، التي تتسابق الدول العظمى لتأمين احتياجاتها منها، وليس هذا فقط، بل تعد شواطئ البحر الأسود، من أهم المنتجعات السياحية في شرق وجنوب أوروبا؛ مثل أوديسا واليتشوفسك ويوجني وخيرسون وسيفاستوبل وسوتشي على السواحل الشمالية، وبورغاس وفارنا في بلغاريا، وكونستانتا في رومانيا، وإسطنبول وسامسون وطرابزون في تركيا.

كما أن الدول ذات السواحل على البحر الأسود، من أكبر منتجي ومصدري القمح والحبوب في العالم، فعلى سبيل المثال وصلت صادرات أوكرانيا وروسيا لنحو 22% من التجارة العالمية للقمح في عام 2020-2021، وفق أرقام وزارة الزراعة الأمريكية. مكانة خاصة لروسيا وتعمل روسيا طوال تاريخها، سواء في العصر القيصري أو السوفييتي، أو حتى ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على تأمين أكبر ساحل لها على المياه الدافئة في البحر الأسود، فرغم السواحل الروسية الطويلة، فإن ساحلها وموانئها على البحر الأسود، هي الوحيدة التي لا تتجمد في الشتاء، وتعمل على مدى العام، وتمثل تلك الموانئ كمنفذ لتصدير المنتجات الروسية للعالم، في المقدمة منها ميناء نوفوروسيسك، الذي تأسس عام 1869، وميناء سيفاستوبول الذي سيطرت عليه روسيا عام 2014 من أوكرانيا.

كما أن خطة الكرملين المعلنة في 14 مارس الماضي، للسيطرة على الساحل الجنوبي لأوكرانيا، سوف تضيف مجموعة من الموانئ المهمة، منها موانئ ماريوبول وبرديانسك وسكادوفسك المطلة على بحر أزوف، وميناء خيرسون المطل على البحر الأسود. تحديد نتائج الصراع ووفق دراسة لمؤسسة «راند» الأمريكية، بعنوان «روسيا والناتو وأمن البحر الأسود» فإن الصراع بين موسكو والغرب سوف يتحدد في البحر الأسود، وربما يكون ذلك هو سبب عدم نجاح المفاوضات الروسية – الأوكرانية، لأن كل طرف لا يقبل الهزيمة أو التنازل في البحر الأسود، لذلك سارعت روسيا في الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا، بالسيطرة على جانبي بحر أزوف المتصل بالبحر الأسود، عن طريق خليج «كيرتش» الاستراتيجي.

اقرأ أيضاً.. الرئيس المصري يترأس اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة

وتضمن السيطرة الروسية على موانئ ماريوبول وأوديسا، مع سيطرتها السابقة على خيرسون، تحكمها بشكل كبير في البحر الأسود، وفق المتحدث باسم البحرية الفرنسية إريك لافو، لأن ذلك سوف يسمح لقواتها بتأمين تواصل لوجستي مباشر بين مقاتليها في منطقة دونباس وميناء نوفوروسييسك الشرقي، ولهذا تحاول الدول الغربية منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، التشكيك في قدرة روسيا على الاحتفاظ بالسيطرة على البحر الأسود، وإن البحر الأسود لم يعد تحت سيطرة الروس كما كان منذ قرون، وفق ما قاله وزير الدفاع البريطاني بن والاس.

تسيطر روسيا على البحر الأسود منذ القرن الـ18 بواسطة أسطول البحر الأسود الذي يتخذ من ميناء سيفاستوبول مقراً له، وتلقى هذا الأسطول ضربة موجعة شهر أبريل الماضي، بغرق الطراد «موسكفا»، وهو سفينة القيادة في أسطول البحر الأسود. ويوجد لروسيا حالياً نحو 20 سفينة عسكرية كبيرة في البحر الأسود، وفق بيان للمخابرات البريطانية، والتي قالت إن أهداف روسيا لا تقتصر على السيطرة على الموانئ الأوكرانية على ساحل البحر الأسود، بل تسعى موسكو لربط روسيا ومناطق دونباس وشرق وجنوب أوكرانيا بجمهورية «ترانسنيستريا» الانفصالية في مولدوفا، والتي تجاور الحدود الأوكرانية ومدينة أوديسا في الغرب.