الثلاثاء - 07 مايو 2024
الثلاثاء - 07 مايو 2024

اليابان والشرق الأوسط.. الدبلوماسية الاستباقية وتعزيز ممر السلام

تدعو المادة التاسعة من الدستور الياباني، الذي تم إقراره عقب الحرب العالمية الثانية عام 1945، إلى نشر السلام ونبذ الحرب في كل مكان.

وتقول تلك المادة التي تؤسس للسياسة الخارجية اليابانية: «التطلع بإخلاص إلى السلام الدولي، القائم على العدل والنظام، الشعب الياباني ينبذ الحرب إلى الأبد كحق سيادي للأمة، والتهديد باستعمال القوة أو استخدامها كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية».

وتكشف تلك المبادئ عن الرغبة اليابانية الصادقة في تعزيز السلام والاستقرار والازدهار ليس فقط في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، بل في العالم كله، وتتمتع اليابان وشعوب الشرق الأوسط بذاكرة إيجابية للعلاقات خالية من الخلافات أو الاستعمار القديم، حيث كان التعاون والبحث عن مساحات جديدة للشراكة والرخاء هو العنوان الكبير للعلاقات اليابانية مع دول المنطقة على مدى أكثر من 150 عاماً، منذ أن أرسلت اليابان عام 1862 بعثة الساموراي إلى مصر للتعرف على تجربتها الحديثة، في ذلك الوقت، حول تعريب الطب وتنظيم السكك الحديدية.



وشكلت جولة وزير الخارجية الياباني، توشيميتسو موتيجي، إلى 7 دول في الشرق الأوسط، والتي انتهت في 24 أغسطس الجاري، زخماً وقوة جديدة لأهداف الدبلوماسية اليابانية التي تنظر إلى منطقة الخليج العربي باعتبارها من أهم المناطق التي تتلامس مع ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وفق صحيفة «جابان تايمز» التي قالت إن اليابان تحصل على نحو 90% من احتياجاتها من النفط والغاز من منطقة الخليج العربي.

كما أن البضائع اليابانية حاضرة بقوة في الأسواق العربية، فكيف يمكن البناء على الرصيد الهائل في العلاقات اليابانية الشرق أوسطية؟ وإلى أي مدى لعبت زيارة وزير الخارجية الياباني للمنطقة دوراً كبيراً في تشكيل منصة جديدة لدعم كل أفكار السلام والازدهار وتبريد الصراعات في المنطقة؟

الحياد الإيجابي

الناظر إلى خريطة جولة وزير الخارجية الياباني للمنطقة والأفكار التي طرحها بهدف تهدئه التوترات يتأكد له أن اليابان تنطلق من حياد إيجابي وعلاقات متينة مع كل الأطراف، فالعلاقات اليابانية قوية مع فلسطين والأردن كما هي مع إسرائيل، وتحافظ طوكيو على علاقات متميزة مع طهران بجانب علاقاتها الخاصة مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، فجولة وزير الخارجية الياباني شملت أيضاً مصر وقطر وتركيا، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل، حسب وكالة كيودو اليابانية.

وما يؤكد سعي اليابان إلى تعزيز دورها الحيادي في المنطقة هو إصرار رئيس الوزراء السابق شينزو أبي، على بدء واستكمال جولته في المنطقة في يناير 2020 رغم التوتر الشديد بين واشنطن وطهران في ذلك التوقيت، على خلفية اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني، وهو ما أكد للجميع المدى البعيد الذي يمكن أن تقوم به طوكيو في لعب دور لصالح إقرار السلام في المنطقة والخليج، وهو ما تعكسه الرؤية اليابانية التي طرحها شينزو أبي خلال زيارته للمنطقة في الفترة من 10 الى 13 يناير 2020 وزار خلالها الإمارات والسعودية وسلطنة عمان.





