الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

"رسالة نصية وسوق أسماك".. القصة الكاملة لمحاولات الصين إخفاء حقيقة القاتل "كورونا"

"رسالة نصية وسوق أسماك".. القصة الكاملة لمحاولات الصين إخفاء حقيقة القاتل "كورونا"

Capture

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن الحكومة الصينية علمت بظهور فيروس كورونا في شهر ديسمبر الماضي وفضلت التعتيم على القضية بدلاً من المواجهة بل وأجبرت الطبيب الذي اكتشف المرض على الصمت خشية تعرضها للإحراج السياسي.

وأضافت الصحيفة الأمريكية في تقرير مطول نشرته اليوم الأحد أن هذه السرية التي فرضتها السلطات الصينية قبل بدء المواجهة العلنية لأزمة الفيروس المتنامي تسببت في تأخر المواجهة وعرضت حياة الآلاف للخطر.

البداية رسالة نصية

وأشارت الصحيفة إلى أن طبيباً يدعى لي وين ليانغ كتب في مجموعة دردشة عبر الإنترنت في 30 ديسمبر، محاولاً تحذير زملائه: "مرض غامض أصاب 7 في أحد المستشفيات في الحجر الصحي في قسم الطوارئ".


"مخيف جداً" تلك كانت إجابة أحد المتلقين، قبل أن يسأل عن الوباء الذي بدأ في الصين في عام 2002 وقتل نحو 800 شخص في نهاية المطاف "هل سارس أتى مرة أخرى؟".

وقالت الصحيفة إن مسؤولي الصحة في مدينة ووهان استدعوا الطبيب في نفس الليلة وأجبروه على التوقيع على إقرار ينفي فيه هذا التصريح ويقول إن تصريحه هذا كان سلوكاً غير قانوني.

لم يكن المرض هو سارس، بل كان شيئاً مشابهاً، هو فيروس كورونا الذي ينتشر الآن بوتيرة سريعة خارج ووهان إلى جميع أنحاء البلاد وفي جميع أنحاء العالم، مما أسفر عن مقتل 304 أشخاص على الأقل في الصين وإصابة أكثر من 14380 في جميع أنحاء العالم.

واشارت نيويورك تايمز إلى أن معالجة السلطات الصينية للأمر في البداية سمح للفيروس بأن يشتد لأنهم اختاروا السرية والنظام على المواجهة العلنية لأزمة المرض المتنامي لتجنب الانزعاج العام والإحراج السياسي.



وتابعت الصحيفة الأمريكية أن الأمر استغرق نحو 7 أسابيع بين ظهور الأعراض الأولى للفيروس في أوائل ديسمبر وبين قرار الحكومة إغلاق المدينة.

تعتيم حكومي

وتابعت "نيويورك تايمز" أنه خلال تلك الأسابيع، أسكتت السلطات الأطباء وغيرهم وقللت من شأن المخاطر التي يتعرض لها الجمهور، تاركة سكان المدينة البالغ عددهم 11 مليون نسمة غير مدركين أن عليهم حماية أنفسهم. لقد أغلقوا سوقاً حيث يُعتقد أن الفيروس قد بدأ منه، لكنهم أخبروا الجمهور أن الإغلاق كان من أجل التجديدات.

يقول خبراء الصحة العامة، إن عدم التحرك بقوة لتحذير الجمهور والعاملين في المجال الطبي أفقد الحكومة الصينية إحدى أفضل فرصها لمنع المرض من أن يصبح وباء.

وقال يانتشونغ هوانغ، زميل مجلس العلاقات الخارجية المتخصص في الشأن الصيني: "كانت هذه قضية تراخٍ". "لم يكن هناك أي إجراء في ووهان من وزارة الصحة المحلية لتنبيه الناس على الخطر".

تفاصيل إصابة الحالة الأولى محدودة والتاريخ المحدد غير معروف، لكن المؤكد أنها كانت في أوائل ديسمبر، وبحلول الوقت الذي تحركت فيه السلطات في 20 يناير، كان المرض قد أصبح خطراً هائلاً.

