الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

جزر الكوريل.. خلافات روسيا واليابان قابلة للحل

هل صحيح أن الزمن وحده يكفي لطي صفحة الخلافات والنزاعات بين الدول؟ البعض في اليابان يعتقد أن الماء المسكوب لا يعود إلى القارورة، لكن هناك مثل ياباني آخر يقول «كل شيء يأتي للذين ينتظرون».

ورغم أن الخلاف بين اليابان وروسيا حول جزر الكوريل التي يطلق عليها اليابانيون الأراضي الشمالية، يزيد على 76 عاماً، إلا أن اليابان لا تزال ترفض أي تغيير في الوضع الاقتصادي أو العسكري للجزر، التي تمتد بطول 1200 كيلو متر من جزيرة هوكايدو اليابانية، حتى شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية في المحيط الهادئ.

وأحدث مظاهر الرفض الياباني لأي تحركات روسية على الجزر التي تبلغ مساحتها نحو 15.5 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها ما يزيد على 20 ألف نسمة، تجلى أواخر يوليو، عندما اعترضت اليابان على زيارة رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين إلى جزيرة إيتوروب، إحدى جزر الكوريل، وهي الزيارة التي استمرت 4 ساعات، بغرض افتتاح مشروعات اقتصادية، تمهيداً لإنشاء منطقة تجارة حرة، وفق شبكة أخبار البلطيق.

وقدمت اليابان هذا الاعتراض إلى السفير الروسي في طوكيو ميخائيل غالوزين، وهو الأمر الذي ردت عليه روسيا باستدعاء السفير الياباني في موسكو، والتأكيد على رفض الحكومة الروسية للاعتراض الياباني. وزاد من حدة رد موسكو، أن الرئاسة الروسية قالت إن ميشوستين يزور المناطق الروسية على النحو الذي يراه مناسباً، حسب وصف ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين.

بداية الخلاف

وبدأ الخلاف بين موسكو وطوكيو، منذ أن نزل الجنود السوفييت على هذه الجزر، في أغسطس 1945، قبل أيام من توقيع ممثلي اليابان إعلان الاستسلام من على متن المدمرة الأمريكية «يو إس إس ميسوري»، حيث منح الحلفاء جزر الكوريل للاتحاد السوفيتي، كمكافأة على دخوله الحرب العالمية الثانية ضد اليابان ودول المحور في آسيا.

والخلاف حول جزر الكوريل الأربعة، هابوماي وشيكوتان وكوناشير وإيتوروب، التي تقع على بعد 7 آلاف كم شرق العاصمة الروسية موسكو، يثير تساؤلات من قبيل، ما هي فرص التوصل لاتفاقية سلام تنهي رسمياً الحرب بين روسيا واليابان؟ وما هي العراقيل التي تحول دون ذلك؟ وماذا عن الحضور الأمريكي في المشهد الروسي- الياباني؟

عقبات في الطريق

لا يزال الخطاب الرسمي الياباني، يطالب بعودة كل الجزر الأربعة، ويرفض توقيع اتفاقية سلام قبل ذلك، حسبما أعلن رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا، بعد أول مكالمة هاتفية له مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وخلال العام الجاري جدد سوجا حديثه عن ضرورة عودة الجزر إلى السيادة اليابانية، حيث تقول طوكيو إن الجزر تعود إليها وفق اتفاق التجارة الثنائية المبرم مع روسيا القيصرية بشأن الحدود عام 1875، وسبق للحزب الديمقراطي الياباني تمرير مشروع قانون أرض الشمال في البرلمان، والذي يرفض التنازل عن أي جزيرة.

وعلى الجانب الروسي، أقرت روسيا في عام 2020 تعديلات دستورية تمنع تسليم أي أراضٍ روسية لأي دولة إلا في حالة ترسيم الحدود فقط، وهو ما يراه البعض عقبة جديدة أمام تسليم موسكو أي جزيرة لليابان، لكن الرئيس بوتين رد على تلك المخاوف، وقال إن هذه التعديلات ليست عقبة أمام حل الخلافات الروسية - اليابانية، وإنه سيواصل الحوار والتفاوض مع اليابان من أجل حل هذا الخلاف.

