الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

الصين في مواجهة كورونا.. قصة نجاح أبهرت علماء منظمة الصحة

بعد أنباء تفشى فيروس «كورونا» المستجد بشكل كبير في الصين وارتفاع عدد الوفيات والإصابات بشكل مخيف اعتقد البعض أن المارد الصيني عاجز عن هزيمة «فيروس» لا يمكن رؤيته بالعين المجردة.

لكن سرعان ما أعدت الصين خطة سريعة تميزت بالصرامة رافقتها سرعة إنجاز غير مسبوقة لهزيمة هذا الفيروس الذي تحول لوباء أثر على كل القطاعات ليس في الصين وحدها بل في العالم أجمع.

في غضون 10 أيام بعد أنباء تفشي الفيروس في إقليم هوبي، تمكنت الصين من بناء مشفيين ضخمين على مساحة 25 ألف متر مربع لعلاج المصابين بالفيروس كورونا في مدينة ووهان.

وأنفقت الحكومة 200 مليار دولار حتى الآن، رغم أن بورصتها خسرت 500 مليار في معركتها مع الفيروس حتى أعلنت لجنة الصحة الوطنية، اليوم الخميس، أن فيروس كورونا تجاوز ذروته في الصين مع تسجيل 8 حالات إصابة جديدة فقط في إقليم هوبي، بؤرة تفشي الفيروس، الذي يسجل لأول مرة أقل من 10 حالات في يوم واحد.

تباطؤ ملحوظ

وفي ظل التباطؤ الملحوظ لانتشار الفيروس أعادت المزيد من الشركات فتح أبوابها فيما تخفف السلطات بحذر إجراءات الاحتواء.

وأعلن إقليم هوبي، الذي بدأ تفشي الفيروس به في نهاية العام الماضي، تخفيف المزيد من قيود السفر اليوم وسيسمح أيضاً باستئناف الإنتاج في بعض القطاعات في مدينتين ومقاطعتين.

وقال مي فنغ المتحدث باسم لجنة الصحة الوطنية «بشكل عام تجاوزت الصين ذروة الوباء».

وأضاف «الزيادة في الحالات الجديدة تنحسر».

وعلى الرغم من انتشار الفيروس على نحو سريع في أنحاء العالم تباطأ بشكل ملحوظ في الصين في الأيام السبعة الماضية نتيجة الإجراءات المشددة المفروضة للسيطرة على حركة الناس والمرور بما في ذلك فرض إغلاق على مدينة ووهان التي يقطنها 11 مليون نسمة.

وذكرت لجنة الصحة الوطنية أن ووهان سجلت جميع الحالات الجديدة أمس الأربعاء. وخارج ووهان سجل بر الصين الرئيس 7 حالات جديدة منها 6 حالات قادمة من الخارج.

وحتى نهاية أمس الأربعاء بلغت حصيلة الوفيات في بر الصين الرئيس 3169 حالة بزيادة 11 عن أمس. وسجلت 10 حالات وفاة في هوبي 7 منها في ووهان.

وبهذا يصل عدد الإصابات المؤكدة في بر الصين الرئيس إلى 80793 حالة حتى الآن.

ماذا فعلت الصين..؟

جميع المراقبين يؤكدون أن السرعة التي تميز بها تحرك الصين كانت أمراً حاسماً في تمكنها من محاصرة الفيروس. فعلى مدى الأسابيع الماضية تحول المشهد، في المستشفيات التي كانت تعج بمرضى «كوفيد19» إلى أسرة فارغة.

وتواجه اختبارات الأدوية التجريبية صعوبة في تسجيل عدد كافٍ من المرضى المؤهلين. وتواصل انخفاض عدد الحالات الجديدة المبلغ عنها بشكل يومي في الأسابيع القليلة الماضية.

نهج جريء

سمحت الحكومة الصينية لـ 13 عالماً تابعاً لمنظمة الصحة بالانضمام إلى 12 عالماً صينياً في جولة في 5 مدن في الصين لدراسة حالة الوباء وفعالية استجابة البلاد. وعقب نهاية المهمة أصدرت البعثة تقريراً مفصلاً عن الإنجاز الصيني حيث فاجأت النتائج العديد من العلماء الزائرين.

يقول عالِم الأوبئة تيم إيكمانس من معهد روبرت كوخ، الذي كان جزءاً من المهمة: «اعتقدت أنه لا توجد طريقة ولا يمكن أن تكون هذه الأرقام حقيقية».

ويضيف «لكن التقرير لا لبس فيه.. نهج الصين الجريء لاحتواء الانتشار السريع لمرض الجهاز التنفسي الجديد قد غيّر مسار الوباء المتصاعد والمميت بسرعة». «هذا الانخفاض في حالات كوفيد-19 عبر الصين حقيقي».

لقد نفذت الصين عدداً من الإجراءات من بينها عمليات إغلاق لمدن كاملة، إضافة الى إجراءات مراقبة إلكترونية فرضتها الحكومة، رغم أنها كانت في نظر البعض أساليب قمعية إلا أنها كانت ضرورية.