تسبب انتشار الفيروس الآن في حالة طوارئ صحية عالمية حيث تم فرض قيود على السفر في جميع أنحاء العالم، وهز الأسواق المالية وخلق ربما التحدي الأكبر لزعيم الصين شي جين بينغ. ويمكن أن تقلب الأزمة أجندة شي لعدة أشهر أو أكثر، أو حتى ربما تقوض رؤيته لنظام سياسي يوفر الأمن والنمو في مقابل الخضوع للسلطوية ذات القبضة الحديدية.

في اليوم الأخير من عام 2019، بعد مشاركة رسالة الدكتور لي خارج مجموعة الدردشة، ركزت السلطات على السيطرة على الرواية، وأعلنت الشرطة أنها تحقق مع 8 أشخاص لنشرهم شائعات حول تفشي المرض.

في نفس اليوم، أعلنت لجنة الصحة في ووهان عن إصابة 27 شخصاً بالتهاب رئوي بسبب مجهول. وقال بيانها إنه لا داعي للقلق. وأضاف البيان "المرض يمكن الوقاية منه ويمكن السيطرة عليه".

الدكتور لي، وهو طبيب عيون، عاد إلى العمل في 10 يناير بعد توبيخه، وفور عودته تعامل مع امرأة مصابة بالجلوكوما، لكنه لم يكن يعلم أنها مصابة بالفعل بفيروس كورونا، الذي ربما انتقل إليها من ابنتها، وكذلك انتقلت العدوى إلى الطبيب لي.



أول بؤرة

ظهر المرض في سوق هونان المشهور ببيع المأكولات البحرية، ويروي هو جين شياو أحد العاملين في السوق أن العديد من العمال في أوائل ديسمبر ظهرت عليهم أعراض حمى مزعجة ولم يكن أحد منهم يعرف السبب، لكن العديد منهم دخلوا الحجر الصحي في المستشفى.

ويصف تقرير صادر عن مركز مكافحة الأمراض في المدينة، أن الصرف الصحي بالسوق كان سيئاً، والتهوية رديئة والقمامة مكدسة على الأرضيات المبتلة، ويقع السوق قرب منطقة سكنية مكتظة ويلبي احتياجات الطبقة المتوسطة من الأسماك والدواجن واللحوم.

في 1 يناير، ظهر ضباط الشرطة في السوق، إلى جانب مسؤولي الصحة العامة، وأغلقوه. وذكرت وكالة شينخوا للأنباء أن السوق يخضع لعملية تجديد، لكن في صباح ذلك اليوم، دخل العمال الذين يرتدون ملابس محصنة وبدأوا يغسلون الأكشاك ويسكبون المطهرات في كل الأرجاء.

بالنسبة للجمهور، كانت تلك أول استجابة حكومية واضحة لاحتواء المرض. في اليوم السابق، في 31 ديسمبر، قامت السلطات الوطنية بتنبيه مكتب منظمة الصحة العالمية في بكين لتفشي المرض.



تهوين الخطر

بالغ مسؤولو المدينة في التفاؤل في إعلاناتهم حيث قالوا إنهم أوقفوا الفيروس من مصدره. وكانت مجموعة المرضي محدودة ولم يكن هناك دليل على انتشار الفيروس بين البشر.

بعدها بأيام بحلول 12 يناير بدأت المستشفيات تكتظ بالمرضى بنفس الأعراض ومرضى من نفس العائلة. عقب ذلك كانت سلطات ووهان تستعد لتقديم مأدبة سنوية ضخمة عبارة عن حفلة طعام لـ 40 ألف أسرة من المدينة، والتي أشار إليها الناقدين فيما بعد كدليل على أن الزعماء المحليين أخذوا قضية انتشار الفيروس بنوع من الاستخفاف.

ورغم كل هذه الأنباء، طالب المسؤولون الأطباء في أحد المستشفيات الكبيرة في المدينة "بعدم استخدام كلمات تصف المرض مثل الالتهاب الرئوي الفيروسي في التقارير الطبية".

الدكتور لي الذي يبلغ من العمر 34 عاماً يتعافى من الفيروس في المستشفى حيث كان يعمل. وفي مقابلته مع الصحيفة عبر الرسائل النصية، قال إنه شعر بالضيق من تصرفات الشرطة، مضيفاً: "لو كشف المسؤولون عن معلومات الوباء في وقت مبكر لكان الوضع أفضل بكثير. يجب أن يكون هناك المزيد من الانفتاح والشفافية".