وترفض موسكو التصور الذي تطرحه وزارة الخارجية اليابانية، والذي يقوم على أن اليابان ستواصل المفاوضات مع روسيا بشأن معاهدة السلام، على أساس موقفها الأصلي، المتمثل في ضرورة حل مشكلة الجزر أولاً، ثم إبرام معاهدة سلام بعد ذلك، وتصر روسيا على أن الحل يقوم على اعتراف اليابان أولاً بوحدة أراضي روسيا وسيادتها على جميع الأراضي، بما فيها جزر الكوريل، وهو ما يعني اعتراف اليابان بنتائج الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك ستناقش كل الأمور الأخرى، وفق تصريحات الخارجية الروسية.

موسكو.. والتخوف من أمريكا

رغم أن الولايات المتحدة وافقت عام 1945 على منح جزر الكوريل للاتحاد السوفيتي، إلا أن الموقف الأمريكي تغير منذ بدء الحرب الباردة. وترفض الولايات المتحدة الآن منح سكان جزر الكوريل الإقامة على الأراضي الأمريكية، إلا بعد الإشارة إلى أن موطنهم الأصلي هو اليابان وليس روسيا، وهو ما دفع موسكو للسخرية من الأمر، والمطالبة باعتبار سكان ولاية ألاسكا (كانت تابعة لروسيا قبل أن تشتريها الولايات المتحدة عام 1867) باعتبارهم من الرعايا الروس، وليسوا أمريكيين، حسبما قال يوري تروتنيف نائب رئيس الوزراء ومفوض الرئيس بوتين في دائرة الشرق الأقصى الفيدرالية الروسية.

كما أن وزارة الخارجية الروسية، أكدت أكثر من مرة، أن التحالف العسكري الياباني الأمريكي يشكل عقبة كبيرة أمام توقيع اتفاقية سلام شاملة مع اليابان، لأن الولايات المتحدة لا تخفي من خلال مناوراتها العسكرية في العالم والمحيط الهادئ، استهدافها لروسيا. وتنظر واشنطن لموسكو، باعتبارها مصدر تهديد رئيسياً لها، ولهذا تبني واشنطن تحالفاتها قي المحيطين الهندي والهادئ، على أساس التهديد الروسي، وكل هذا يتعارض مع الإعلان المشترك بين طوكيو وموسكو عام 1956 الذي اشترط الاتحاد السوفيتي لتنفيذه إنهاء الوجود العسكري الأمريكي على أراضي اليابان، بحسب تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.

والعقبة الأكبر في طريق حل مشكلة جزر الكوريل والتوصل لاتفاقية سلام مع اليابان تكمن في تخوف روسيا من نشر قوات أمريكية، أو إقامة واشنطن لقواعد عسكرية أو أنظمة صاروخية على جزر الكوريل، فور تسليم موسكو الجزر إلى اليابان، وفق ما قاله الرئيس بوتين على هامش منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي.

إشارات إيجابية

وجاءت أول إشارة للحل عندما التقى الرئيس بوتين رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو أبي في سنغافورة عام 2018، واتفق الطرفان على تفعيل المفاوضات حول توقيع معاهدة السلام بينهما، على أساس الإعلان المشترك، الموقع بين البلدين في 19 أكتوبر 1956 بموسكو، والذي ينص على أنه في حال توقيع اليابان وروسيا على اتفاقية سلام شاملة، سوف ينظر الاتحاد السوفيتي في تسليم جزيرتي هابوماي وشيكوتان، إلى اليابان، دون المساس بجزيرتي كوناشير وإيتوروب.

وعبر الرئيس بوتين في لقاءات كثيرة، مع شينزو أبي، وخلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الحالي يوشيهيدي سوجا، عن سعي روسيا إلى توقيع اتفاقية سلام على أساس الإعلان السوفيتي الياباني المشترك لعام 1956، وأن هذا الحل يجب أن يكون مقبولاً لشعبي روسيا واليابان ويحظى بتأييد كلا البلدين.

كما أن استعداد طوكيو لتعزيز التعاون في المشروعات المشتركة على جزر الكوريل مع موسكو، والاستمرار في تمكين السكان السابقين للجزر، من زيارة قبور أجدادهم عبر رحلات جوية، يؤكد أن هناك مساحة يمكن أن تنطلق منها روسيا واليابان لحل خلافهما التاريخي، وبدء مرحلة جديدة تليق بالإمكانات الهائلة للبلدين.