وحتى إذا وضعت الحرب الأوكرانية أوزارها غداً، فلن تختف أزمة الأمن الغذائي في المستقبل المنظور دون تنسيق، حسب سارة مينكر مدير برنامج Grow Intelligence خلال جلسة خاصة عقدها مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص. ووفقاً لما نقلته عنها شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية، قالت مينكر: «الأزمة تتفاقم بشكل كبير، والعالم بات مهدَّداً بمجاعة غير مسبوقة».
وتعتمد الخبيرة الأمريكية في تقديراتها على آليات الذكاء الاصطناعي والبيانات العامة، التي تساهم في التنبؤ باتجاهات الإمدادات الغذائية، وتشير إلى أن «غزو روسيا لأوكرانيا لم يتسبب في أزمة الأمن الغذائي، وإنما أفضى إلى تفاقهما، لا سيّما أنها كانت موجودة من الأساس». وأضافت: «دون حراك عالمي عاجل ومنسق، فإننا نخاطر بقدر غير عادي من المعاناة الإنسانية والأضرار الاقتصادية». وفي حين يحتاج العالم إلى 800 مليون طن من القمح سنوياً، لا يوجد في مستودعات غلال الكرة الأرضية في الوقت الراهن سوى 270 مليون طن من القمح، ما يعني وصول العجز إلى 530 مليون طن، وبينما تحتكر مستودعات الصين وحدها نصف كمية القمح المتاحة عالمياً، تؤكد المؤشرات نضوب هذه الكمية في غضون عام على الأكثر. سفستيان أفيس، مدير نادي الفكر الزراعي «ديمتر»، والباحث في معهد (IRIS) الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية، قال من جانبه إن: «القمح على وجه الخصوص يتصدر النزاع حول العالم، وأسواق غلال العالم أوشكت على الانهيار، وعواقب ذلك وخيمة جداً وتفوق أي تصور».
تجميد الصادرات
وبعيداً عن التعاطي الكلاسيكي مع أزمة نقص الغذاء وتوابعها الوخيمة، عزت دوائر غربية الأزمة وتفاقهما إلى ما وصفته بـ«عناد الهيمنة»؛ فمن جهة يألو معسكر الغرب على تحجيم نفوذ موسكو منذ بداية احتلال شبه جزيرة القرم، واستقطاب دور الجوار الروسي عبر ضمها إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو». بينما تصرُّ روسيا على وقف الزحف الأمريكي في شرق أوروبا، وطالبت بضمانات أمنية تحول دون التصعيد. وإلى جانب تعويل فلاديمير بوتين على سلاح الطاقة، أشهر خلال الآونة ورقة حصار الموانئ الأوكرانية، لخلق أزمة غذائية ربما تفضي إلى استسلام داعمي أوكرانيا.
وحسب الـ«ديلي ميل»، وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رداً مناسباً على العقوبات المفروضة على بلاده حين فرض الأسطول الروسي حصاراً بحرياً على كافة موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، وهو ما حال دون تصدير القمح، والذرة، وزيت عباد الشمس إلى مختلف دول العالم. وأعربت مصادر في الأمم المتحدة عن تقديراتها بأن تجميد الحاصلات الزراعية والمواد الغذائية الأوكرانية يقود حتماً إلى مجاعة حتمية في 36 دولة، تأتي في طليعتها مصر، ولبنان، وقطر، وباكستان، وإندونيسيا، والأردن، وماليزيا، وتايلاند.
ورغم أنها طرف أصيل في تفاقم الأزمة، شرعت الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا في إجراء مباحثات حول كيفية استئناف تصدير القمح الأوكراني، إذ تؤكد البيانات الموثقة وجود ما يربو على 22 مليون طن من القمح والذرة في المستودعات الأوكرانية. ومن بين الاقتراحات التي جرى طرحها مرافقة السفن الحربية الأمريكية والغربية قوافل سفن نقل القمح والذرة لتأمين مغادرتها الموانئ الأوكرانية.
جزيرة الثعبان
الاقتراح الآخر الذي طرحه معسكر الغرب هو، حسب «نيويورك تايمز» الاعتماد على قطار بري لنقل القمح والذرة من أوكرانيا إلى غرب أوروبا؛ أو حتى الاعتماد على جسر جوي عبر طائرات شحن عملاقة لتنفيذ «المهمة الصعبة». لكن الدوائر التي طرحت العرض تراجعت عن شرح تفاصيله، لا سيّما في ضوء تدمير الجيش الروسي يوم السبت الموافق 21 مايو الجاري شحنة أسلحة ضخمة كانت في طريقها من الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى الجيش الأوكراني.
ووفقاً لمصادر الصحيفة الأمريكية، كانت هذه هي المرة الأولى التي يقصف فيها الجيش الروسي شحنات أسلحة أمريكية في طريقها لأوكرانيا. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إنه «جرى تدمير شحنة الأسلحة الأمريكية شمال غرب أوكرانيا قرب مدينة «زيتومير» Zhytomyr, وأن صواريخ بحرية روسية من طراز «كليبر» Kalibr cruise missiles أدت المهمة بنجاح ودقة متناهية». بينما أوضحت معلومات موازية أن الهجوم الروسي الذي يدور الحديث عنه استهدف محطة سكك حديد «مالين» Malin railway station الأوكرانية.
إقرأ أيضاً..زاديرا.. سلاح روسيا المعجزة هل حقاً «معيب»؟
عواقب مأساوية