الاحد - 28 أبريل 2024
الاحد - 28 أبريل 2024

«الناتو الآسيوي».. موجة جديدة من التحالفات السياسية والعسكرية

يستعد العالم لسلسلة من التغيرات الجيوسياسية نتيجة للهبوط والصعود في موازين السياسة والاقتصاد والقوى العسكرية على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما يفضي مستقبلاً إلى إفراز عدة تحالفات قارية ودولية هدفها ضمان وتعزيز المكاسب الراهنة أو مواجهة اندفاع الأطراف الأخرى.

ورغم أن بداية إرهاصات هذه التحولات الكبرى ظهرت في الماضي وتجسدت بصورة واضحة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إلا أن وصول الرئيس جو بايدن، للحكم في 20 يناير الماضي، شكل مع مجموعة أخرى من العوامل نافذة لظهور تلك التحالفات.

من بين تلك العوامل التئام أول قمة لتحالف «كواد» الرباعي في مارس الماضي، ثم الإعلان عن تشكيل تحالف «أوكوس» في 15 سبتمبر من العام الجاري، بالإضافة إلى عوامل أخرى أبرزها الخلافات بين الولايات المتحدة مع فرنسا وعدد من الدولة الأوروبية حول ملفات عدة، والخلافات الأوروبية الأمريكية مع روسيا، وإعلان بايدن «المنافسة الاستراتيجية» مع الصين، كل هذا دفع الجميع للبحث عن مسارات وتحالفات جديدة تضمن لكل طرف المكان الذي يقف عليه؟ فما أبرز التحالفات الجديدة التي تلوح في الأفق القريب أو المتوسط والبعيد؟ وما الأسباب التي يمكن أن تعجل أو تؤجل ظهور هذه التحالفات؟

«كواد» و«أوكوس»

تتفق الكثير من التقديرات أن هناك «ناتو آسيوي» جديداً يجري تشكيله في شرق وجنوب شرق آسيا، وأن هذه الناتو الجديد الذي بدأ بتحالف «كواد QUAD» يمثل «النموذج الأولي للناتو الآسيوي» حسب تقدير سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، الذي يرى أن هذا التحالف سيجذب أعضاء جدداً بالإضافة للدول العملاقة التي يضمها كواد في الوقت الحالي، وهي الولايات المتحدة والهند واليابان، وجميعها دول لها خلافات جيوسياسية مع الصين، حيث تقع اشتباكات متقطعة بين الجيش الهندي ونظيره الصيني في جبال الهيمالايا، كما يستمر الصراع الصيني الياباني حول المياه الإقليمية وبحر الصين الشرقي وجزر سينكاكو التي تسيطر عليها اليابان وتطالب بها الصين، بالإضافة إلى الخلافات الصينية الأسترالية السياسية والتجارية، والتي كانت الدافع القوي لاصطفاف أستراليا بشكل واضح مع الغرب سواء في «كواد» أو «أوكوس» ضد الصين.

ورغم أن تحالف «كواد» بدأ على مستويات ضعيفة منذ 2007، إلا أنه دخل مرحلة جديدة أزعجت الصين، من خلال زيادة التنسيق والعمل السياسي والعسكري المشترك وإجراء المناورات مثل مناورة «لا بيروز» في خليج البنغال في أبريل الماضي، ثم إجراء مناورات «مالابار» البحرية مقابل ساحل غوام في أغسطس الماضي، كل ذلك شكل منعطفاً جديداً وحماسة مختلفة بين دول التحالف الجديد، وهو ما دفع الصين لوصف تحالف كواد بأنه أخطر من أوكوس، حسب ما نقلته وكالة رويترز.

حجر أساس لاتحاد اقتصادي

توقعات كثيرة بأن الدول التي تختلف مع الصين على السيادة في بحر الصين الجنوبي مرشحة للانضمام لتحالف «كواد»، خاصة أنه بالفعل جرى من قبل محادثات ضمت، بالإضافة لدول كواد الأربع، كلاً من كوريا الجنوبية التي يتواجد بها نحو 28500 جندي أمريكي، ونيوزيلاندا وفيتنام ضمن محادثات أطلق عليها «كواد بلس QUAD PLUS».

وفي المستقبل المنظور قد تكون كوريا الجنوبية الأقرب لانضمام هذا التحالف ليصبح تحالفاً خماسياً تحت أسم «كوينت QUINT». وما يزيد من قوة تحالف الكواد في المستقبل ليس فقط إمكانية إضافة دول جديدة، بل لأن الولايات المتحدة تريد أن يكون للتحالف ذراع اقتصادية قوية، فواشنطن ترى فيه «حجر أساس» لاتحاد اقتصادي وجمركي، وقد يصل لمرحلة التعاون في البنية التحتية وسلاسل التوريد والتكنولوجيا الفائقة.

