الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

نووي إيران.. من يحسم معركة الأمتار الأخيرة؟

نووي إيران.. من يحسم معركة الأمتار الأخيرة؟

حصول إيران على أموالها من مبيعات النفط والغاز قد يدفعها للتوسع في دول المنطقة

يترقب العالم خروج الاتفاق النووي الإيراني إلى النور، في ظل تصريحات مسؤولين غربيين، بالاقتراب من الوصول إلى مسودة الاتفاق، بدون الإعلان عن مصير القضايا العالقة بين الولايات المتحدة وإيران، بينما تعتبر طهران أن الكرة باتت في ملعب أمريكا، وتطالبها بإزالة وضع الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، وهي إحدى أهم القضايا العالقة، المعرقلة للتوصل للاتفاق، لا سيما أنها قضية تعد خطاً أحمر بالنسبة للدول العربية عامة، والخليج خاصة، لما قام به الحرس الثوري من أفعال، في وقت تسعي واشنطن إلى مخاطبة ود دول الخليج، للحيلولة دون زيادة أزمة الطاقة العالمية، بعد العقوبات الأخيرة التي فرضها الغرب على روسيا في أعقاب العملية العسكرية الأخيرة في أوكرانيا، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الرؤية».

عقبات رئيسية

فمن جانبه، قال نائب رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية بالرياض، دكتور أحمد القرني «إيران لديها إصرار على تنفيذ شروطها، رغم الخطوط الحمراء التي رسمتها وإعلانها الاستعداد للتوصل إلى اتفاق قوي ودائم، طالما أنه لا يتخطى تلك الخطوط، الأمر الذي ظهر في معرض رد وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان على سؤال خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، حول العقبات الرئيسية التي تعترض مسار التوصل لاتفاق مع القوى الكبرى، حيث أوضح أن هناك بعض الأمور لا تزال معلقة، وتتعلق برفع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران».

وأوضح القرني أن تأخر الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني الجديد، جاء بسبب الاختلافات بين أمريكا وإيران حول بعض القضايا، بعضها يخص الاتفاق نفسه، مثل المطالب الإيرانية بالحصول على ضمانات عدم انسحاب واشنطن من الاتفاق في المستقبل، إلى جانب تعويض إيران عن خسائرها جراء العقوبات، وأخيراً رفض أمريكا رفع بعض العقوبات غير النووية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، تحت بنود الإرهاب وحقوق الإنسان والأنشطة الصاروخية.

أكبر قدر من المكاسب

وشدد القرني على أن إيران تعي أن تلك المطالب لن تكون مقبولة من قبل الإدارة الأمريكية، غير أنها تأتي في محاولة للضغط على واشنطن للحصول على أكبر قدر من المكاسب، لا سيما في ظل بروز الأزمة الأوكرانية، وإفساح المجال لإيران لضخ إنتاجها من النفط والغاز، للمساهمة في سد حاجة السوق العالمية من الطاقة، فضلاً عن رغبة واشنطن في التفرغ لصراعها مع روسيا وتنافسها مع الصين.وبحسب القرني، فإن واشنطن أثارت عدداً من القضايا غير النووية، ولا تخص الاتفاق، رغبة منها في الاحتفاظ ببعض أوراق الضغط في المستقبل، وتلافي أخطاء التي حدثت في اتفاق 2015، عندما راهنت أمريكا على تعديل السلوك الإيراني، اتساقاً مع روح الاتفاق، ومن بين تلك الأوراق إبقاء الحرس الثوري ضمن إطار العقوبات.

وشدد القرني على أن الاتفاق المنتظر، يضع البرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة الدولية، وبعض تلك الأطراف الدولية صديقة لإيران مثل روسيا والصين، مؤكداً أن جميعهم لديهم مصلحة في عدم امتلاك إيران للسلاح النووي. وأشار إلى أن عدم وجود اتفاق يزيد من قدرة إيران التقنية في المجال النووي، إذ يسمح بتطوير قدراتها على التخصيب وتطوير أجهزة الطرد المركزي والاحتفاظ بمخزونات من اليورانيوم عالي التخصيب والمياه الثقيلة بما يفوق الحاجة السلمية، ومن ثم احتمال تخطيها العتبة النووية خلال شهور، إذا ما قررت اللجوء لذلك، منوهاً بأن لذلك السبب قررت الولايات المتحدة الأمريكية فصل الاتفاق النووي عن أي ملفات أخرى.

ورجح القرني سعي أمريكا إلى تهدئة الأوضاع من أجل كسب مزيد من الوقت لإعادة ترتيب أوراقها، لا سيما خلال صراعها الراهن مع روسيا والصين، وأزمة الطاقة العالمية الناتجة عن العملية العسكرية الروسية، والفجوة المتسعة مع دول الخليج، مدللاً على ذلك بمشاركة الولايات المتحدة في قمة النقب وزيارة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة للإمارات، فضلاً عن الإعلان بأن واشنطن لن ترفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، بما يعد رسائل طمأنة للجانب العربي خاصة دول الخليج، مفادها التزام الولايات المتحدة بمواجهة التدخلات الإيرانية في دول المنطقة خلال مرحلة ما بعد العودة للاتفاق النووي.