واقترح أبي وقتها إرسال قوات الدفاع الذاتي التابع للبحرية اليابانية لدعم الأمن البحري في منطقة الخليج ضمن مهمة يابانية مستقلة، رافضاً الانضمام للمبادرة الأمريكية في ذلك الوقت، وهو ما أضاف كثيراً لدبلوماسية الحياد اليابانية التي تدعم رؤية اليابان المعتمدة على تفعيل «الدبلوماسية الاستباقية» لنزع فتيل التوتر، وذلك بحسب رأي الكثيرين ومنهم كبير الباحثين في برنامج الخليج وآسيا بأكاديمية الإمارات الدبلوماسية نارايانابا جاناردهان.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية الياباني الحالي إنه اتصل بنظيره الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، 6 مرات من أجل تخفيف التوتر في المنطقة.

الخليج في المقدمة

وتحتفظ اليابان بعلاقات طويلة تمتد إلى نصف قرن من الزمان مع دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ الاتفاق على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1971.

وفي عام 2018 تمت صياغة رؤية واستراتيجية تعاون مشتركة في إطار ما يسمى «مبادرة الشراكة الاستراتيجية الشاملة (CSPI)»، وفق وكالة أنباء الإمارات «وام» التي قالت إن الإمارات تعد ثاني أكبر مورد نفط لليابان بنسبة تصل إلى 29.9% من استهلاك اليابان للطاقة، وفق حسابات سبتمبر 2019.

ووقعت الإمارات واليابان عام 2020 اتفاقية التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة، والذي يسمح لليابان بتخزين 8 ملايين برميل من النفط الخام الإماراتي، كما حصلت اليابان عام 2018 على امتياز نفطي في أبوظبي على مدى الأربعين عاما القادمة. وكانت إمارة أبوظبي شاركت بجناح خاص في معرض أوساكا إكسبو عام 1970، وبعد 50 عاماً ها هي دولة الإمارات تستضيف في أكتوبر المقبل معرض إكسبو دبي 2020، الذي تشارك فيه اليابان أيضاً.

ومنذ كارثة مفاعل فوكوشيما النووي في 2011 أصبحت سياسة الطاقة اليابانية تعتمد على النفط والغاز من منطقة الخليج، حيث تستورد اليابان نحو 90% من النفط الخام من الخليج بنحو 46% من السعودية، و29.9% من الإمارات، و8% من قطر، و6% من الكويت.



ولهذا وصلت قيمة تجارة الغاز والنفط اليابانية مع دول الخليج إلى 65.4 مليار دولار عام 2018، وفق دراسة نشرها معهد دول الخليج العربي في واشنطن، كما دشنت اليابان علاقة خاصة مع الخليج العربي خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى طوكيو عام 2017، والذي تم فيها الاتفاق على «رؤية السعودية – اليابان 2030».



ممر للسلام

تعتقد اليابان أنها من خلال ما أطلق عليه وزير خارجيتها توشيميتسو موتيجي، الدبلوماسية الفريدة، أنها تستطيع اختراق الملفات الشائكة بالشرق الأوسط ومنها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اعتماداً على العلاقات القديمة والراسخة في المنطقة، حيث تروّج اليابان لمبادرة «ممر السلام والازدهار» بالتعاون مع الأردن وإسرائيل.

وتعتمد هذه المبادرة على تحسين الاقتصاد الفلسطيني عبر المشروع الرئيسي لهذه المبادرة، وهو مشروع مدينة أريحا الصناعية الزراعية، بحيث يكون الاقتصاد الفلسطيني قادراً على الاعتماد على الذات، كما تراهن اليابان على الدبلوماسية والقانون الدولي من أجل إرساء نظام بحري حر ومفتوح في الخليج العربي، يعتمد على سيادة القانون وليس على القوة، والذي هو الضمانة الحقيقية للاستقرار الإقليمي والدفع نحو مزيد من التنمية في المنطقة، وذلك حسب تصريح لوزير الخارجية الياباني، في 14 أغسطس الجاري. وقد أكدت أطروحاته خلال الزيارة رهان اليابان على الخيارات الدبلوماسية وتعزيز السلام بما ينسجم مع دستورها الوطني ورؤيتها للتعامل وبناء العلاقات مع دول المنطقة.