الاحد - 12 مايو 2024
الاحد - 12 مايو 2024

أردوغان والانتهازية.. فـــــي كل بلد عدو

يمثل قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إرسال قوات إلى ليبيا أحدث خطوة في سياسة خارجية تتسم بالخلل والتخبط، وقال محللون إنها تسعى لفرض الأمر الواقع واستخدام الأدوات الخشنة، لتحقيق طموح وحلم أردوغان في ضم مناطق من دول الجوار وإحياء الإرث العثماني، ما خلق لتركيا أعداء في أنحاء العالم.

يقول الدكتور محمد عبدالقادر رئيس تحرير مجلة الشؤون التركية إن التخبط السياسي هو حالة تفرض نفسها على السياسة الخارجية التركية، التي شهدت تحولاً كبيراً ربما يعكس تحولاً في الداخل التركي، وفي نمط التفكير داخلياً.

وأضاف أن تركيا تحولت من الصيغة الدبلوماسية إلى ما يمكن أن يسمى بالأدوات الخشنة، وأصبحت الآن تعادي دولاً عدة، وتتبع سياسة فرض الأمر الواقع، واستخدام القوة في مواجهة مختلف الأطراف.


وقال عبدالقادر إن تركيا اتجهت إلى إقامة قواعد عسكرية في دول الجوار الجغرافي، فأقامت قواعد في سوريا، ولها قاعدة في العراق، وفي الصومال، وقاعدتان عسكريتان في قطر، وهناك محاولة حالية لإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، وكانت هناك محاولة لإقامة قاعدة عسكرية في السودان لكنها فشلت لسقوط نظام البشير.


وأضاف أن أنقرة توجهت أيضاً إلى توثيق علاقاتها بجماعات من دون الدول، خاصة التنظيمات ذات الصبغة الإسلامية، ثم انحرفت أكثر، ووثقت علاقتها بالتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش، وجبهة النصرة، وجماعة الإخوان المسلمين، وتحولت علاقاتها بدلاً من أن تكون مع الدول، لتكون مع الأحزاب والجماعات كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وتابع، أنه مثلما لإيران مشروع توسعي تمددي في منطقة الشرق الأوسط باستخدام الميليشيات كأداة، فتركيا أيضاً لديها مشروع يقوم على التمدد والتوسع، وله أيديولوجيا حاكمة، وهي أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي ترتبط بتنظيمات مسلحة، وإرهابية، ربما تخوض صراعات لخدمة مصالح الدولة التركية.

إحياء الإرث العثماني

وقال عبدالقادر إن لدى أردوغان أجندة الهدف منها على ما يبدو تنفيذ مشروع تركي يستهدف اقتطاع مناطق من دول الجوار، بزعم تبعية هذه المناطق للإرث العثماني، أو للدولة العثمانية، فهناك حديث عن تبعية بعض المناطق في العراق مثل كركوك والموصل، وهناك حديث أيضاً عن مناطق في سوريا على الشريط الحدودي، بل وبعض المدن مثل حلب وإدلب، وفيما يخص ليبيا الآن، هناك حديث عن أنها كانت ترتبط بالدولة العثمانية، ويتحدثون أيضاً عن تبعية ليبيا ووجود ليبيين من أصول تركية.

وعلى ما يبدو فإن هناك محاولة لإعادة صياغة التاريخ، وخطوط الطول والعرض الجغرافية بما يخدم طموح تركيا في أن تعيد الإرث العثماني مرة أخرى مستغلة الفوضى، وحالة التشرذم والصراعات السياسية التي تعاني منها بلدان عربية.

يوضح عبدالقادر أن تركيا تحاول اللعب على التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، لكن هذا يفقدها رصيداً كل يوم مما بنته عبر سنوات مع حلف الأطلسي بشقيه الأوروبي والأمريكي.

وأضاف أن سمة العلاقات التركية الغربية الآن هي التوتر، خاصة في ظل تهديدها المستمر لأوروبا بترحيل اللاجئين.

وبالنسبة لأمريكا، فقد لوحت تركيا بإغلاق قاعدتها العسكرية انجرليك وطرد العسكريين الأمريكيين رداً على فرض عقوبات أمريكية على أنقرة نتيجة صفقات شراء صواريخ أس-400 الروسية.

ويقول إنه في علاقة أردوغان مع روسيا توجد خلافات كبيرة فيما يخص الشمال السوري، ودعم تركيا لجماعات إرهابية، وبخصوص ليبيا أيضاً، لكن كل طرف يدير الخلافات مع الآخر على أساس المصالح. تركيا يعنيها أن تكون لها علاقات استراتيجية تُوازن بها التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وروسيا يهمها أن تبتعد تركيا قدر الإمكان عن الولايات المتحدة وحلف الناتو، ومن ثم هناك توترات، لكن في الوقت نفسه هناك مصالح.