إقرأ أيضاً..اليورانيوم الروسي.. ورقة مؤجلة في مواجهة أمريكا والغرب

برامج نووية سلمية خليجية

وشدد على ضرورة أن تتجه دول الخليج إلى تشغيل برامج نووية سلمية بغض النظر عن وجود اتفاق نووي مع إيران من عدمه، كونه ضرورة اقتصادية مستقبلية، إلى جانب أنه يمثل حاجة حيوية لمصالحها الاستراتيجية، معتبراً أنها «ورقة مهمة في إطار التنافس الدولي والإقليمي الراهن، ليس لمواجهة برنامج إيران فحسب، لكن هناك برامج أخرى في المنطقة مثيرة للقلق مثل البرنامج الإسرائيلي غير السلمي». وحذر من أن «حصول إيران على أموالها الناتجة عن مبيعات النفط والغاز، فضلاً عن حصولها على أموالها المجمدة، قد يجعلها تعمل على توظيف جزء كبير منها في الاستمرار بمشروعها التوسعي في دول المنطقة، الأمر الذي قد يفسح المجال لسباق تسلح كبير في الدول الإقليمية لمواجهة الأطماع الإيرانية».

منع إيران من السلاح النووي

وبدوره، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة نيس، ورئيس الجمعية الاقتصادية الفرنسية، دكتور آلان صفا، أن الحل الوحيد لمنع إيران من التسلح النووي هو الاتفاق النووي الجديد، بينما أن الحل الأخر يكمن في توجيه ضربة عسكرية قوية، ما يعني دخول أمريكا في حرب جديدة، الأمر الذي يخالف الاستراتيجية التي أعلنتها واشنطن في أعقاب الانسحاب من أفغانستان أغسطس الماضي، والتي تنطوي على ألا تنجر إلى صراعات أخري داخل بلدان لا تعدها مناطق استراتيجية. وقال «المناطق الاستراتيجية بالنسبة لأمريكا هي روسيا والصين، لذا فإن واشنطن تسعى لإيجاد حلول بديلة عن التدخل العسكري، من أجل تدمير قدرات إيران النووية، الأمر الذي يعزز من ضرورة التوصل لاتفاق نووي قريب». وأرجع التأخر في الإعلان عن الاتفاق النووي إلى سببين؛ أولهما المفاوضات الجارية، والآخر يرجع إلى الحرب الروسية- الأوكرانية، لافتاً إلى أنه رغم كون الاتفاق يدور بين أمريكا وإيران، إلا أنه لا بد من موافقة الدول الخمس عليه (فرنسا- ألمانيا- المملكة المتحدة- روسيا - الصين)، مؤكدا أن تفاوت المواقف بين تلك الدول، الذي خلفته الحرب الأوكرانية، يسهم في تأخر ظهور الاتفاق النووي الجديد، لاسيما مع سعي روسيا إلى عرقلة المفاوضات عبر دفع إيران إلى وضع شروط جديدة.وأوضح أن دول الخليج أرسلت عدة رسائل إلى أمريكا، تعبر عن عدم تقبلها للموقف الأمريكي، الأمر الذي ترجمه موقف المملكة العربية السعودية عبر رفضها التجاوب مع رفع نسبة ضخ النفط بعد الأزمة الأوكرانية ونقص الإمدادات، مشيراً إلى عدم تجاوب المملكة مع الطلب الأمريكي حتى بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون إلى المملكة، لافتاً إلى أن الزيادة الطفيفة التي خرج بها أوبك الأسبوع الماضي لا تعبر عن أي تجاوب.

التقارب الخليجي الصيني

كما أكد أن دول الخليج توضح من خلال رسائلها لأمريكا أن السياسة الجديدة لواشنطن، إذا ما كانت متناقضة مع مصالح الدول الخليجية، قد يدفعها إلى توجهات جديدة لحماية مصالحها، لافتاً إلى أن إحدى تلك التوجهات، بناء علاقات وطيدة مع الصين التي تعد المستهلك الأول للنفط الخليجي، الأمر الذي يبرر التقارب بين دول الخليج والصين خلال الفترة الأخيرة. ولفت إلى أن تلك التحولات في العلاقات بين دول الخليج وأمريكا، ليست جذرية، ولا تعدو كونها نوعاً من التفاوض غير المباشر، بما يضمن مصالح الدول الخليجية في ظل الاتفاق النووي الجديد، لا سيما أن دول الخليج لا تستطيع أن تبتعد كثيراً عن أمريكا باعتبار أن ذلك التباعد يؤثر بشكل مباشر على مصالحها، مؤكداً أن تلك التحولات لن يؤثر بشكل جذري على توجهات الدول الخليجية خلال الفترة المقبلة. وتوقع أن يتم تجديد الاتفاق النووي لعام 2015، خلال المفاوضات الجارية حتى نهاية عام 2030، الأمر الذي يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وبالتالي فإن الحديث عن اتخاذ دول الخليج قرار بالتسلح النووي يعد أمراً غير واقعي، غير أنه في حال اتخذت إيران قرار تطوير سلاح نووي عقب انتهاء العمل بالاتفاق النووي، فإن ذلك قد يجبر الدول الخليجية على اتخاذ إجراءات مماثلة لضمان إيجاد نوع من التوازن الاستراتيجي.

إقرأ أيضاً..فسفور أبيض حارق.. هل تعرضت ماريوبول لهجوم كيميائي؟

وأوضح أن إيران أحد الدول الموقعة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لافتاً إلى أن إيران قامت باحترام تلك المعاهدة، عكس كوريا الشمالية التي اتخذت قراراً بالخروج عن تلك المعاهدة، بعد هجوم أمريكا على العراق، واعتبرت بيونغ يانغ أن السلاح النووي هو الدرع الوحيدة القادرة على منع مهاجمة واشنطن لها، معتقداً عدم وجود ما يدعو للقلق على المدى القريب، لا سيما أن التسلح النووي الإيراني غير وارد حتى انتهاء مدة الاتفاقية التي لم تظهر للنور بعد.