الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

استراتيجية «درع السيليكون» تشكل خطراً على تايوان وأمريكا

استراتيجية «درع السيليكون» تشكل خطراً على تايوان وأمريكا

تتصاعد يوماً بعد يوم حدة التوتر بين الصين وتايوان، وتزداد المخاوف من إقدام بكين على غزو الجزيرة، وقد زاد هذا الاحتمال إلى حد بعيد في أعقاب اندلاع الصراع الروسي الأوكراني أواخر شهر فبراير الماضي.

جوهر الصراع بين الصين وتايوان يكمن في أن بكين تعتبر تايوان جزءاً من البر الرئيسي الصيني، ومقاطعة يتعين إعادة ضمها في إطار سياسة «صين واحدة»، في حين يرفض سكان تايوان ذلك ويعتبرون جزيرتهم مستقلة.

ويُعتقد أن أحد العناصر المهمة في إطار التصعيد الصيني هو أن بكين تسعى أيضاً إلى السيطرة على أحد أكبر أسواق الصناعات التكنولوجية في العالم في إطار الحرب التكنولوجية بين بكين والغرب، وواشنطن على وجه الخصوص.

وذكر الباحث الأمريكي كريستوفر فاسالو بمعهد سياسة مجتمع آسيا ومركز بيلفر بجامعة هارفارد، في تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، أن «درع السيليكون» -وهو ما يطلق على استراتيجية تعتبر اعتماد الصين وأمريكا على صناعة أشباه الموصلات التايوانية حصن الدفاع عن الجزيرة- هو مفهوم عتيق، يثقل كاهل الولايات المتحدة، ويشجع تايوان، ولكنه لن يردع الصين، وربما تندلع أزمة تظهر أن الفكرة قد عفا عليها الزمن.

وكان الكاتب كريج أديسون طرح فكرة «درع السيليكون» لأول مرة في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أكثر من عقدين، حيث أوضح أن تايوان تمتلك درعاً تضاف إلى الدرع الصاروخية الذي كانت واشنطن تعتزم إقامتها في شرق آسيا. وجوهر «درع السيليكون» هو حصة تايوان الهائلة من منتجات تكنولوجيا المعلومات. وأوضح أديسون أن أشباه الموصلات ومكونات أجهزة الكومبيوتر التي تنتجها تايوان لها أهمية بالغة إلى حد لا يستطيع العالم أن يتحمل توقف تدفقها، أو تدمير مصانعها، فقد تصل الخسائر إلى تريليونات الدولارات.

ويقول فاسالو إنه منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني في 24 فبراير الماضي، ضغطت استراتيجيات الدفاع الأمريكية على تايوان لتحديث دفاعاتها العسكرية. وكانت إحدى المهام الرئيسية هي مواءمة توفير الأسلحة الدفاعية مع احتياجات الجيش التايواني، وشراء صواريخ ستينجرز وجافلينز، بدلاً من شراء دبابات آبرامز ومروحيات سيهوك.

وفي إطار هذه العملية، أغفل المخططون الاستراتيجيون الأمريكيون مسألة تسريع وتيرة إضعاف «درع السيليكون» الخاصة بتايوان.

وتشير «درع السيليكون» إلى الحماية المفترض أن توفرها صناعة أشباه الموصلات الضخمة في تايوان، حيث تعد الجزيرة مصنع رقائق العالم، فهي توفر نحو 90% من إنتاج الرقائق الأكثر تقدماً في العالم، و50% من جميع أنواع الرقائق. وتايوان هي كلمة السر في سلاسل توريد أشباه الموصلات التي تمتد عبر العديد من الدول، ولعشرات الآلاف من الأميال.

ويقول سافالو إن تايوان تستمد قيمة استراتيجية من هذه الهيمنة، من الناحية النظرية، حيث تحصد رادعاً مزدوجاً يثني عزم الصين على غزوها، كما يضمن حماية أمريكية، حال لم ينجح ذلك. ووصف مؤسس شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات ( تي إس إم سي)، كبرى إنتاج شركات الرقائق في تايوان، مسابك هذه الصناعة في الجزيرة بأنها «سلسلة جبال مقدسة تحمي البلاد».

ووصف محللون في «مركز الأمن الأمريكي الجديد» (سي إن آيه إس) البحثي «درع السيليكون» بأنها «ضربة معلم دفاعية» تجعل الجزيرة «لا غنى عنها للجانبين»، في إطار المنافسة بين أمريكا والصين.

وتقضي استراتيجية «درع السيليكون» بأن تسعى تايبيه إلى تحقيق الأمن من خلال نقاط ضعفها، انطلاقا من الثقة في أن زبائنها في الغرب سيوفرون لها الحماية. ورغم ذلك، ومن أجل أن ينجح هذا الردع المزدوج، تراهن تايبيه على اهتمام بكين الكافي بوجود توريدات مستقرة من الرقائق من تايوان، في مواجهة قناعتها المتوازية بأن الجزيرة تنتمي إلى قلب الحضارة الصينية. وإن كان ذلك خطأ، لن تكون النتيجة ردعاً مزدوجاً، بل كارثة مزدوجة.

ويقول سافالو إنه إذا حدث هذا السيناريو الأسوأ، سوف تتسبب نقاط الضعف التايوانية في إطلاق هجوم صيني وتدخل أمريكي غير كافٍ لحماية الجزيرة التي لم تستثمر إمكانات الدفاع التي تملكها.

ويرى سافالو أنه يتعين على «درع السيليكون» أن تدفع صناع السياسة في الولايات المتحدة إلى الشعور بحالة بالغة من عدم الارتياح. ويقول إن الصين تسعى بالفعل إلى الهيمنة على صناعة أشباه الموصلات، وقد نما نصيبها في هذا الصناعة من 3 % إلى 9 % خلال السنوات الأخيرة. ويستهدف سعي بكين إلى «نظام بيئي ذي حلقة مغلقة لتصنيع أشباه الموصلات،» ضرب جوهر منطق «درع السيليكون ذاته».

ومن أجل قلب الحسابات الاستراتيجية لتايبيه لصالح واشنطن، يتعين على أمريكا محاكاة جهود الصين في دعم قدرات أشباه الموصلات لديها، وخفض معدل الاعتماد على الشركات التايوانية. كما يجب أن يدفع مثل هذا التوجه تايوان إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الصلبة.

ويقول الباحث سافالو في ختام تحليله إنه لحسن الحظ، يمتلك صناع السياسة في واشنطن آلية متاحة بشكل سهل إلى المساعدة في تحفيز تحول تايوان من «درع السيليكون» إلى آلية إنكار الدفاع، أي تجاهل حقيقة الموقف.

اقرأ أيضاً.. حزب الله يخسر الأكثرية النيابية في برلمان لبنان

وأضاف إن قانون المنافسة مع الصين المنتظر أن يوافق عليه الكونغرس هذا العام، سوف يوفر 52 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات في أمريكا. وهناك تشريع مماثل في أوروبا، يتضمن توفير 48 مليار دولار، وبذلك تستطيع دول الغرب مجتمعة تقديم 100 مليار دولار من أجل توطين صناعات البحث والتصميم والتصنيع في مجالات أشباه الموصلات في أماكن أكثر أمانا، وفي الوقت نفسه دفع تايوان إلى أن تكون أكثر جدية بشأن مسألة الدفاع الذاتي عن الجزيرة.