الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

شبح المجاعة.. 530 مليون طن العجز العالمي للقمح سنوياً

شبح المجاعة.. 530 مليون طن العجز العالمي للقمح سنوياً

البيانات تؤكد وجود 22 مليون طن من القمح والذرة في المستودعات الأوكرانية

بفعل الحرب الروسية في أوكرانيا، بات العالم قاب قوسين أو أدنى من مجاعة في غضون 10 أسابيع فقط، فقبل اندلاع الحرب كانت أوكرانيا «سلة خبز» العالم، وصدّرت عبر موانئها شهرياً ما يربو على 4,5 مليون طن من الحاصلات الزراعية، وهو ما يعادل 12% من إجمالي صادرات القمح على مستوى العالم، و15% من صادرات الذرة، و50% من زيت عباد الشمس.

وحتى إذا وضعت الحرب الأوكرانية أوزارها غداً، فلن تختف أزمة الأمن الغذائي في المستقبل المنظور دون تنسيق، حسب سارة مينكر مدير برنامج Grow Intelligence خلال جلسة خاصة عقدها مجلس الأمن الدولي بهذا الخصوص. ووفقاً لما نقلته عنها شبكة «فوكس نيوز» الأمريكية، قالت مينكر: «الأزمة تتفاقم بشكل كبير، والعالم بات مهدَّداً بمجاعة غير مسبوقة».

وتعتمد الخبيرة الأمريكية في تقديراتها على آليات الذكاء الاصطناعي والبيانات العامة، التي تساهم في التنبؤ باتجاهات الإمدادات الغذائية، وتشير إلى أن «غزو روسيا لأوكرانيا لم يتسبب في أزمة الأمن الغذائي، وإنما أفضى إلى تفاقهما، لا سيّما أنها كانت موجودة من الأساس». وأضافت: «دون حراك عالمي عاجل ومنسق، فإننا نخاطر بقدر غير عادي من المعاناة الإنسانية والأضرار الاقتصادية». وفي حين يحتاج العالم إلى 800 مليون طن من القمح سنوياً، لا يوجد في مستودعات غلال الكرة الأرضية في الوقت الراهن سوى 270 مليون طن من القمح، ما يعني وصول العجز إلى 530 مليون طن، وبينما تحتكر مستودعات الصين وحدها نصف كمية القمح المتاحة عالمياً، تؤكد المؤشرات نضوب هذه الكمية في غضون عام على الأكثر. سفستيان أفيس، مدير نادي الفكر الزراعي «ديمتر»، والباحث في معهد (IRIS) الفرنسي للعلاقات الدولية والاستراتيجية، قال من جانبه إن: «القمح على وجه الخصوص يتصدر النزاع حول العالم، وأسواق غلال العالم أوشكت على الانهيار، وعواقب ذلك وخيمة جداً وتفوق أي تصور».

تجميد الصادرات

وتقاطعت التحذيرات الأمريكية والفرنسية مع هجوم الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي على روسيا، واتهامه رئيسها بالمسؤولية عن الأزمة، خاصة بعد حصار روسيا الموانئ الأوكرانية وتجميد تصدير الحاصلات الزراعية، ومنتجات غذائية مثل الأسماك، وزيت عباد الشمس. لكن زيلينسكي ودوائر أمريكية وغربية أُخرى، تجاهلت مع تلك التحذيرات «ضغوطات العقوبات التي يمارسها الغرب يوماً بعد آخر على روسيا». وحسب «لوفيغارو» الفرنسية «تدفع الإنسانية ثمناً غالياً لصراع القُوى القائم بين معسكر الغرب والولايات المتحدة من جهة، ومعسكر الشرق وروسيا من جهة أخرى. ولا بدَّ من تفادي الأزمة عبر الاحتكام إلى لغة العقل، وتراجع الجميع خطوة إلى الخلف».

وبعيداً عن التعاطي الكلاسيكي مع أزمة نقص الغذاء وتوابعها الوخيمة، عزت دوائر غربية الأزمة وتفاقهما إلى ما وصفته بـ«عناد الهيمنة»؛ فمن جهة يألو معسكر الغرب على تحجيم نفوذ موسكو منذ بداية احتلال شبه جزيرة القرم، واستقطاب دور الجوار الروسي عبر ضمها إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو». بينما تصرُّ روسيا على وقف الزحف الأمريكي في شرق أوروبا، وطالبت بضمانات أمنية تحول دون التصعيد. وإلى جانب تعويل فلاديمير بوتين على سلاح الطاقة، أشهر خلال الآونة ورقة حصار الموانئ الأوكرانية، لخلق أزمة غذائية ربما تفضي إلى استسلام داعمي أوكرانيا.