انتهاز الفرص

ومن جانبه أشار الدكتور محمد صادق رئيس المركز العربي للدراسات السياسية إلى تحول السياسة التركية تحت قيادة أردوغان إلى الأسلوب الانتهازي الساعي لاستغلال الفرص بصرف النظر عن خسارة الأصدقاء.

وقال إن السياسة الخارجية التركية منذ سيطرة حزب العدالة و التنمية في 2001، عملت على إحداث نوع من التغيير داخل المنطقة العربية، فيما يتعلق بتقديم نفسها كجارة للعرب، لكن على أن تكون الجارة القوية ذات المذهب السني، ربما في مقابل المذهب الشيعي، لكنها غيرت وجهتها بعد الثورات العربية.

وأضاف أن تركيا حاولت الاستفادة من الوضع في سوريا، باحتلال شمال سوريا، رغبة منها في تحجيم النفوذ الكردي في المنطقة، وروج أردوغان لفكرة أن الوجود الكردي هناك خطر على الأمن القومي التركي، وبالتالي كانت فرصة سانحة لتحقيق التدخل في شمال سوريا.

وقال صادق لـ«الرؤية» إن تركيا لا تدع فرصة لبسط نفوذها، إلا وقامت باقتناصها، بصرف النظر عما ستجنيه من عداء في مقابل ذلك، حيث أرادت استغلال ثروات المتوسط عن طريق ليبيا، مستغلة استعداد حكومة فايز السراج في ذلك، فهي تريد العبث بمنطقة البحر المتوسط، عن طريق البوابة الليبية، وأيضاً لزعزعة استقرار مصر، لأنها تعلم أن مصر إحدى ركائز الأمن القومي العربي، التي وقفت ضد الوجود التركي في المنطقة العربية، وضد إعادة الخلافة العثمانية، التي لم يجن منها العالم العربي، طيلة العهد العثماني، إلا الخزي والعار، مشيراً إلى أن المستقبل ربما يحمل لأردوغان الكثير من المفاجآت، خاصة أنه يخسر كل يوم خطوة جديدة في المسيرة التي اتبعها منذ عام 2001، في ظل إصراره على التدخل في الشؤون الخارجية للدول العربية.

أحلام شخصية

ويقول الدكتور حسن أبوطالب أستاذ العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن الخلل في السياسة الخارجية التركية ناتج من سببين رئيسين، أولهما شخصية الرئيس أردوغان نفسه وتطلعه وطموحه لأن يكون قائداً عالمياً لديه مشروع بأن يحول بلده ونفسه لآمر وناهٍ، في الإقليم والعالم، ويعبر عن هذا الأمر بأكثر من طريقة، الأولى هي مسألة استدعاء التاريخ ومحاولة استنساخه مرة أخرى، بإحياء فكرة الإمبراطورية العثمانية، ومحاولة إعادة تركيبها وتشكيلها مرة أخرى، في ظل قيادته.

وأضاف أنه في المقر الرئاسي بأنقرة الذي تم بناؤه منذ سنتين، استخدم أردوغان في الحرس الرئاسي رموزاً تعبر عن الملابس والأشكال التقليدية للحرس السلطاني وقت الإمبراطورية العثمانية، وبالتالي فهو يستدعي الرموز نفسها، لأن لديه شعوراً جارفاً بأنه يستطيع أن يفعل ما فعله أجداده من العثمانيين.

وأضاف أبوطالب لـ«الرؤية» أن السبب الثاني في خلل السياسة الخارجية التركية يتمثل في البعد الأيديولوجي، الذي به مزيج من النزعة الإخوانية، فهو جزء من تقاليد إخوانية تصور له أنه من الممكن أن تكون هناك خلافة إسلامية تستطيع أن تسود العالم، سواء رضيت المجتمعات أو لم ترض.

وأشار أبوطالب إلى أن أردوغان استغل الأوضاع في دول عربية قريبة بعد احتجاجات 2011.

وأضاف أن انتصار القيادة العسكرية في مصر على حكم الإخوان يفسر السلوك العدائي التركي والأردوغاني تحديداً تجاه مصر.

رد الفعل الغربي

يقول أبوطالب إن عدم تصدي أوروبا وأمريكا لمخططات أردوغان له تفسيران أولهما أن جزءاً كبير من هذه المغامرات في صالح النفوذ الغربي عموماً، إذ إن إثارة الفوضى، إسقاط النظم، وتغييرها، يتيح لهم استغلال موارد المنطقة والسيطرة عليها بشكل أو بآخر، وبالتالي فهو أداة من أدواتهم حتى ولو لم يكن بصورة مباشرة.

