السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

سياسة بيديا | «البيريسترويكا».. ديمقراطية غورباتشوف لإنهاء عصر الركود

سياسة بيديا | «البيريسترويكا».. ديمقراطية غورباتشوف لإنهاء عصر الركود

الرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف في آخر جلسة لمجلس السوفيات الأعلى 1991. ( إيه بي أيه)

«البيريسترويكا» حركة سياسية للإصلاح داخل الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي، ظهرت خلال ثمانينات القرن الماضي، تحديداً في 1985 واستمرت حتى 1991. ارتبطت بالأمين العام للحزب، ميخائيل غورباتشوف، الذي مهد لها في خطابات عدة أعترف في أحدها بتباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض مستوى المعيشة.

حاول غورباتشوف من خلال السياسة الجديدة إعادة هيكلة النظام السياسي والاقتصادي السوفيتي، لإنهاء عصر الركود، إذ إن اتباع البيريسترويكا - كلمة روسية معناها إعادة الإعمار- مكَّن الوزارات من اتخاذ إجراءات مستقلة، بالإضافة إلى إدخال العديد من الإصلاحات المشابهة للسوق.

جاءت الخطوات الأولى لـ«البيريسترويكا» خلال الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي في يونيو 1987، طرح خلالها غورباتشوف أطروحته الأساسية التي أرست الأساس السياسي للإصلاح الاقتصادي الذي استمر حتى تفكك الاتحاد السوفيتي.

أعتبر ألكسندر ياكوفليف القوة الفكرية وراء برنامج غورباتشوف الإصلاحي، ودعم من هذا الطرح تعيينه رئيساً لقسم الدعاية المركزية للحزب الشيوعي، الذي جادل كثيراً من أجل برامج الإصلاح، ولعب دوراً رئيسياً في تنفيذ سياسات تلك البرامج

البيروقراطية تعيق «البيريسترويكا»

أعاقت البيروقراطية الاقتصادية تطبيق برنامج غورباتشوف، خشية فقدان قوتها وامتيازاتها، خاصة بعد اقتراحاته الخاصة بالحد من المشاركة المباشرة لقيادة الحزب الشيوعي في حكم البلاد وزيادة سلطة الحكومات المحلية.

صمم غورباتشوف على المضي قدماً، حيث أنشأ برلماناً جديداً في عام 1988 - الكونغرس السوفيتي لنواب الشعب- ولأول مرة أتاحت الانتخابات للناخبين اختيار المرشحين، بما في ذلك غير الشيوعيين، على الرغم من استمرار سيطرة الحزب الشيوعي على النظام.

اتُهمت البيريسترويكا والعلل الهيكلية المرتبطة بها، بأنها محفز مهم لانهيار الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفيتي، نتيجة لما سببته من توترات سياسية واقتصادية واجتماعية، الأمر الذي ساهم في صعود الأحزاب السياسية القومية داخل الجمهوريات المكونة، ورغم الهدف المزعوم لـ«البيريسترويكا» بإنهاء الاقتصاد الموجه، إلا أنها كانت تهدف بالأساس إلى دعم النظام الاشتراكي حتى يعمل بكفاءة أكبر لتلبية احتياجات المواطنين بشكل أفضل من خلال تبني عناصر الاقتصاد الليبرالي.

سياسة «غلاسنوست»

بالتوازي مع البيريسترويكا استخدم غورباتشوف سلاحاً سياسياً آخر أطلق عليه غلاسنوست ـ كلمة روسية تعني الشفافية- وسعى من خلالها إلى الحد من نفوذ القوى الشيوعية النافذة داخل الحزب أو الحكومة، إلا أن السياسة الانفتاحية الجديدة وما أتاحته من حريات والحد من الرقابة على المواطنين، أدت إلى فقدان السيطرة على الإعلام بعد أن كان في قبضة الحكومة، الأمر الذي كشف النقاب عن عمليات سرية لرؤساء سابقين كعمليات التطهير العرقي لـ«جوزيف ستالين»، وتسليط الضوء على أوامر رؤساء حكومات سابقين طالب رئيس إحداها بقتل ما بين 25 إلى 60 مليون مواطن سوفييتي، بالإضافة إلى تسليط الضوء على قضايا اجتماعية واقتصادية عديدة، رغم ذلك رأى غورباتشوف استحالة نجاح البيريسترويكا دون غلاسنوست.

قانون التعاونيات

في مايو 1988 بدأ العمل بقانون التعاونيات، الذي أعتبره البعض إصلاحاً جذرياً للسياسات الاقتصادية خلال الفترة الأولى من حكم غورباتشوف، وبموجبه سمح بالملكية الجماعية للأعمال في قطاعات الخدمات والتصنيع والتجارة الخارجية، إلا أنه فرض في البداية ضرائب عالية وقيوداً على العمالة سرعان ما تراجع عنها لاحقاً لتجنب تثبيط نشاط القطاع الخاص.

بدأ غورباتشوف بالتوسع في استخدام سياسته الاقتصادية الجديدة خارجياً، إذ سمح بالاتصال المباشر بين المستخدمين السوفيت وشركائهم الأجانب والموردين، ولا سيما أنه سُمح لوزارات محددة بممارسة التجارة الخارجية في القطاعات الواقعة تحت مسؤوليتها، بالإضافة إلي السماح للمنظمات الإقليمية والمحلية والشركات الحكومية الفردية بممارسة التجارة الخارجية، الخطوة التي وصفها اقتصاديون سوفييت بالجريئة وقتها.

فروق الإصلاح

بالتعرض لحقبة الثمانينات والإصلاح الاقتصادي للاتحاد السوفيتي لا يمكن التغافل عن تشابه الظروف الاقتصادية والسياسية للاتحاد السوفيتي مع الصين، حيث إن كلاً منهما بدأ الإصلاح خلال الحقبة ذاتها على أسس اشتراكية، إلا أن الاقتصاد الصيني نما بشكل ملحوظ نتيجة تركيز الإصلاح الاقتصادي من القاعدة، والإلغاء التدريجي للأسعار التي تمليها الدولة، بالإضافة إلى توفير رأس مال من خلال نظام مصرفي وسياسات مالية محددة، في وقت لم تنجح فيه اللامركزية السوفيتية في التخلص من معوقات حالت دون استثمار خطة البيريسترويكا، إذ ظل احتكار الحكومة لمعظم وسائل الإنتاج وعدم قابلية تحويل الروبل، واستبعاد الملكية الخاصة، ما أدى إلى تأخر بذور خطة الإصلاح وبداية انخفاض عائدات الضرائب من السلطات المحلية؛ نتيجة لتنامي روح الحكم الذاتي، وبسبب إنهاء السيطرة المركزية على قرارات الإنتاج بدأت تلوح في الأفق بداية النهاية للاتحاد السوفيتي الذي سرعان ما تفكك نهائياً في 1990.

الاختلاف الجوهري الآخر يمثل في إتاحة غورباتشوف قدراً من الحريات من خلال سياسة غلاسنوست والتي اعتبرها ضرورة لنجاح البيريسترويكا، في وقت لم تسمح الصين بالمعارضة السياسية، ما اعترف به غورباتشوف وبرره بأن أوضاع البلدين مختلفة.

يأتي الاختلاف الأخير والذي يتمثل في تعزيز غورباتشوف من اللامركزية التي شجعت الروح الانفصالية، في وقت لم تغير إصلاحات «دينغ» من قبضة الحكومة المركزية المحكمة على أي من مناطق الحكم الذاتي.