وحسب الـ«ديلي ميل»، وجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رداً مناسباً على العقوبات المفروضة على بلاده حين فرض الأسطول الروسي حصاراً بحرياً على كافة موانئ أوكرانيا على البحر الأسود، وهو ما حال دون تصدير القمح، والذرة، وزيت عباد الشمس إلى مختلف دول العالم. وأعربت مصادر في الأمم المتحدة عن تقديراتها بأن تجميد الحاصلات الزراعية والمواد الغذائية الأوكرانية يقود حتماً إلى مجاعة حتمية في 36 دولة، تأتي في طليعتها مصر، ولبنان، وقطر، وباكستان، وإندونيسيا، والأردن، وماليزيا، وتايلاند.

ورغم أنها طرف أصيل في تفاقم الأزمة، شرعت الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا في إجراء مباحثات حول كيفية استئناف تصدير القمح الأوكراني، إذ تؤكد البيانات الموثقة وجود ما يربو على 22 مليون طن من القمح والذرة في المستودعات الأوكرانية. ومن بين الاقتراحات التي جرى طرحها مرافقة السفن الحربية الأمريكية والغربية قوافل سفن نقل القمح والذرة لتأمين مغادرتها الموانئ الأوكرانية.

جزيرة الثعبان

إلا أن الطرح لم يلقَ قبولاً أو على الأقل صادف عقبات، لا سيّما أن طوق الحصار البحري، الذي تقوم عليه 20 سفينة حربية في الأسطول الروسي، يحول دون أية حركة في كافة الموانئ الأوكرانية، خاصة في ضوء سيطرة الجيش الروسي على «جزيرة الثعبان» Snake Island؛ ففي حين لا تزيد مساحة الجزيرة عن كيلومتر مربع، يفرض موقعها شمال غرب البحر الأسود هيمنة كاملة على ممرات الخروج من الموانئ الأوكرانية.

الاقتراح الآخر الذي طرحه معسكر الغرب هو، حسب «نيويورك تايمز» الاعتماد على قطار بري لنقل القمح والذرة من أوكرانيا إلى غرب أوروبا؛ أو حتى الاعتماد على جسر جوي عبر طائرات شحن عملاقة لتنفيذ «المهمة الصعبة». لكن الدوائر التي طرحت العرض تراجعت عن شرح تفاصيله، لا سيّما في ضوء تدمير الجيش الروسي يوم السبت الموافق 21 مايو الجاري شحنة أسلحة ضخمة كانت في طريقها من الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى الجيش الأوكراني.

ووفقاً لمصادر الصحيفة الأمريكية، كانت هذه هي المرة الأولى التي يقصف فيها الجيش الروسي شحنات أسلحة أمريكية في طريقها لأوكرانيا. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان إنه «جرى تدمير شحنة الأسلحة الأمريكية شمال غرب أوكرانيا قرب مدينة «زيتومير» Zhytomyr, وأن صواريخ بحرية روسية من طراز «كليبر» Kalibr cruise missiles أدت المهمة بنجاح ودقة متناهية». بينما أوضحت معلومات موازية أن الهجوم الروسي الذي يدور الحديث عنه استهدف محطة سكك حديد «مالين» Malin railway station الأوكرانية.

إقرأ أيضاً..زاديرا.. سلاح روسيا المعجزة هل حقاً «معيب»؟

عواقب مأساوية

وفي خطوة أُخرى مناوئة للولايات المتحدة، أعلنت موسكو أنها فرضت عقوبات وحظر دخول الأراضي الروسية على 963 شخصية أمريكية من بينها رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، ورئيس الوكالة المركزية الـCIA وليام بيرنز. وفي المقابل وقع رئيس البيت الأبيض مرسوماً يسمح بإمداد أوكرانيا وجيشها بمساعدات بلغت قيمتها 40 مليار دولار. وفي إطار زخم المواجهة بين الفريقين، غابت آمال تلافي أزمة «مجاعة القمح» التي أوشكت على فرض نفسها على العالم، وتفاقم ضراوتها خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وانضم إلى تلك التطورات إنذار آخر من الهند، التي علَّقت تصدير القمح والذرة من موانئها في ظل موجة ارتفاع درجة الحرارة العنيف التي ضربت البلاد خلال الآونة الأخيرة. وأشار تحليل نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن «الخوف من أن تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى أزمة غذائية لا ينبع فقط من حقيقة أن روسيا وأوكرانيا منتجان بارزان للحبوب والأسمدة، ولكن أيضاً من حقيقة أن الحرب تأتي بعد عامين من انتشار وباء كورونا الذي امتد لأكثر من عامين». ونقلت الصحيفة عن الشريك الرئيسي في مؤسسة الاستشارات الأمريكية «ماكينزي» دانيال أمينتزاك: «الحرب في أوكرانيا قد تنطوي على عواقب مأساوية لم نشهدها منذ عشرات السنين».