درس للعالم

ويقول تقرير لمجلة «ساينس» إن ما فعلته الصين يقدم درساً للعالم، ويجب الاستفادة من هذا النجاح الواضح.

بروس أيلوارد، عالم الأوبئة الكندي بمنظمة الصحة العالمية الذي قاد الفريق الدولي وأطلع الصحافيين على ما شاهده يقول: «عندما تقضي 20 أو 30 عاماً في هذا العمل، وترى تلك الجدية فالأمر يستحق الدراسة، معتبراً أن استخدامات وصفت بالقمعية من قبل الصين لها ما يبرره لأن مثل هذه الاستجابة أنقذت مئات الآلاف من الناس في الصين من الإصابة بهذا الفيروس

وكان الإجراء الأكثر إثارة - والمثير للجدل - هو إغلاق ووهان والمدن المجاورة في مقاطعة هوبي، التي وضعت ما لا يقل عن 50 مليون شخص تحت الحجر الصحي الإلزامي منذ 23 يناير.

وخلص التقرير إلى أن ذلك «منع بشكل فعال المزيد من انتقال الأفراد المصابين إلى بقية البلاد». وفي مناطق أخرى من البر الرئيس للصين، تم عزل الأشخاص طواعية وتم رصدهم من قبل قادة معينين في الأحياء.

تتبع الاتصالات

بعد أن بنت السلطات الصينية مستشفيين في ووهان في فترة قياسية، تم إرسال العاملين في مجال الرعاية الصحية من جميع أنحاء الصين إلى مركز تفشي المرض.

وأطلقت الحكومة جهداً غير مسبوق لتتبع الاتصالات بالحالات المؤكدة. في ووهان وحدها، تتبع أكثر من 1800 فريق مكون من 5 أشخاص أو أكثر، عشرات الآلاف من المكالمات.

إجراءات قاسية

وشملت إجراءات «التباعد الاجتماعي» الشديدة التي تم تنفيذها في جميع أنحاء البلاد إلغاء الأحداث الرياضية وإغلاق المسارح. ومددت المدارس فترات الراحة التي بدأت في منتصف يناير للعام القمري الجديد.

وأغلقت العديد من الشركات مقراتها، وتم فرض ارتداء قناع كإجراء إجباري على كل فرد يخرج من منزله.

تطبيقات الهواتف

وساعد تطبيقان للهواتف المحمولة، وهماAliPay WeChatو وهما تطبيقان بديلان للنقد في الصين في السنوات الأخيرة، على تطبيق القيود التي فرضتها الحكومة، لأنهما يسمحان للحكومة بتتبع تحركات الأشخاص وحتى منع الأشخاص الذين لديهم إصابات مؤكدة من السفر.

ويقول عضو بعثة منظمة الصحة غابرييل لونغ، عميد كلية طب لي كا شينغ في جامعة هونغ كونغ: «كل شخص لديه نوع من نظام إشارات المرور». رموز الألوان على الهواتف المحمولة - التي يشير فيها اللون الأخضر أو الأصفر أو الأحمر إلى الحالة الصحية للشخص - وتسمح للحراس في محطات القطار ونقاط التفتيش الأخرى بمعرفة من يسمح لهم بالدخول.

ويشير التقرير إلى أنه «نتيجة لكل هذه الإجراءات، فإن الحياة العامة قد تقلصت للغاية». لكن الإجراءات نجحت.

في النهاية، نادراً ما ينقل الأشخاص المصابون الفيروس إلى أي شخص ما عدا أفراد أسرتهم، كما يقول لونغ. وبمجرد تعرض جميع الأشخاص في شقة أو منزل، لم يكن للفيروس مكان آخر يذهب إليه وانتهت سلاسل انتقال العدوى.

السيطرة على الوباء

يقول لونغ: «هكذا تمت السيطرة على الوباء». باختصار، كما يقول، كان هناك مزيج من «التباعد الاجتماعي القديم الجيد والحجر الصحي الذي تم تنفيذه بشكل فعال للغاية بسبب تلك الآلات على الأرض، والتي يسرتها البيانات الضخمة للذكاء الاصطناعي

استجابة الشعب

على الجانب الآخر كانت استجابة الشعب الصيني عاملاً فاعلاً في السيطرة على الفيروس حيث أشاد التقرير «بالالتزام العميق للشعب الصيني بالعمل الجماعي في مواجهة هذا التهديد المشترك».

وذكرت تقارير محلية أنّ الصينيين المحاصرين في منازلهم، بعد أن داهمتهم الكارثة اشتروا في أسبوع فقط مليار مرة بالبطاقات الائتمانية، وسددوا 100 مليار دولار، وفي حين وصف أحد المراسلين الأجانب مدينة ووهان، التي كانت الأكثر ابتلاء، بأنّ لها مشهداً يشبه نهاية العالم لشدة ما هي مقفرة، نشرت الحكومة صوراً للمدينة الصينية، تُظهر تحفها المعمارية، مضاءة وهي في أبهى حلة، لتقول إنّ الحياة مستمرة رغم الألم.