انتقام الجغرافيا



وتسعى الولايات المتحدة من خلال هذه التحالفات إلى منع تحول القيادة العالمية من القطب الواحد إلى القيادة متعددة الأقطاب، عبر خلق دائرة من التحالفات مع دول تشكل حزاماً من نار أو على الأقل حائط صد ضد الطموحات الصينية، فوفق كتاب «انتقام الجغرافيا» للعالم الأمريكي الشهير روبرت كابلان، فإن الصين لا يمكن أن تكون قائدة للعالم إذا تم محاصرتها جيوسياسياً من خلال خلق مشاكل لها مع 4 جزر رئيسية تحاصرها هي أستراليا واليابان وإندونيسيا وتايوان، وهؤلاء جميعهم حلفاء للولايات المتحدة، وفي نفس الوقت على خلاف حاد مع الصين. فالصراع التايواني مع الصين وصل لأعلى درجاته هذا العام، كما أن هناك صراعاً صينياً إندونيسياً حول السيادة في بعض مناطق بحر الصين الجنوبي، وعلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لإندونيسيا التي تتمسك باتفاقية الأمم المتحدة لتقسيم أعالي البحار لعام 1982، وهي الاتفاقية التي ترفضها الصين.

«العيون الخمس»

وتأتي التحالفات الأمريكية الجديدة تحت مظلة التحالف الأكبر وهو «تحالف القيم والديمقراطيات» الذي أعلن بايدن أنه سيعمل في إطاره، حيث تسعى الولايات المتحدة في عهد الديمقراطيين إلى تعزيز العلاقات مع الدول التي تتفق رؤيتها مع الديمقراطية الأمريكية، وهي بشكل رئيسي كندا وأستراليا ونيوزيلاندا والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان، ولهذا تأتي تحالفات مثل «الكواد»، و«أوكوس»، و«العيون الخمس»، الذي يضم نيوزيلاندا وأستراليا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة، في إطار تحالف القيم والديمقراطيات.

التحالف الصيني الروسي

جاء إعلان وزارة الدفاع الروسية عن قيام البحرية الروسية والصينية بأول دورية بحرية مشتركة في المحيط الهادئ في 23 أكتوبر الماضي ليكشف عن عمل الجيشين الروسي والصيني معاً في أكثر من جبهة، خاصة أن الدورية البحرية جاءت بعد أن نفذت القاذفات الجوية الصينية والروسية معاً رحلات بعيدة فوق المحيط الهادئ عام 2020، ورغم عدم الإعلان الرسمي حتى الآن عن التحالف بين روسيا والصين، إلا أن جوهر وأدوات وأهداف «معاهدة الصداقة والتعاون» التي جرى تجديدها في 16 يوليو الماضي تؤكد أن العلاقة بين بكين وموسكو تفوق علاقات التحالف، بعد أن شملت المعاهدة الجديدة نحو 300 اتفاق وبروتوكول تعاون، تغطي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية.

هناك تصريح شهير للرئيس الروسي فلاديمير بوتن، على هامش مؤتمر فالدي الأخير، بأن موسكو مستعدة «لترفيع» مستوى العلاقة من الشراكة الاستراتيجية إلى «مستوى التحالف»، ويتوقف توقيت الإعلان عن هذا التحالف على طبيعة العلاقات المستقبلية بين الغرب وروسيا التي تلقت دعماً غير مسبوق من الصين منذ فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا عام 2014، كما أن روسيا شريك رئيسي في تطوير البرامج العسكرية الصينية.

وتخشى الولايات المتحدة من أن تحالف روسيا، ذات القدرات العسكرية والنووية الهائلة، مع الصين بإمكاناتها البشرية والاقتصادية يشكل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، خاصة أن هذا التحالف يمكن أن يضم دولاً أخرى في المستقبل، مثل إيران وباكستان وطاجيكستان وقيرغزستان وأوزبكسان وكازاخستان، وفق تقدير معهد جيستون الأمريكي.

تحالفات أوروبية

تسمح المادة 44 من ميثاق الاتحاد الأوروبي لدول الاتحاد بتشكيل قوة عسكرية، لهذا سيبحث القادة الأوروبيون في مارس المقبل تشكيل قوة التدخل الأوروبي السريع، والتي يطلق عليها «البوصلة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي». وتدعم ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا ودول الجناح الغربي في الاتحاد الأوروبي بشكل رئيسي تشكيل هذه القوة التي تغيب عنها دول الجناح الشرقي التي تفضل تقوية العلاقات العسكرية مع واشنطن.

في المقابل باتت روسيا وبيلاروسيا في أقرب نقطة للوحدة والتحالف، بعد توقيع سلسلة من الاتفاقيات الجديدة التي ترفع سقف التدريبات العسكرية والتقارب الاقتصادي في ذكرى الاحتفال باتفاقية الوحدة والاندماج التي وقعتها روسيا وبيلاروسيا عام 1999، وهو ما يشكل ضغطاً على الناتو في جبهتي بولندا وليتوانيا.