الجمعة - 03 مايو 2024
الجمعة - 03 مايو 2024

«أتلانتك»: الأزمات لن تثني إيران عن أطماعها الإقليمية وأحلامها بالهيمنة

«أتلانتك»: الأزمات لن تثني إيران عن أطماعها الإقليمية وأحلامها بالهيمنة

إيران.. باعٌ طويل من الأزمات والمواءمات. (أ ب)



أكد مركز «أتلانتك كونسل» الأمريكي أن الأطماع الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط تعود لستينيات القرن الماضي، وأنها تتبع سياسة النفس الطويل، بعقلية نفعية «براجماتية» تمكنها دائماً من التحايل على الأزمات التي تمر بها، سواء السياسية أو الاقتصادية من أجل السيطرة.



وتحدث المركز البحثي عن تقرير مفاده أن السفير الإيراني في بغداد يمارس نشاطاً مكثفاً بين الأوساط الشيعية، يشمل زيارات أسبوعية دورية لمدينتي النجف وكربلاء، لتقديم رشىً إلى رجال الدين الشيعي، وحثهم على زيارة السفارة والقنصلية الإيرانية في العراق.



لكن هذا التقرير في حقيقة الأمر يقود إلى 10 مايو عام 1965، وكتبه الممثل الإسرائيلي في طهران ميير إزري، عقب لقائه السفير الإيراني الجديد – آنذاك – إلى بغداد مهدي بيراسته.



ويقول راز زيميت، الباحث في معهد الدراسات الأمنية الوطنية، إن أطماع إيران الإقليمية وبرنامجها النووي لم يبدآ مع ثورة 1979، بل قبل ذلك بكثير، لكن الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية عام 2011 فتحت لها فرصاً جديدة لمد نفوذها الشيعي.



كما أن انهيار تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق، والمكاسب التي حققها الرئيس السوري بشار الأسد، بدعم روسي وإيراني، منحت طهران فرصاً أكبر لفرض هيمنتها على البلدين.



ومع ذلك، كل بضعة أشهر، توافينا تقارير بأن إيران تفقد سيطرتها تدريجياً في المنطقة، تارة بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. ثم المظاهرات التي اندلعت في لبنان والعراق، والتي اُعتبرت دليلاً على أن الشرق الأوسط يتسلل من بين يدي إيران.



ثم الاحتجاجات التي اشتعلت في إيران نهاية 2019، والتي أحيت آمال البعض في تغيير النظام، وأخيراً اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في يناير، والذي كان بمثابة العاصفة التي أطاحت بمخططات الهيمنة الإيرانية، أما التهديد الأخير الذي يواجه طموحات طهران الآن فهو فيروس «كورونا»، الذي بدا وأنه لجم نشاطها في الشرق الأوسط.



ويقول التقرير إن الوباء حلَّ على إيران، في واحد من أحلك أوقاتها، فمن جهة، واشنطن انسحبت من الاتفاق النووي لعام 2015، فضلاً عن العقوبات الأمريكية، وما تسببت فيه من أزمة اقتصادية غير مسبوقة.



يضاف إلى ذلك تضررها بشدة جراء انهيار أسعار النفط العالمية، كما أنه باغتيال سليماني، فقدت إيران العقلية التي كانت ستضع لها استراتيجية خروج من المأزق الحالي توائم مستجدات الأحداث، ولو على المدى القصير.



على الرغم من كل ذلك، برهنت إيران دوما على قدرتها على التحايل والاستغلال للخروج من الأزمات، وأحياناً تحويلها إلى فرص تضمن لنظامها البقاء الداخلي، بل والاستمرار في مد نفوذه خارجياً.



طهران، بلا شك، تجيد اللعب إقليمياً، فهي تتمتع بنفس طويل لحين تحقيق أطماعها، كما أنها تعمل -بعقلية براجماتية- لتغيير استراتيجياتها وفقاً لما تجابهه من تحديات.



ما قامت به إيران مؤخراً في العراق خير دليل على ذلك، فبعد اغتيال سليماني، أعادت إيران تقييم أوضاعها، فمن ناحية، صعدت أعمالها العسكرية، عبر قوات الحشد الشعبي، ضد القوات الأمريكية، فأرغمت الولايات المتحدة على سحب جنودها من العراق.



ومن ناحية أخرى، حضرت بقوة في المشهد السياسي. ففي 9 أبريل، قدم رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي اعتذاره عن تشكيل الحكومة العراقية، بعد رفض الأحزاب الشيعية له، التي وصمته بأنه «عميل أمريكي». وبعدها، كلف الرئيس العراقي برهم صالح مدير المخابرات مصطفى كاظمي بتشكيل الحكومة.



وبالتأكيد، فإن الكاظمي ليس هو الرجل الذي ترغب فيه إيران. ولكن عندما اضطرت إلى الاختيار بين الرجلين، حشدت قواها السياسية في العراق ضد الزرفي، الذي كان سيمثل التهديد الأكبر لمصالحها.



هذه المرة، لم يكن سليماني هو العقل المخطط، بل نفذ الخطة علي شمخاني، سكرتير المجلس الأمني القومي الأعلى، الذي زار بغداد الشهر الماضي والتقى كاظمي.



والشخص الثاني الذي نفذ المخطط هو خليفة سليماني في قيادة فيلق القدس، إسماعيل غاني، الذي زار بغداد أيضاً. نعم، هو نفسه الرجل، الذي تصور الكثيرون أنه لن يستطيع أن يحل محل سليماني.



ويخلص التقرير إلى أنه من الخطأ، في هذا السياق، بناء استراتيجيات تستند إلى أن منطقة الشرق الأوسط على شفا الدخول إلى مرحلة جديدة خالية من نفوذ إيران، التي كانت بالفعل على شفا الانهيار طوال العقود الماضية.



كما أنه لا ينبغي افتراض أن المنطقة ستكون بلا مرشدٍ أعلى، فقد كان على شفا الموت لأعوام أطول، أو افتراض أنه لن تكون هناك ميليشيات مسلحة مدعومة من إيران في المنطقة.



فالواقع يقول عكس ذلك، إيران دولة بالغة التعقيد، وتاريخها طويل، ولديها العديد من مراكز القوى. لذا فهي بحاجة إلى الكثير من التحليل العميق الذي يستند إلى وقائع راسخة، لا إلى مجرد مؤشرات إنذار.