والتفسير الآخر، وهو أنهم ربما يتركونه يتورط هنا وهناك إلى أن ينهار الاقتصاد، ويثور عليه الشعب التركي، ومن ثم يظهر للجميع أن هذا النوع من المغامرات الإقليمية غير مقبول، وبالتالي تعود تركيا تنكمش مرة أخرى في حدودها، وتطلب الصفح من الغرب عموماً.

وأضاف أن هذا ربما يفسر انعدام الحسم الغربي إزاء الابتزاز من أردوغان في قضية اللاجئين، وسوريا، والمنطقة الآمنة، وإرسال القوات إلى ليبيا.

أعداء في كل مكان

وقال أبوطالب إن أردوغان يعادي دولاً عربية عديدة بدعم من أنظمة عميلة.

وأضاف أن قواته تحتل جزءاً من سوريا وتنشط في ليبيا التي يُعد لتدخل صريح فيها بتمويل من قطر وتعاون حكومة السراج. وأضاف أنه لكي يتحقق مشروع الرئيس التركي لا بد من أن يكون هناك دمار وخراب في البلاد العربية، وألا تكون هناك قيادة سياسية قوية، أو أي اقتصاد عربي قوي، فهو يرى أنه يستطيع أن يَنفذ من خلال بلد مدمر، وقيادة عميلة، كقيادة تميم، وقيادة السراج.

وأشار إلى أنه علاوة على ذلك فتركيا تعادي أيضاً السعودية، وهذا يعود إلى المنحى الإمبراطوري العثماني، ففي فترة من الفترات خصوصاً بعد 2013، وبعد أن سقطت جماعة الإخوان في مصر، أدركت السعودية والإمارات أن هذه الجماعة لها أيدٍ خبيثة في دول عربية أخرى، ولديها مشروع ضد الدول العربية ككل، وضد السعودية تحديداً فيما يتعلق بنفوذها في العالم الإسلامي.

وقال إنه لا أحد يستطيع أن ينافس السعودية في دورها بالعالم الإسلامي لكن في فترة من الفترات، بدأت تركيا تلمح لأشياء كهذه، بمعنى أن تكون هناك إعادة نظر في مسألة ما يمكن أن يسمى بحق السعودية في إدارة المقدسات الإسلامية، وهذا الأمر يتوافق مع ما طرحته إيران عدة مرات في أنها تريد أن تكون هناك إدارة دولية، فقد ألمحت له تركيا منذ حوالي عام ونصف، في بداية حادثة جمال خاشقجي، وأيضاً عندما ذهبت إلى ماليزيا في قمة الضرار، وحاولت مع إيران، الدفع لتشكيل تحالف إسلامي خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي لتكونا القيادة البديلة للأمة.

وأشار إلى أن أردوغان يعادي الإمارات أيضاً، لكونه يرى أن الإمارات والسعودية وقفتا مع مصر، في التخلص من حكم الإخوان المسلمين.

وأوضح أن أردوغان يكيد لمصر، ويعاديها حالياً بأكثر من طريقة، فهو يدعم المشروع الإخواني، الذي يتمثل جزءاً منه في إثارة الفوضى داخل مصر، وإثارة العالم ضدها، ويستضيف العديد من القنوات التلفزيونية الإخوانية على أرضه، والتي تروج يومياً لكمٍّ هائل من الشائعات ضد مصر والمصريين، وهدفها إثارة اللغط والشك بين المصريين والقيادة السياسية.

وأضاف أن هذا لا يستطيع أن يقوم به تنظيم بمفرده، وإنما دولة لديها استخبارات، وبالتالي تستخدم هؤلاء لإثارة الفوضى وعدم الثقة في مصر.

وقال إن أردوغان يتصور أنه يمكنه في ليبيا من خلال مجموعة عميلة كالتي يقودها السراج أن تواتيه فرصة ليستولى على جزء من الأرض، فهو لديه مشروع في ليبيا، ومن بعدها المغرب العربي.

وتركيا أردوغان لها أهدافها أيضاً في العراق، بحسب أبوطالب.

وقال إن تركيا لها قوات في بعشيقة شمال العراق، وكان حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الأسبق قد طالب الأتراك بالخروج، لكن من دون تغيير في الوضع.

وحين زار أردوغان تونس مؤخراً بصورة مفاجئة سعى إلى توريطها في الاصطفاف مع تركيا في الملف الليبي، ما استدعى استنكاراً من الرئاسة التونسية واستعدى العديد من القوى السياسية في تونس.

فسياسة أردوغان باتت تصنع الأعداء في مختلف العواصم، أو التوتر على الأقل كما يحدث مع القوى الغربية وموسكو.